وزير الإعلام في السلطة الفلسطينية السيد نبيل أبو ردينة يهدد ويقول: خلال الأيام القادمة، ستتخذ القيادة قرارات مصيرية بشأن العلاقة مع إسرائيل والاتفاقات الموقعة معها!
وأنا تشكك في ذلك، وشعبنا لا يثق بكل هذه البالونات الإعلامية الفارغة، وذلك لأن القيادة التي لم تطبق قرار المجلس المركزي الصادر بهذا الشأن بتاريخ مارس/2015، لن تطبقه الآن، لأنها لا تقدر، ولأنها لا ترغب، ودليل على ذلك ما سأذكره في تفاصيل هذا الحادث التفاوضي الذي جرى قبل عشرين عاماً، وكان السيد نبيل أحد أبطاله:
سنة 1998، تم التوقيع على اتفاقية "واي ريفر" بين السلطة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي، وكان إطلاق سراح 750 أسيراً فلسطينياً على ثلاث دفعات إحدى شروط تلك الاتفاقية.
ولتحديد أسماء الأسرى المفرج عنهم، تم الاتفاق على عقد لقاء بين مدير مصلحة السجون الإسرائيلية ووزير شؤون الأسرى والمحررين هشام عبد الرازق في القدس، في ذلك اللقاء قدم مدير مصلحة السجون الإسرائيلية قائمة بأسماء 250 سجين مدني، وسجناء تنتهي فترة محكوميتهم بعد أيام.
كان من الوطنية أن يرفض وزير شؤون الأسرى التغطية على جريمة تمرير صفقة كاذبة، لا تتضمن أسماء الأسرى المحكوم عليهم بالمؤبد، والذين هم في السجون قبل التوقيع على اتفاقية أوسلو، ولاسيما أن لوزير الأسرى هشام عبد الرازق خبرة ودراية في أساليب التفاوض مع الإسرائيليين، كان قد اكتسبها من خلال تمثيله للأسرى خلف القضبان، لذلك خرج من الاجتماع رافضاً وغاضباً، وفي طريقه إلى غزة، طلب مني أن أرتب له مؤتمراً صحفياً، يفضح فيه الكذب الإسرائيلي، والالتفاف على الاتفاقيات، وأنه لن يكون شاهد زور على صفقة لا تتضمن إطلاق سراح الأسير كريم يونس وماهر يونس ووليد دقة وأمثالهم.
فماذا جرى؟
مجرد انتهاء المؤتمر الصحفي، اتصل أمين عام الرئاسة الطيب عبد الرحيم، وأبلغ هشام عبد الرازق بغضب القيادة، وطالبه بالموافقة على كشف السجناء المقدم من مدير مصلحة السجون الإسرائيلية كما هو.
كان رد هشام عبد الرازق: ماذا أقول لأهالي الأسرى؟ كيف أرد عليهم إن سألوني عن مصير أولادهم؟ لن أشرف على صفقة غدر ومهانة للأسرى، وأضاف: اتركوني أفاوضهم على طريقتي، وسأضمن لكم فرض إرادتنا عليهم، انتظروا قليلاً.
ولكن الهاتف لم يتوقف عن الرنين، تواصلت الاتصالات مع وزير شؤون الأسرى من قيادات فلسطينية وازنة، وجميعهم يطالب وزير الأسرى بتمرير قائمة السجناء المدنيين كما أعدتها إدارة السجون، ليظل هشام عبد الرازق على موقفة الرافض للمشاركة في المهزلة.
وكان آخر اتصال من نبيل أبو ردينة، الذي قال لوزير الأسرى بلغة الحسم: هذه تعليمات الرئيس أبو عمار
ورفض هشام عبد الرازق بكل إباء، رفض أن يشارك بصفقة خداع الأسرى، وتشكك أن تكون هذه التعليمات صادرة عن أبي عمار حقاً!
في نهاية الحوار، قال نبيل أبو ردينة: إن لم تذهب لاستقبال السجناء المفرج عنهم بصفتك وزيراً للأسرى، سنرسل من طرفنا من يستقبلهم باسم السلطة، ولكن عليك التوقف عن انتقاد الصفقة عبر وسائل الإعلام.
بعد ساعة، كان مسؤول فلسطيني آخر يستقبل السجناء المدنيين المفرج عنهم، وكان نبيل أبو ردينة يدلي بتصريح صحفي يقول فيه: أفرج الطرف الآخر عن دفعة أولى من الأسرى الأبطال، وسنواصل الضغط كي يطلق الاحتلال سراح الأسرى المحكومين مؤبد، والمسجونين قبل اتفاقية أوسلو، ولن نسمح للاحتلال بتمرير مخططاته.
أنا شاهد على هذه الواقعة قبل عشرين عاماً، والتي كانت نتائجها عدم خروج عشرات الأسرى أمثال كريم يونس وإبراهيم أبو مخ، والأسير وليد دقة، وسامي يونس وآخرون حتى يومنا هذا!
تصريحات نبيل أبو ردينة عن قرارات مصيرية وحاسمة ضد الاحتلال الإسرائيلي فات زمانها، هذه البالونات سمحت للسبت اليهودي أن يفوت في عمق الضفة الغربية حتى بلغ عدد المستوطنين 700 ألف، وصارت القدس معزولة، وصارت غزة تئن من الحصار والعقوبات، وصال وجال كوشنير وجرينبلات وديفيد فريدمان في ملفات القضية الفلسطينية وفق مخططاتهم، وهم واثقون أنهم يتحركون تحت مظلة التعاون الأمني المقدس.
د. فايز أبو شمالة