منذ الخلق الأول ونشأة البشرية على كوكب الأرض تميزت فلسطين وأول من وطأت أقدامهم على أرضها بالعلم والبناء والحضارة..الكنعانيون الذين لازمتهم على الدوام صفة البطولة والشجاعة والجبروت حتى أطلق عليهم قوم سيدنا موسى عليه السلام اليهود القادمين من مصر غرباً بقوم الجبارين حين قالوا له : (إذهب وقاتل انت وربك إنا هاهنا قاعدون) لهول ما رأت عيونهم من شعب الجبارين سكان فلسطين الأصليين الذين يشبهون في كثير من الأمور أشقائهم في بلاد الرافدين وعموم الشام.. من البابليين والسومريين والأشوريين والفنيقيين الذين ينحدرون جميعاً من اليمن والجزيرة العربية وشكلوا منارات مضيئة ومشعة في بلاد الهلال الخصيب من فلسطين جنوبا وغربا وحتى العراق شمالا وشرقا ,وكان لحضارة كنعان في الجنوب الغربي للهلال الخصيب ألقها وبريقها الخاص والمتميز على الساحل الفلسطيني مما جعل من فلسطين جوهرة الحضارات العربية الأولى وهي بالمناسبة أولى الحضارات البشرية كما هو مدون في تاريخ الحضارات ونشوئها, وكانت معها فلسطين منارة للعلم والحكمة والبناء والجمال, ومزاراً للعابدين والسائحين من شتى أصقاع المعمورة الذين إنبهروا بجمال طبيعتها وعظم فنونها وشموخ بنائها ,وكذلك إرتباطها العضوي بالحضارات العربية المجاورة بشكل أثار رغبة الطامعين الذين أيقنوا مدى الأهمية لفلسطين كجوهرة بالنسبة لحضارة العرب في الشام والعراق والجزيرة واليمن وحاولوا عبثاً عبر مراحل التاريخ الإستحواذ عليها وفصلها عن محيطها العربي الحضاري.
نستنتج هنا أن فلسطين شكلت عبر مراحل التاريخ منارةً حضارية ومصدر إلهام روحي للبشرية جمعاء , وكانت مهداً للديانات السماوية كافة ومهبط الرسل والأنبياء وملاذ العابدين والزاهدين والحكماء الذين رسموا وخطوا للعالم قاطبة خارطة الحق والعدل وطريق الخير والعطاء وشاطيء الأمن والأمان والسلام بشكل أثار على الدوام حفيظة قطاع الطرق ورواد الجريمة ومصاصي الدماء وأعداء المنطق الذين ما فتئوا وعبر مراحل التاريخ كافة يواصلون عدوانهم وغزواتهم وسلوكهم المنحرف في محاولات بائسة لإطفاء النور المتقد والمنبعث من جوهرة العرب والكون , وفشلت معها غزوات اليونان والبيزنط والروم والفرس والتتار عبر حقب التاريخ ومنعطفاته كافة وتالياً الغزوات الصليبية والإفرنجية المتكررة التي لم تفلح أبداً في كسر جوهرة العرب (فلسطين) وعزلها عن محيطها العربي ومحو عروبتها , وظلت على الدوام عصية على الإنكسار والإندثار يلتف العرب من حولها كصنوان لا ينفصلان ,وبقيت سبباً عبر التاريخ لوحدة العرب وإستنهاض الأبطال والفرسان والفاتحين من نبوخذ نصر الى عمر بن الخطاب وحتى صلاح الدين الأيوبي.
وفي التاريخ الحديث المرتبط جدلياً بالماضي الإستعماري السحيق وتحديدأ في مطلع القرن التاسع عشر مع أفول نجم الحضارة العربية الإسلامية عكفت القوى الإستعمارية في غرب الكرة الأرضية وشرقها على وضع الخطط والمؤامرات الكفيلة وفق ظنونهم بالإجهاز تماماً على الوطن العربي وحضاراته وأية إمكانية مستقبلية لنهوض العرب مجدداً ..وكانت فلسطين جوهرة العرب محور تلك المؤامرات والمخططات المشبوهة من مؤتمر كامبل ومخرجاته الى سايكس بيكو وسان ريمو وصولاً الى وعد بلفور المشؤوم الذي يقتطع فلسطين من الجسد العربي لصالح المشروع الصهيوني الكولونيالي على قاعدة المصالح المشتركة لقوى الصهيونية والإمبريالية التي تستهدف نهوض الأمة وكنوزها وسلب فلسطين التي تجمع العرب وتوحدهم وتستنهض قواهم الحية التي لا تموت والكامنة في بطن الصحراء العربية الولودة.
ورغم النكبة والنكسة والشتات وجرائم الحرب والإبادة والتطهير التي حلت جميعها بالشعب العربي الفلسطيني واصل الفلسطينيون رسالتهم المعطائة , فكانوا رأس حربة في ثورة العرب ضد قوى الإستعمار والإحتلال ومخططاتهم كافة, وقد أبلوا بلاءً حسناً في فنون المقاومة والفداء وتصدوا بصدورهم العارية لفلول المستعمرين والمحتلين من خلال إنتفاضاتهم المتتالية والمباركة في وجه الظلم والإستعمار والإستيطان ,إضافة لمواصلتهم طريق العلم والبناء والحضارة في أي قطر عربي وطأته أقدامهم وكان لهم الأثر البليغ في بناء الكويت وعموم الخليج العربي والجزيرة والأردن وسوريا ولبنان وإمتدت سواعدهم لتبني في مصر وليبيا وشتى أقطار المغرب العربي برغم وجع الجرح الفلسطيني وسيل الدماء الجارف ..يحذوهم الأمل بنصر قريب وأكيد ..ويقينهم لن يخيب أن فلسطينهم وحدها هي مفتاح نهضة وتحرر العرب.. كيف لا وهي جوهرتهم منذ نشوء الخليقة وتكوين الحضارات الأنسانية.
بقلم/ ثائر الشولي
بيت فوريك – فلسطين المحتلة
تموز - 2019