رغم الحصار والأغلاق المقاومة الحياتية في قلب مسيرات العودة

 دخلت المقاومة الحياتية الفلسطينية مرحلة جديدة ومحطة فارقة من الكفاح والنضال وأخذت حيزاً كبيراً في مخيمات العودة وكسر الحصار، وتجاوزت الحدود بالمواجهة ضد الاحتلال الإسرائيلي.، مشهد يتكرر كل أسبوع يوحي لنا بتفاصيل حكاية القلب الذي يحمله اللاجئ على مدار سبعين عاما ومعاناة سنين فيها للصخر والمفتاح عنوان وآهات، أتدرون كيف يحوي هذا القلب الصخر والمفتاح معاً..؟ لا يزال هذا القلب يخاطر ذاكرته عن أمل العودة.

مقاومة لها مفاعيل متنوعة تجسد بعداً ثورياً يحمل رؤى ومواقف من خلال طاقاته وابتكاراته الابداعية لوسائل وأساليب بدائية تعبر عن مقاومته المشروعة، لم تنفصل المقاومة بمختلف أشكالها يوماً عن حياة الشعب الفلسطيني ونهجه في الدفاع عن أرضه ووطنه. فعلى خطى الاجداد نسير بالمقلاع والحجر انتفاضتنا، وبالزجاجات الحارقة أحرقنا جند إسرائيل، وبالسكين زلزلنا أمن إسرائيل، وبدخان إطارات السيارات أشعلنا غضب الغاصب، وبالطائرات الورقية أربكنا الكابينيت، أبدع شعبنا العظيم في وسائل مقارعته للاحتلال وعلى قاعدة أن "الحاجة أم الاختراع" وبرعوا بنجاح لخلق بدائل وابتكارات تساعد على استمرارية مسيرة العودة.

المأساة الفلسطينية لا زالت حاضرة بكل تفاصيلها المؤلمة، ولا زال حلم العودة يسكن وجدان أطفال وشباب وكهول المخيمات الذين ورثوا حب الوطن ورضعوا تفاصيله من ذاكرة الأجداد، حين طلبوا من الشاعر تميم البرغوثي قصيدة لثائري الحدود قال "قولوا لأهل غزة هم القصيدة فليكتبوا ونحن سنقرأ".

تبدع لتصمد.. وتبدع لتبقى.. وتبدع لتقاوم

أحبت وطنها فألهمها سر البقاء والعطاء، قطفت الورود بعبق حنون العودة، إصرارها قادها للحلم المنشود رغم الشوك المنثور على الحدود، إنها سيدة رفح الصمود "مخيم الشابورة" سيدة فلسطين العنود سهيلة أبو عاذرة (48 عاماً) تشق ظلمة العتمة بصورة جمالية باتجاه الشمس كونها "كوافيرة" متحديةً الظروف المحيطة والاحتلال، مندفعةً بقوة وصلابة نحو الحدود رغم إصابتها ثلاث مرات، إلا أنها لن تتواني عن قطف الورود من على الحدود كل أسبوع، لقبت بـ"سيدة الورود" تشارك بمخيمات العودة لتثبت أن الجرح الفلسطيني أورثنا هزائم لا تحصى، نكبات ونكسات، لكنه خلّف لنا حالة من الابداع لاستعادة حقنا المسلوب، فالمقاومة أم الإبداع. أكدت أبو عاذرة على حقها بالعودة وعدم التنازل عن شبر واحد من فلسطين كلها حتى لو كلفها ذلك حياتها، وأنها ماضية لتحقيق أهدافها، على أمل العودة إلى قريتها لتزرع بذور الحرية ولتقطف ورود عمرها بدون أشواك.

"وصل البزر على الحدود.. قزقز وتف على اليهود"

لا تموت الآمال في قلوب تسقى بأمل العودة ونبض الوطن، بائع البذر فايز الأخرس (30 عاماً) من قلعة الشهداء أبدع في تنفيذ أفكار وحيل إبداعية، واستعراض شخصيات لوجهاء ومخاتير تجسد معاناة الشعب الفلسطيني، فنراه في كل مرة يبتكر ويطور الأدوات البدائية لمواجهة الآلات العسكرية الإسرائيلية، مقاومة من نوع آخر، نهفات ساخرة تركت أثراً بالغاً في مخيمات العودة وكسر الحصار، وأخذت مساحة إقبال لدى المتظاهرين بانتظار مفاجآت وابداعات ما هو جديد..؟ اول من أطلق اسم "وحدات البزر" منادياً بميكروفونه الذي اعتادوا عليه "وصل البزر على الحدود، قزقز وتف على اليهود"، "بزرنا مضاد للغاز المسيل".

ابتكر وسيلة للحماية باستخدام أواني الطبخ من طناجر وصواني وسميت "وحدات المطبخ"، لم يتراجع فايز يوماً عن مشاركته رغم إصابته مرتين، بل افتعل مقاومته بالإرباك الليلي لمساعدة الثائرين وطواقم الخدمات الطبية مستخدماً طريقة إبداعية جديدة وهى "المنفاخ" لإنقاذ المتظاهرين من استنشاق الغاز والاختناق.

ويبقى فايز يمثل حالة رمزية نوعية في النضال الوطني الفلسطيني، وذاكرة تؤرخ لمسيرات العودة الكثير من محطاتها الأساسية، ووجه كلمة لحكام العرب بأننا شعب ليس مدفوعي الأجر، وسبب انقسامنا التواطؤ المفضوح من القيادات المستفيدة باستمرار حالة الانقسام، فعلينا أن نسعى لإنهاء الانقسام بشكل جذري واعادة توحيد صفوفنا لمواجهة المؤامرات التي تهدف لتصفية القضية الفلسطينية وشطب الحقوق الوطنية.

وكشف فايز عن مفاجآت خلال الفترة القادمة، على الجميع انتظارها ومنها "وحدة البرابيش".

ساقية العودة ... الحاجة أم فادي الدرة

هي واحدة من أولئك النساء المناضلات والصابرات، اللواتي عشقن المقاومة وخضن النضال،

اسمها تردد كثيراً على مسامع المشاركين في مسيرات العودة وكسر الحصار، وحفر عميقاً في أذهانهم وبقيّ راسخاً في الذاكرة منذ بدء مخيمات العودة.

أم فادي الدرة (52 عاماً) وهبت حياتها لتروي ظمأ المتظاهرين منذ بداية مسيرات العودة، لم تغب يوماً عن عطشهم تحمل في يدها الماء البارد لتسقي المتظاهرين دون كلل أو ملل، لم يمنعها كبر سنها من المشاركة، على الرغم من اعتداءات الاحتلال الذي لم يكن عائقاً أمام صمودها، مؤكدة أنها ستبقى تروي رمق الشباب الثائر حتى لو ارتوت الأرض بدمائها، وتعتبر ذلك طريقتها في النضال. مضيفة: "لقد نشأنا على حقيقة أن المرأة هي رمز المقاومة، إذ ساعدت جداتنا دائما أجدادنا، وحاربن معهم خلال النكبة والانتفاضة الأولى، رسالتها لحكام العرب تناشدهم بالوقوف مع شعبنا ودعمه، نحن لا نحتاج للكوبونات أو المساعدات، نحتاج إلى العودة للبلاد، فإننا شعب مضطهد شعب لديه حقوق، وشعب لديه كرامة يجب أن يستردها، ويريد استعادة حقوقه ممن سرقها، رغما عن الاحتلال". قائلاً: "لهذه الأسباب أشارك ولن أتنازل أو أيأس أبدا، ونحن مستمرون في مسيرات العودة حتى نحقق مطالبنا الشرعية".

خبز الصاج برائحة "الأرض والعودة"

وعلى مرأى ومسمع جنود الاحتلال الموجودين على الحدود، تجتمع خنساوات فلسطين على طاولات دائرية ريفية بمخيمات العودة لطهي خبز الصاج الساخن مع بعض من الزعتر والزيتون برائحة "القبيبة، بئر السبع، أسدود، المجدل"، ويتم توزيعه على المتظاهرين لتذكيرهم بتراث آبائهم وأجدادهم، وطعامهم طيب المذاق الذي كانوا يأكلونه في قراهم وبلداتهم التي هجروا منها، مؤكدات تمسكهن بالأرض وحق العودة.

المقاومة الحياتية دفاع عن العزة

الفن والإبداع والثقافة، ثلاثية المقاومة الفلسطينية، ومحطة مهمة في تاريخ شعبنا، وتشكل رقماً صعباً وهاجساً مخيفاً، وأداةً قويةً وضاغطةً على الاحتلال في حال أصبح لدينا إدراك راسخ بأهميتها ودورها في الدفاع، وإيصال الصوت ورفض الظلم والسعي لفرض واقع جديد، نحن لا نقبل المذلة والمهانة، نحن شعب لنا أرض سنستعيدها بكل الطرق، وليسمع كل العالم أننا سنرجع يوماً .لهذا صنع الشباب الثائر كلمتهم وأكدوا للقاصي والداني أن الصغار لا ينسون حلم الأجداد والآباء، ولن يرفعوا راية الخضوع والاستسلام.

أثبتت مسيرات العودة وكسر الحصار أن شعبنا الفلسطيني قادر على الإبداع والابتكار من خلال ما يقدمه من أشكال وأساليب جديدة في النضال الفلسطيني لمواجهة عنصرية وهمجية الاحتلال. فأصبحت المقاومة الحياتية خياراً فلسطينيا استراتيجياً في الآونة الاخيرة بسبب انسداد الأفق التفاوضي مع الكيان الإسرائيلي والحصار والإغلاق المفروض على قطاع غزة، حيث أدى الانقسام الفلسطيني الداخلي الى ضعف شوكة القيادة الفلسطينية في مطالبها بالدولة والتحرر.

المقاومة أعادت طرح القضية الفلسطينية على اجندة المجتمع الدولي للتأكيد على حقوق الشعب الفلسطيني وعدالة قضيته، والتمسك بحق العودة ورفض أي حلول ومبادرات تنتقص من حقوقه المشروعة وفي مقدمة الحلول (صفقة ترامب). فعلينا توحيد كلمتنا وصفوفنا ووضوح مواقفنا وتقوية وتعزيز جبهتنا الداخلية وتجاوز الخلافات التي أثرت سلباً على المشروع الوطني.

المصدر: كتبت: آمنة الدبش -