* التقديرات التي تقلق نتنياهو أن هذه الانتخابات هي فرصته الأخيرة نحو الحكومة لم تؤثر التحالفات الجديدة التي ظهرت في خريطة مشاركة الأحزاب بانتخابات الكنيست القادمة على خلاصة توقعات المراقبين بنتائجها. وتؤكد المؤشرات على مسألتين:
الأولى، أن معسكر نتنياهو ما يزال صاحب الحظ الأوفر في حصد أغلبية المقاعد، والثانية، أن ليبرمان ما يزال يمسك بمفتاح تشكيل حكومة نتنياهو الخامسة.
ومع ذلك، فإن طبيعة بعض هذه التحالفات وجهة اصطفافها في المعركة الانتخابية أضعف إلى حد ما خصوم نتنياهو لأنها وضعت جمهورهم الانتخابي أمام خيارات تصويت تأكل من حصص بعضهم على حساب البعض الآخر.
المسألة الأهم في التحالفات «الجديدة» هي عودة «القائمة المشتركة» بمكوناتها الأربعة إلى خريطة المنافسة كقائمة موحدة بعدما نجحت الجهود التي بذلت من أجل إعادة تشكيلها.
التساؤلات التي تدور حول نتائج الانتخابات تنصب مباشرة حول إمكانية تشكيل الحكومة، بعدما فشل نتنياهو في ذلك المرة السابقة، والسؤال: هل ستنشأ عوامل جديدة تؤدي إلى «حكومة وحدة» في حال لم يستطع أي من المعسكرين تشكيل حكومة بمفرده؟.
بالتجربة، عندما ينشأ في إسرائيل حزب جديد فإنه يشكل (بحسب وزن وتأثير مؤسسيه) ثقباً أسود يستقطب من أعضاء الأحزاب الأخرى وجمهورها، وهذا ما حصل (نموذجاً) عندما شكل أرئيل شارون حزب «كاديما» في العام 2005، فأفرغ الليكود وعدد من الأحزاب من معظم قياداتها وخاض الانتخابات به وفاز بتشكيل الحكومة.
والتحالفات الجديدة على أبواب، الانتخابات تلعب دور شبيها بذلك وإن كان بدرجة أقل، كون الأحزاب المكونة للتحالف معروفة مسبقاً بالنسبة للجمهور، لكن في معركة انتخابية كالتي ستجري في أيلول القادم، فإن الاستقطاب الحاد الحاصل يمكن أن يؤدي إلى نشوء حركة في توجهات المصوتين نحو من يعتقدون أنه أكثر قدرة على تشكيل بديل عن هرم المشهد السياسي القائم.
وفي هذا السياق، يتوقع المراقبون أن ينزاح عدد غير قليل من الأصوات ممن تؤيد حزب «يوجد مستقبل» برئاسة لبيد باتجاه حزب باراك الجديد «إسرائيل الديمقراطية» وحلفه «المعسكر الديمقراطي»، وهذا يعني إضعاف لمنافس الليكود الأقوى حزب «أزرق – أبيض» برئاسة غانتس، الذي حصد عدد المقاعد نفسها التي حصل عليها الليكود وفي الانتخابات السابقة (35 مقعداً).
واحتمال أن يحصل هذا في معسكر نتنياهو وارد جداً لكنه أقل تأثيراً على اعتبار أن التوقعات تشير إلى فوز معسكره بغالبية مقاعد الكنيست، ولولا «عقدة ليبرمان» لكانت الطريق معبدة أمام نتنياهو نحو تشكيل حكومته الخامسة.
وعلى اعتبار أن خصوم نتنياهو على تعددهم، يخوضون المعركة الانتخابية تحت شعار واحد هو إسقاطه، فإن هذا لا يعني أنهم موحدون باتجاه الطريق البديل عن التي يسلكها رئيس الوزراء في السياسة والاقتصاد، وفي هذا السياق من المهم التأكيد على أهمية رصد أية تباينات قائمة بين الأحزاب الصهيونية حول السياسة رسمية الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين في أراضي الـ 48، والمقصود بذلك (للدقة) تفعيل دور القائمة المشتركة في الكنسيت وخارجه في معركتها دفاعاً عن حقوق الجماهير العربية، وفي مسعاها لإسقاط قانون القومية العنصري، وقطع الطريق على إنتاج المزيد من القوانين والتشريعات التي تعمق التمييز ضد فلسطيني الـ 48 وتعمل على نهب ما تبقى من أرضهم وأملاكهم.
وعقب هذه الانتخابات، يتوقع المراقبون أن تكون معركة تشكيل الحكومة حامية الوطيس وحافلة بالإغراءات من قبل المعسكرين، و إن كانت أكثر سخاءً من قبل نتنياهو الذي سيبذل جهود كبيرة قبل الانتخابات وبعدها من أجل التأثير على التحالفات «المناوئة» ومحاولة جذب أطرافاً منها نحو معسكرة.
في هذه الانتخابات يشكل باراك خصماً من الدرجة الثانية أمام نتنياهو بعد غانتس، ويشكل أيضاً ليبرمان عقدته الكبيرة. والمفارقة أن خصمي اليوم هما حليفا الأمس. فقد ساعد ليبرمان نتنياهو على التخلص من حزب تشارنسكي للمهاجرين الروس الذي اضمحل وتلاشى بعدما شكل ليبرمان حزبه «إسرائيل بيتا» في العام 1996 بتشجيع من نتنياهو، وخاض ليبرمان مع نتنياهو عدداً من محطات الانتخابات كحليف وشريك. وفي العام 2009، ساعد باراك نتنياهو على إفشال مسعى تسيبي ليفني في تشكيل الحكومة مع أن حزبها «كاديما» حصد 28 مقعداً وكان الأول بين الأحزاب، كما ساعده في إنجاح تشكيل الحكومة واستمرار الائتلاف عندما شق حزب «العمل» الذي كان يقوده والتحق بحكومة نتنياهو بالضد من قرار الحزب الذي امتنع عن المشاركة بسبب مشاركة ليبرمان فيها.
لذلك، من الطبيعي أن يتساءل المراقبون عن أي من هذين الشخصين سيقوم بإنقاذ نتنياهو هذه المرة ويساعده في تشكيل الحكومة والهروب من احتمال تشكيل حكومة «وحدة»؟
بالمقابل، هناك من يجد أن هذا السؤال لم يعد صالحاً لأسباب كثيرة، منها أن طموحات كل من ليبرمان وباراك تتجاوز موقع «الشريك الأصغر» في حكومة نتنياهو. مع أن الطريق بالنسبة إلى كل منهما نحو رئاسة الحكومة غير سالك لوجود منافسين أكثر قوة، وخاصة غانتس وشريكه لبيد. لذلك، يعتقد المراقبون، أنه من المبكر الحديث عن سيناريوهات الحكومة القادمة خاصة بعد الانسداد الذي حصل عقب الانتخابات السابقة. وفي معركة تشكيل الحكومة القادمة، ستكون لجميع مكونات الكنيست أدواراً مهمة، ومن بينها «القائمة المشتركة» التي باتت مؤهلة في حال تم بذل الجهود اللازمة – لأن تكون في موقع القوة البرلمانية الثالثة، بما يمكنها من التأثير في مسار البحث في استقرار المشهد السياسي والحزبي الإسرائيلي، من زاوية الضغط من أجل تظهير الحقوق الفلسطينية في أراضي الـ48، ووضع المجتمع الدولي مجدداً أمام الانتهاكات الصارخة ضدهم.
وفي الوقت نفسه، العودة إلى لعب الدور المؤثر في تظهير العدوان الإسرائيلي المنهجي ضد الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية ومواصلة الاحتلال نهب الأرض ومسلسل التهجير والتطهير العرقي على وقع خطوات «صفقة
ترامب» التي اتحدت أهدافها مع المشروع التوسعي الاستعماري الذي تقود تنفيذه حكومة نتنياهو على حساب الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في العودة والاستقلال الناجز.
ومع اقتراب الانتخابات الإسرائيلية، يعمل نتنياهو على خطين متوازيين، في الأول يواصل تنفيذ السياسة التوسعية في الضفة والقدس، ويسرع من خطواتها، وفي الثانية يستخدم في هذه السياسة دعاية انتخابية تستقطب غلاة اليمين المتطرف والذين باتوا القوة الموجهة للسياسة الرسمية الإسرائيلية بعد عقود من التشجيع الحزبي والرسمي الصهيوني على تأجيج العداء للشعب الفلسطيني وتعميق الانزياح اليميني المتطرف في المجتمع الإسرائيلي، وبالتالي في المشهد السياسي والحزبي الصهيوني. ويتوقع المراقبون أن يصعد نتنياهو من سياساته العدوانية ضد حقوق الشعب الفلسطيني في ظل تقديرات تؤرقه فحواها أن هذه هي فرصته الأخير كي يكون مجدداً على رأس الحكومة.
بقلم/ محمد السهلي