كانت مناسبة جيدة أن نجتمع برئيس الوزراء د. محمد اشتية، حيث أُتيح لي أن أستمع عن قرب إلى ما كنت أطمح في الاستماع إليه، ففي حديث صريح ودقيق، أكد رئيس الوزراء على ثبات القيادة الفلسطينية على مواقفها التي تم الإعلان عنها مؤخراً، إذ أن هذه المواقف نهائية وقاطعة، لأن التراجع عنها تعني الكارثة بحد ذاتها.
فلا تراجع عن الانفكاك عن الاحتلال، رغم صعوبة ذلك ومحاذيره ومخاطره، الانفكاك يعني البحث عن البدائل المتوفرة، يعني فتح أسواق جديدة، يعني الاستدارة نحو الجدار العربي، ولهذا كانت زيارة د. اشتية إلى العراق، حيث بدأ عصر جديد في العلاقة مع الشقيقة العراق، إذ تم الاتفاق على استيراد النفط المكرر من هناك بسعر يعادل السعر التفضيلي في الأردن الشقيق، كما تم الاتفاق على أن يحظى الفلسطينيون هناك بذات المعاملة التي يحظى بها العراقي، كانت الزيارة إلى العراق – حسب د. اشتية – فاتحة خير وسياسة يجب تعزيزها، وهذا جهد آخر من جهود الانفكاك عن المحتل، الذي يستنزفنا ويسرقنا من خلال الفواتير التي تتضخم بلا حساب، الاحتلال يريد منا أن نمول احتلاله وأن نتحول إلى دجاجة تبيض ذهباً كل يوم، لقد حان الوقت لوقف ذلك تماماً، فلابد من مراجعة كل فاتورة، ولابد من معرفة أدق التفاصيل، ولابد من إعادة النظر في طبيعة العلاقة مع المحتل من كل النواحي، ولابد من أن تكون العلاقة ليست باتجاه واحد أو ذات طبيعة واحدة، وكل ذلك حسب اشتية الذي أضاف أن موقف القيادة لا تراجع فيه في رفض استلام أموال المقاصة منقوصة، ذلك أن في قبولها اعتراف بالرؤية والرواية الصهيونية، واعتراف منا بأن شهدائنا وأسرانا وجرحانا إرهابيون، واعتراف منا بأننا نستحق المحاكمة وأن بنوكنا تستحق المحاكمة، ويتحول نضالنا كله إلى إجرام وإرهاب.
لذلك فإن رفض القيادة استلام أموال المقاصة منقوصة ليس قراراً مالياً، بل هو قرار وطني من الدرجة الأولى ولا رجعة عنه، وهنا لابد من الالتفاف خلف السيد الرئيس بهذا القرار الشجاع.
وطمأن رئيس الوزراء الحاضرين إلى أن القيادة الفلسطينية بصدد فتح أسواق وعمل شبكة أصدقاء محليين وإقليميين وعرب، يمكن أن يتم تجاوز هذا الحصار الظالم في أقرب وقت.
كان د. اشتية يتحدث وهو مملوء بالأمل والحماسة ليتجاوز العقبات والصعوبات، والحقيقة ان كلامه كان مفرحاً ويبعث على الأمل، وبهذه المناسبة يمكن القول إن د. اشتية قادر على النجاح إذا ما كان هناك اصطفاف فصائلي ومدني، بحيث أن لا يكون هناك شد وجذب، وتنافس لا معنى له، وتراشق بالاتهامات واللعنات.
وقد يكون من اهم إنجاح ذلك أن تعمل حكومة اشتية أيضاً في قطاع غزة، تحقيقاً لدعوة الرئيس محمود عباس يوم امس أمام المجلس الثوري، أنه على استعداد لتطبيق اتفاق 2017 فوراً.
إن د. اشتية بكلامه الطيب وحماسته الملحوظة، وبناءً على خبرته الاقتصادية المشهود لها، واستناداً على الجو الجيد الذي ينشره شخصياً ورسمياً، لا يُنتظر منه سوى النجاح إن شاء الله.
بقلم/ اللواء د. محمد المصري