كرْبُ امرأة

بقلم: عطاالله شاهين

اعتادتْ امرأةٌ النّظرَ إلى مرآتِها في كُلِّ صباحٍ، كانتْ ترى تجاعيدَ وجهِها فتكرب من رؤيتها لتلك التجاعيد، لكنّها ظلتْ تتمتم كعادتها عندما تظلّ تنظرُ إلى وجهِها المتجعّد بثنياتٍ بدتْ لها امرأةً هرِمة، والكرْبُ يجتاحها مما تراه، فكانتْ تبرطمُ بعد أنْ تبتعدَ عن المرآةِ: هلْ فعلا هرمتُ فجأة، رغم أنني أشعرُ وكأنني امرأةٌ في منتصفِ العشرينيات، فالتّجاعيدُ أتتني من كرْب الحياة، فحين أرى تجاعيدَ وجهي، التي ظهرتْ بمرورِ السّنين أشعرُ بأنّني أعيشُ في كرْبٍ، لأن الكرْبة ظلّت تلاحقني منذ صغرِي.. تجلسُ المرأةُ في كُلِّ صباحٍ على الأريكةِ، وتبدأُ بقراءةِ الصّحفِ بعدما تنادي على خادمتِها لإحضارِ فنجانِ القهوة، وفي أحد الأيّامِ عندما كانتْ تقرأُ جريدةً وقعَ نظرُها على إعلانٍ يروّجُ لعملياتٍ تجميلية.. كانتْ حينها تراودها فكرةُ الذّهاب إلى تلك العيادة، لكنّها ظلّتْ مترددة.. وذات صباحٍ نظرتْ إلى خادمتِها، ورأتها شابّةً على غير عادتها، فسألتَها ماذا فعلتِ بوجهِكِ؟ إنّكِ تبدين أصغرَ عمراً، كانتْ الخادمةُ متردّدة للإفصاحِ عمّا فعلته بوجهِها، لكنّها قالت لها: طول عُمري أوفّر نقودا لعملِ عملية تجميلية لوجهي، فلا أريد أن أهرم بسرعة، ففهمت المرأة سبب إشراقة الخادمة بوجهها الطفولي، فعلمتْ المرأةُ ذات التّجاعيدِ بأنّ عيشَها في كرْبٍ سيظلّ يُؤلمها، فمُنذ صغرِها والكرْب على وجهِها جاثم من قسوةِ الحياة التي عاشتها، وكانت تقول إلى متى سأظلُّ هكذا غارقةً في حزن، لا أريد أنْ أهرمَ بسرعةٍ، فأنا ما زلتُ مفعمةً بروحِ الشّباب، فتجاعيدُ وجهي تجعلني أرى كلّ الكربة، فلماذا لا أهجرُ الحزن؟ أريدُ أنْ أرى وجهي بلا تجاعيدٍ، كفى كربا، فمنذ صغري وأنا أكدّ، وها أنا بتّ امرأةً هرِمة من بُؤسٍ يُحاصرني، سأضع حدّا لحزني المجنون، فلماذا لا أصبحُ امرأةً ساحرةٍ بعد اليوم، فلا يعقلُ أنْ أرى تجاعيد وجهي كلّ صباحٍ رغم أنني أريد أن أبقى امرأة جذّابة، لكنّ عيشي في الكرْبِ طوال السّنين جعلني أهرمُ بسرعة، وحين كانت تصلُ إلى العيادة، تقف هناك كعادتها وتعود وتقولٌ في ذاتها: لقد هرمتُ، لا يمكن إخفاءُ وجهي من كرْبِ الحياة..
 عطا الله شاهين