عمالة الأطفال ظاهرة تحتاج لوقفة وتدخل!!

بقلم: سلامه ابو زعيتر

بسم الله الرحمن الرحيم
تنتشر ظاهرة عمالة الأطفال وتزداد في المجتمعات النامية نتيجة العديد من الأسباب والعوامل منها الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية...، مما ساهم بتعرضهم يوميًا للعديد من المخاطر التي تعيق نموهم الجسدي والفكري وتقف عائقًا أمام تنمية قدراتهم ومهاراتهم؛ وذلك كنتيجة طبيعية لتشغيل الأطفال في أعمال شاقة لا تناسب قدراتهم الجسدية، وفي ظروف وبيئة عمل صعبة؛ بما يؤثر سلبًا على حياتهم، ويحد من الفرص المتاحة لهم في المستقبل.
يعرف مفهوم "عمالة الأطفال" دولياً بأنه كل عمل يضرّ بصحة الطفل أو بنموه أو رفاهيته؛ إذا لم يكن هذا العمل من الأعمال النافعة التي تتناسب مع عمر الطفل، ويساعد على تطوره الجسمي والعقلي والروحي والأخلاقي والاجتماعي، ودون أن يؤثر على دراسته أو راحته أو متعته؛ وهنا يجب التمييز بين العمل النافع والعمل الضار، وهذا ما أكدته الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل لعام 1989، فقد وضعت مجموعة من الحقوق المختلفة (الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية) للأطفال وخاصة في المادة (32) التي تعترف بحقّ الأطفال في الحماية من الاستغلال الاقتصادي، ومن الأعمال التي تهدد صحتهم، أو تؤثر على نموهم؛ فضلاً عن إلزام الدول الأعضاء بوضع حد أدنى لسنّ العمل.
كما نصّ العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بتصدّيه لظاهرة عمالة الأطفال من خلال ما ورد في نصّ المادة (10) منه على إلزام الدول الموقعة على حماية الصغار من الاستغلال الاقتصادي والاجتماعي، ومن تشغيلهم في أعمال تؤذي أخلاقهم أو تضرّ بصحتهم أو حياتهم، كما ألزمت الدول الأطراف على تحديد حدّ أدنى لسنّ العمل المأجور، ويمنع دونه تشغيل الأطفال، وأكدت على وجوب اتخاذ تدابير حماية ومساعدة خاصة لصالح جميع الأطفال والمراهقين، دون أي تمييز بسبب النسب أو غيره من الظروف هذا على الصعيد الدولي.
في محاولة لقراءة واقع عمالة الأطفال في فلسطين تشير الإحصائيات الصادرة عام 2019 عن مركز الإحصاء الفلسطيني بأن نسبة 3% تقريبا من إجمالي الأطفال في فلسطين يعملون في سوق العمل، وتقدر الأعداد بحوالي (66782) ألف طفل بواقع (64609) ذكور و(2173) إناث تقريبا ما بنسبة 0.2%، حيث بلغت النسبة في الضفة الغربية 4% من إجمالي عدد الأطفال بالضفة، ويقدر العدد (51015) طفل عامل من 10-17 سنة، وفي محافظات غزة تقدر النسبة 1.3% من إجمالي عدد الأطفال في قطاع غزة ويقدر العدد تقريباً (13594) طفل عامل من سنّ 10-17سنه، وهذه الإحصائيات تظهر الأعداد والنسب من عمالة الأطفال الملتحقين بالعمل‏، ويتعرضون في سوق العمل المحلي والإسرائيلي لظروف عمل قاسية وللعديد من أشكال الاستغلال والاعتداءات الجسدية والنفسية نتيجة غياب القانون وضعف الرقابة والمتابعة الحكومية والأسرية في أماكن العمل، بالتزامن مع ارتفاع نسب البطالة ومعدلات الفقر، وزيادة الضغوط الاجتماعية والاقتصادية عليهم للالتحاق بسوق العمل الأسود لتأمين احتياجات أسرهم بعيداً عن أيّ معايير وضوابط قانونية تحميهم، حيث تجاوزت كل التشريعات والمواثيق الدولية، برغم أن المنظمات الدولية وخاصة منظمة الأمم المتحدة اعتبرت أن تشغيل الأطفال من الأعمال الاستغلالية، إذ لم يتم مراعاة خصوصيتهم في طبيعة العمل وساعاته، أو تشغيلهم بالأعمال المجهدة، أو في الشوارع بظروف صعبـة، أو بأجر غير كاف، أو تحميلهم مسؤوليات تفوق الحدّ الطبيعي لقدراتهم، أو عمل يؤثر على حقهم في فرصة التعليم، أو يحط من كرامتهم، وكافة الأعمال التي تحول دون تطور الأطفال اجتماعياً ونفسياً.
ان عمالة الأطفال وتشغيلهم في سوق العمل يحمل اتجاهين من الآراء والتفكير نحو الظاهر؛ فالأول تجاه سلبي، والآخر إيجابي، وذلك ارتباطاً بطبيعة تشغيلهم ومدى انعكاس ذلك على وقاعهم ومستقبلهم، حيث يعتبر سلبياً كل ما يرتبط بالعمل الذي يضع أعباء ثقيلة على الطفل العامل؛ مما يهدد سلامة الطفل وصحته ورفاهيته؛ والذي يقوم ربُّ عمله على استنزاف طاقة وقدرة الطفل مستغلاً ضعفه وعدم قدرته على الدفاع عن نفسه؛ وتشغيله بالأجر المتدني كبديل عن عمالة الكبار، وهذا النوع من التشغيل للأطفال يحول دون تعليم الطفل وتدريبه وتطوير قدراته ومهاراته.
وأما بالنسبة للاتجاه الإيجابي، فيعدّ كافة الأعمال التي يقوم بها الطفل، والتي تتناسب مع عمره وقدراته، سواء كانت تطوعية أو بأجر، ويكون لها آثار ايجابية تنعكس على نموه العقلي والجسمي والذهني؛ إذ يتعلم الطفل من خلالها العديد من القيم العملية كالمسؤولية والتعاون والتسامح والشراكة والانتماء....إلخ، وأعتقد أن سوق العمل المحلي في ظروفه الحالية لا يشكل فرصة أمام الأطفال، وبهذا تكون ظاهرة عمالة الأطفال غير مرغوبة أو مرحب بها، ويجب العمل على مواجهتها وللحدّ منها والقضاء عليها، وهناك توجهات أممية ودولية لمكافحتها، لما لها من أثار سلبية على الطفل في حاضره أو مستقبله، وقد يترتب عليها الحرمان من الحقّ بالتمتع بالطفولة، والحق بالتعليم، والتعرض لظروف عمل صعبة، وللأمراض المهنية وإصابات العمل وأخطارها؛ أو اكتساب بعض العادات السيئة، والتعرض لانتهاك الحقوق على يد المشغلين واستغلالهم، وقد يتجاوز ذلك بتعرضهم للضرب والشتم مما يؤثر على نفسية وطباع الطفل ويجعله عدوانيًا؛ يميل إلى العنف ضد المجتمع؛ نتيجة الإحساس بالقهر الاجتماعي، وهذا يشكل خطر حقيقي في المستقبل على حالة التوازن الاجتماعي والعلاقات الإنسانية والتفاعلات، فينقلب ميزان القيم ويصبح المال أغلى من بعض ما تعارف عليه المجتمع من القيم النبيلة، وهذا كله ينعكس على عملية التنمية والتطور في سوق العمل وعلاقات الإنتاج، والانتعاش الاقتصادي، لذلك هناك حاجة ماسة للتدخل ووضع الخطط الفعّالة والواقعية لمواجهة هذه الظاهرة والحدّ منها على جميع المستويات، وبالتعاون والتنسيق بين الشركاء الاجتماعيين رغم كل التحديات والأسباب التي أوجدتها سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية أو تعليمية...إلخ، ويمكن البدء بالخطوات التالية:
- عمل حملة توعية مجتمعية حول عمالة الأطفال وأثارها المترتبة على الواقع الاجتماعي والاقتصادي.
- تفعيل دور الحكومة في الرقابة والتفتيش ورصد الانتهاكات لقانون العمل والمعايير الدولية في تشغيل الأطفال وإيجاد طرق ووسائل لمعاقبة كل شخص ينتهك القانون.
- العمل على تعديل قانون العمل الفلسطيني وخاصة الفصل المتعلق بتشغيل الأحداث ووضع عقوبات ملزمة تساهم في تحسين الظروف والشروط لعملهم.
- عمل دراسات علمية ومنهجية حول الظاهرة للكشف عن الأسباب الحقيقية لوضع رؤية للتدخل تساهم في الحد منها.
- عمل حملة ضغط ومناصرة لتطوير التشريعات المتعلقة بالأطفال لحماية حقوقهم ومراعاة شئونهم وخصوصيتهم لعلاج الأسباب التي تدفعهم للالتحاق بسوق العمل وهم أطفال.
- تسليط الضوء من خلال المؤسسات الإعلامية على الظاهرة لتشكيل رأي عام حولها، ليساهم المجتمع بدور فعّال في إيجاد الحلول وتطوير الثقافة المجتمعية حول الطفل وحقوقه.
أخيراً أعتقد أن هذا المقال يقدم توصيف للحالة وظاهرة عمالة الأطفال والتحديات والفرص التي يمكن البناء عليها لإحداث تدخل حقيقي وفعّال وملموس يساهم في الحد منها ويضبط بيئة العمل السوداء التي لا تراعي القانون وأحكامه في التشغيل وخاصة الأطفال، وهنا أتوجه للحكومة ولطرفي الإنتاج بضرورة العمل بشكل مشترك للقضاء على هذه الظاهر كما أدعو الحكومة أن تتحمل مسئولياتها الأخلاقية والوطنية في حماية الأسر الفقيرة التي تدفع بأطفالها لسوق العمل الأسود لتوفير الحد الأدنى لاحتياجاتها المعيشية.


 
د. سلامه أبو زعيتر
• عضو الأمانة العامة للاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين

1/8 /2019