القرار الذي أعلن السيد رئيس السلطة أبومازن ، في وقفه العمل بالاتفاقات الموقعة مع الكيان الصهيوني ، قد أثار فيض لا ينتهي من المواقف والأسئلة ، بين مؤيد ومرحب مع لازمة اللاكن والمطلوب ، وبين مُشكك في أن القرار عبارة ورقة سياسية قابلة للتفاوض ليس إلاّ . وتالياً ، هناك من يرى أبو مازن والسلطة أعجز في المضي على تنفيذ القرار إلى ترجمات عملية في مستوياته السياسية والاقتصادية والأمنية .
برأي الجميع محق فيما ذهب إليه من مواقف وأسئلة ، ولكل أسبابه ومبرراته . الفصائل والقوى الفلسطينية بادرت إلى الترحيب مع لازمة اللاكن كما أسلفت ، فهي محقة من وجهة نظرها ، فهي من جهة رحبت ، ومن جهة ثانية طالبت بإقران الموقف بترجمات عملية ، خصوصاً أن القرار الأخير سبق أن اتخذ في المجلس المركزي ومجلس رام الله ، ولم ينفذ منه شيء ، بل على العكس الاحتلال تمادى أكثر فأكثر متسلحاً بما شكلته إرادة الرئيس الأمريكي ترامب من غطاء ورافعة لسياساته الإجرامية ، بعد الحديث عن " صفقة القرن " ، وهي لا تريد أن تظهر بمظهر المصطف مع مواقف الكيان .
المشككون ، أيضاً لهم مبرراتهم وأسبابهم التي تدفعهم لاتخاذ تلك المواقف ، فالسلطة بشخص رئيسها ، لطالما وقف مصرحاً ومؤكداً على التمسك بخياراته في المضي بالعملية السياسية التسووية مع الكيان ، ومن ثم التغني بالتنسيق الأمني والتمسك به ، حتى في ظل الإعلان عن موقفه الرافض ل" صفقة القرن " ، حيث اللقاءات مع أمنيين في الكيان لم تتوقف ، وهناك اجتماعات عُقدت على أكثر من مستوى بين مسؤولين في السلطة والكيان . وهم يرون أن القرار سيكون ورقة للتفاوض عليها مستقبلاً ، بالإستناد إلى تجربة طويلة ومريرة في هذا السياق .
من يرون في رئيس السلطة وأركانه من داخل التنفيذية وفتح ، أنهم أعجز في الذهاب بعيداً في تنفيذ القرار على شكل ترجمات عملية . أيضاً ينطلقون من خلفية أن من كبل نفسه ومعه سائر الشعب الفلسطيني بقيود اتفاقات " أوسلو " على مدار ربع قرن من الزمن ، وارتضى الإرتهان للكيان بالمعنى الاقتصادي والأمني ، ليس في مقدوره قلب لطاولة بالمعنى العملي ، خصوصاً ما أنتجته تلك الاتفاقات من شريحة واسعة لمنتفعين في الوسطين الاقتصادي والأمني . ناهينا عن الذين وجدوا في التسهيلات التي يقدمها الاحتلال لهم ، فرصة لإقامة علاقات من خارج المسموح مع العديد من القادة الصهاينة . وهؤلاء بمجموعهم لا يُستهان بتأثيرهم ، ولعلهم سيشكلون الكوابح لأية ترجمات عملية لقرار وقف التعامل مع الاتفاقات قد يُقدم عليها السيد أبو مازن ، وهذا ما يركن إليه الكيان ويجعله في حالة من الإطمئنان ، أن القرار سيبقى حبر على ورق . وليس بمستبعد أنه أي الكيان يعمل على خلق البدائل من مجموع ما يصنفهم ب" الأصدقاء الخلص " .
القرار في اللحظة السياسية يكتسب أهمية يجب عدم تجاهلها ... ولتشجيع المرحبين ، وإسقاط مبررات المشككين ، والمتهمين للسلطة ورئيسها بالعجز على المضي قدماً بتصعيد المواجهة مع الكيان وحاميته الإدارة الأمريكية . على رئيس السلطة السيد أبو مازن القيام بالخطوات اللازمة والضرورية للتأكيد على أن مرحلة " أوسلو " ذاهبة للأفول ، مدخله تقييم جدي للسياق السياسي منذ " أوسلو " وحتى يومنا ، لاستخلاص الدروس والعبر ، وبالتالي إنهاء الانقسام ورفع العقوبات عن قطاع غزة . ومن ثم إعادة الاعتبار للمشروع الوطني الفلسطيني ، عبر إعادة بناء المؤسسات الفلسطينية على أسس وطنية وسياسية وديمقراطية ، تجمع تحت مظلتها الكل الفلسطيني من دون إقصاء أو تهميش لأحد .
بقلم/ رامز مصطفى