تصحيح رسالتنا للعالم بعد صفقة القرن فلا أحد يحترم المستسلمين

بقلم: محمد سيف الدولة

أجرم العرب والفلسطينيون الرسميون كثيرا، فى العقود الأربعة الأخيرة، حين قدموا للراى العام العالمى رواية لا تمثل حقيقة مواقفنا بل هى أقرب الى الرواية الصهيونية، فكانت النتائج كارثية؛ فمن ناحية انتهكوا وتنازلوا عن حقوقنا التاريخية وثوابتنا الوطنية، ومن ناحية أخرى عجزوا عن نيل اقل القليل الذى طالبوا به وتنازلوا عن كل شئ من اجله.

 

***

واليوم تأتى صفقة القرن لتعطينا فرصة هامة للتكفير عن جرائمنا وخطايانا الكبرى، بعد ان اعادت تسليط الاضواء على فلسطين وقضيتها، فمهدت الطريق امامنا للتصدى لها واجهاضها من خلال سلسلة من المهام الوطنية العاجلة على رأسها ضرورة إطلاق وتنظيم حملات سياسية واعلامية ودعائية على اوسع نطاق موجهة للراى العام العالمى تستهدف تصحيح الرؤية والمعلومات الزائفة التى روجت لها الصهيونية العالمية على امتداد عقود طويلة، وصدقت عليها جماعات كامب ديفيد واوسلو ووادى عربة ومبادرة السلام العربية. وطرح الرواية الحقيقية للقضية المتمثلة فى:

  •        ان فلسطين من بحرها الى نهرها هى ارض عربية سيتم تحريرها ان عاجلا او آجلا مثلها مثل كل الشعوب والامم التى عانت من ويلات الاستعمار واستطاعت بعد عقود من الكفاح والنضال والمقاومة من ان تنال حريتها واستقلالها.
  •        وانه لولا الدعم الأمريكى والاوروبى اللامتناهى للاحتلال لكانت فلسطين قد تحررت منذ زمن طويل، وهو الدعم الذى آن الأوان أن يتوقف تحت ضغط كل الاحرار من شعوب اوروبا وامريكا.
  •        وان اتفاقية اوسلو واخواتها وكل الاعترافات العربية الرسمية بشرعية (اسرائيل)، تمت تحت اكراه احتلال فلسطين والاراضى العربية بالقوة فى حماية ودعم الغرب بقيادة الولايات المتحدة الامريكية.
  •        كما انها تمت على أيدى حكام وأنظمة تابعة ومستبدة، لا تمثل شعوبها على أى وجه.
  •        فكافة الشعوب العربية بلا استثناء واحد وفى القلب منها الشعب الفلسطينى ترفض الاعتراف باسرائيل والتعايش مع هذا الكيان باى حال من الاحوال.
  •        وان اى ترتيبات دولية او اقليمية تتجاهل هذه الحقائق، ستؤدى الى انفجار المنطقة ان عاجلا او آجلا.
  •        اى انه بمختصر القول، لن يكون هناك استقرار فى المنطقة ولو بعد مائة عام اذا لم يتم تحرير كامل الارض العربية المحتلة وانهاء وجود هذا الكيان الاستعمارى الاستيطانى العنصرى الارهابى المسمى باسرائيل.
  •        بل انه لن يكون هناك استقرار فى اى دولة عربية قبل تحرير فلسطين، حيث ان الشرعية الوطنية لاى نظام او حاكم العربى ستكون دائما على المحك طالما قام بالتطبيع مع (اسرائيل) او حتى اكتفى بالتزام الصمت تجاه الاحتلال.
  •        وهذا هو تاريخ المنطقة ومواقف شعوبها وقادتها التاريخيين تجاه الاحتلال الاجنبى لاى قطر من اقطارها منذ زمن بعيد، هذا تاريخنا مع الحروب الصليبية ومع غزو التتار ومع الاستعمار الاوروبى فى القرنين الماضيين.
  •        ان الاكتفاء كما يحدث منذ ربع قرن بالمطالبة بدولة فلسطينية على حدود 1967 فقط، مع التنازل عن ارض 1948 لاسرائيل والاعتراف بشرعية دولتها، قد أثر كثيرا على مصداقيتنا وعدالة قضيتنا، فلا احد يتنازل عن ارض الوطن، الا اذا كانت هذه الارض بالفعل لا تخصه، وكان يخدع العالم ويكذب عليه طول الوقت مدعيا انها ارضه.
  •        واذا كانت فلسطين 1948 ليست ارضا فلسطينية باعتراف السلطة الفلسطينية، فما الذى يجعل العالم يصدق ان ادعاءاتها بأن فلسطين 1967 هى ارض فلسطينية هو ادعاء صادق؟ لماذا يصدقونهم هذه المرة؟
  •        كما ان الذى يتنازل عن اربعة اخماس وطنه للمحتل، على استعداد للتنازل عن الخمس الباقى اذا تغيرت الظروف. فلماذا يتحمل العالم عبء الضغط على (اسرائيل) وتحدى الولايات المتحدة، لجلب حقوق الفلسطينيين الذين أثبتوا انهم لا يتشبثون بثوابتهم وحقوقهم الوطنية، بل يمكن الضغط عليهم وترويضهم واخضاعهم. (هكذا يفكر العالم بعد تنازلات اوسلو)
  •        اضافة الى ذلك ما الذى يجبر المجتمع الدولى او يحفزه على اعطاء اى شئ للفلسطينيين؟ او بكلمات اخرى ما هى المخاطر التى تهدد المنطقة والعالم اذا تم تجاهل الفلسطينيين وتصفية قضيتهم تماما، فى ظل حالة الاستسلام الكامل من السلطة الفلسطينية وتنازلها عن الحق فى المقاومة وتجريمها للمقاومة وللانتفاضات التى اعتبرها ابو مازن انها كانت بمثابة كارثة على الفلسطينيين؟
  •        فها هى (اسرائيل) تبتلع كل يوم مزيد من الارض الفلسطينية فى الضفة الغربية، وتهود القدس وتتحرش بالمسجد الاقصى، بدون ان يكون هناك اى ردود فعل حقيقية او عنيفة او جذرية من السلطة الفلسطينية، او كما قالت نيكى هيلى سفيرة امريكا السابقة فى الامم المتحدة، "ها قد نقلنا سفاراتنا الى القدس ولم يحدث شئ .. لم تنطبق السماء على الارض."
  •        كما ان اللهث وراء الاحداث والمتغيرات الجارية التى توجهها وتُحكِم لجامها الولايات المتحدة الامريكية ومجتمعها الدولى، لم تعد مجدية، ويمكن ان نظل نلهث ورائها لقرون طويلة بدون ان نحقق اى نتيجة.
  •        وهو ما يتطلب اعداد خريط عالمية للقوى والتجمعات الحرة المناصرة للحقوق الفلسطينية والعربية والمعادية للامبريالية الامريكية والاوروبية وكذلك تلك التى لا تخضع لنفوذ وسيطرة الجماعات الصهيونية. وعلينا دعوة الجاليات والنشطاء من المهاجرين الفلسطينيين والعرب والمسلمين للاشتباك والمشاركة فى حملات دعوة ودعاية واسعة عبر ما تتيحه الادوات الديمقراطية فى المجتمعات الغربية من امكانيات.
  •        ولا ازال اتذكر فى مؤتمر القاهرة الدولى لمواجهة الاحتلال الصهيونى لفلسطين والاحتلال الامريكى للعراق المنعقد فى عام 2008، ان الوفد الاسكتلندى هو الذى تقدم باقتراح تنظيم حملات عالمية لاحياء الذكرى الستين للنكبة لما يمثله ذلك من ضرب فى شرعية وجود اسرائيل، والخروج من الحلقة الضيقة الفاشلة والباطلة والمستحيلة وغير المبدئية، المطالبة بالحقوق الفلسطينية فى الضفة الغربية وغزة فقط.
  •        فاذا بحثنا جيدا سنجد كثير من الاخيار على مستوى كل بلدان العالم. وما علينا الا ان نجدهم ونتوجه اليهم بخطابنا الوطنى الاصلى وبأسانيدنا التاريخية والعلمية وبشبكة علاقاتنا العالمية وبأدواتنا المبدعة والذكية، وقبل ذلك وبعده بدأبنا ومثابرتنا.

*****

محمد سيف الدولة

[email protected]

القاهرة فى 20 يوليو 2017