بعد أن قامت سلطات الاحتلال الاسرائيلي بهدم بنايات في وادي الحمص في احدى ضواحي القدس العربية، صور باهر، غير مبالية بكل ردود الفعل السياسية "الباهتة" والخجولة، وبعد أن قررت سلطات الاحتلال هدم عشرات البيوت في منطقة سلوان لاقامة "حديقة النبي داود"، وبعد أن قامت هذه السلطات بالاحتفال بافتتاح نفق من منطقة سلوان نحو حائط البراق، وتحت الحرم القدسي الشريف بمشاركة مسؤولين اميركيين.
وبعد كل هذا الذي تواجهه القدس العربية، ألم يحن الوقت كي نعترف جميعا عربا، والمعنيين بحقوق الانسان، وبالحفاظ على التراث اننا مقصرون تجاه القدس العربية وابنائها، واننا نجيد فن اصدار البيانات والتصريحات النارية، ولكن على ارض الواقع، لا تقدم ولا تؤخر مثل هذه الردود، ولولا معرفة سلطات الاحتلال بهذه الردود الضعيفة الهزيلة لما تجرأت على المضي قدما في اجراءاتها التعسفية القمعية المخالفة لكل القوانين والشرائع الدولية.
وبعد كل ما جرى، فلا بدّ من أن نتوقع المزيد من الاجراءات الاحتلالية القمعية، ولا بدّ ايضا من أن نقف رويدا وندرس ونعرف ماذا تخطط اسرائيل لمستقبل القدس.
إن هدم منازل، واقتحامات للحرم القدسي الشريف، ومداهمة العيسوية، وبناء انفاق، وابلاغ اصحاب البيوت في كل منطقة عن نيتها في هدم بيوتهم، أي أنها تنوي تشريدهم، كل ذلك يجبرنا على أن نحاسب أنفسنا، ونتساءل: ماذا فعلنا لمواجهة مثل هذه الخطوات الخطيرة ضد وجودنا في المدينة؟ وما يجب فعله؟ وما هي أهداف هذه الاجراءات الظالمة؟
إن مضايقة أبناء القدس، وخاصة منطقة صور باهر، ومنطقة العيسوية، ومنطقة سلوان تهدف الى زرع اليأس في نفوس قاطني هذه المناطق، وبالتالي تشجيعهم على الهجرة أو الرحيل طواعية، أو بيع عقاراتهم والهروب من هذه الديار المقدسة، ولا بدّ أيضاً من التذكير ان المساعي الاسرائيلية للتخلص من اكبر عدد ممكن من سكان القدس الاصليين العرب مستمرة منذ لحظة احتلال المدينة بعد حرب حزيران 1967. وكم من مخطط أعدّ للتخلص من ابناء القدس، وقيل أكثر من مرة، ان بطاقات الهوية الزرقاء ستسحب من سكان مناطق عدة وتسليم ادارة شؤونهم للسلطة الوطنية الفلسطينية لانهم يقيمون داخل الضفة، وفي منطقة محاصرة بالجدار العنصري. في حين أن أي مستوطن يهودي يقيم في الضفة فهو معزز مكرم ومدلل الى حد كبير، اذ لا تسحب منه بطاقة الهوية، ولا يتعرض لأي مضايقات بل يحصل على امتيازات لا يحصل عليها اليهودي المقيم في داخل الخط الاخضر.
والامر المؤلم والمحزن ان سلطات الاحتلال تخطط لتعزيز سيطرتها على المدينة، فاننا في الوقت نفسه نكافىء الاحتلال باجراءات تطبيعية، وممارسات وتصرفات تضعف صمودنا، ووجودنا. فكانت القدس واقعيا وقبل اتفاق اوسلو، ورغم احتلالها، حيوية وعاصمة بالفعل، تعج بالمؤسسات العديدة الثقافية والتربوية والفكرية والاجتماعية والسياسية والاعلامية. فقامت اسرائيل باغلاق عدد كبير منها، ونحن قمنا باغلاق ما تبقى لعدم الوقوف الى جانب المؤسسات الوطنية والحفاظ على وجودها.
لقد حان الوقت كي نعمل بصورة جدية وهادئة، فتعزيز صمود ابناء القدس لا يتم عبر بيانات، بل عبر خطوات على ارض الواقع، وعبر اعداد خطة عمل مدروسة.. واذا بقينا نصرخ فقط ضد الاحتلال، ولا نفعل شيئا على ارض الواقع، فاننا مذنبون ومقصرون، وعلينا حينها ان نعترف بأننا وعبر تقصيرنا نساهم بصورة مباشرة في فقدان أحلى وأقدس وأطهر مدينة في العالم.
بقلم/ جاك يوسف خزمو