الرصاص الذي قتل عدداً من السودانيين في مدينة المبيض وأصاب العشرات هو رصاص إسرائيلي الأهداف، فالمنتفع الأول والأخير من كل عملية قتل لعربي في السودان أو ليبيا أو سوريا أو العراق أو اليمن هم الإسرائيليون، ورعاة القتل والتصفية وإغراق الأمة العربية في بحر الدماء هم الإسرائيليون، والمتضرر الأكبر من حقن الدم العربي، واعتماد الحوار والديمقراطية وحرية الرأي هي دولة الكيان الصهيوني.
لا نجتهد فيما سبق من رأي، ولا يأخذنا الخيال بعيداً، وإنما نقرأ السياسة كما تنقلها مرآة الواقع دون تدليس، ودون حرف للبوصلة، فالسكين التي تذبح العرب من المحيط إلى الخليج هي سكين إسرائيلية، بغض النظر عن اليد التي تحمل هذه السكين، وبغض النظر عن الفكرة التي من أجلها يتم ذبح العربي، فالمطلوب إسرائيلياً صناعة عربي ضعيف مبعثر جاهل منقسم فاشل متخلف، كي يظل الإسرائيلي متفوقاً متقدماً مطمئناً مستقراً موحداً آمناً.
وبأي منطق غير منطق القهر والتدمير تفسر عملية إطلاق النار على مجموعة من الطلاب السودانيين خرجت لتطالب بحقها في الحرية، و حقها في العمل، وحقها في الحياة، وحقها في اختيار الحاكم، وحقها في بناء الوطن وتقرير مصيرها؟ لقد فسر كل ما سبق الجنرال عاموس يادلين رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، وفي لحظة تجلي، وتفاخر بإنجازات جهازه، الذي ادرك أن الخطر العربي على دولته يتعدى حدود أرض فلسطين المحتلة، ويمتد حتى بلاد المغرب العربي، ويتجاوز شرقاً حدود إيران وباكستان.
يقول عاموس يادلين مدير معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيليّ بتاريخ 11/12/2014، أمام تجمع المستوطنين: إنّ شعبة الاستخبارات العسكريّة تمكّنت من نشر شبكات جمع معلومات في تونس والسودان ودول الخليج والعراق وليبيا والمغرب، هذه الشبكات قادرة على التأثير السلبيّ أو الإيجابيّ في جميع المجالات السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة في هذه البلاد. ولم يكشف يدلين طبيعة هذه الاختراقات، لكنه أضاف قائلاً: إنّ مصر هي الملعب الأكبر والأهم لنشاطات المُخابرات الإسرائيليّة، لافتًا إلى أنّ العمل تطور حسب المخطط المرسوم منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد عام 1979، حيث تمّ إحداث اختراقات سياسيّة وأمنيّة واقتصاديّة وعسكريّة في أكثر من موقع.
هذه هي الحقيقة التي كشف بعض تفاصيلها أحد قادة إسرائيل، وهذا هو الوقائع الذي يؤكد أن ما يجري في بلاد العرب من قتل هو صناعة إسرائيلية، حيث لا حق للعربي بأن يحيا تحت نظام حكم ديمقراطي، وأن لا حق للعربي بالحرية والانتعاش الاقتصادي، ولا يصح للعربي أن يعيش بكرامة، ليبني مستقبل أجياله، ويفكر بقضايا الأمة، على العربي أن يلهث خلف الرغيف، وأن ينقسم على نفسه، وأن يتقاتل مع جاره، وأن يبيت على فراش الخوف والشك والقلق، وأن تظل أحلامه وطموحاته مبعثرة على قمم المآسي والأحزان.
قبضة عاموس يادلين وأمثاله ستظل تخنق الوجود العربي حتى تصطدم مع قوى إقليمية أكبر منها، تطعنها في وجودها، لتتراخى قبضة القتلة عن عنق الأمة، وهذا ما أكدته أحداث الفترة الأخيرة، حيث حاول العربي أن يفك قبضة عاموس يادلين عن عنقه، ورفع شعار السلمية، فباء بالفشل، وحاول أن ينتصر على قبضة يادلين بالسلاح، فتآمروا عليه، ودمروه، وحاول أن يفك قبضة يادلين بالتوافق كما حصل في السودان، فانقض عليهم رجال يادلين بالقتل والتفريق في مدينة المبيض، لتغلق طرق التغيير أمام العربي انتظاراً ليد إنسانية إسلامية حضارية، تحمل في عقيدتها الكراهية والاحتقار لعاموس يادلين، ولكل حاشيته في بلاد العرب.
د. فايز أبو شمالة