قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ما بال دعوى أهل الجاهلية , دعوها فإنها خبيثة" , صدق رسول الله .
لا زال في مجتمعنا الفلسطيني دعاة لتشريع وتقنين أحكام عرفية وعشائرية تعود جذورها الى زمن الجاهلية , ويضعونها في قالب الإصلاح .
ليس المشكلة أن يقومون رجال الإصلاح بدورهم في الإصلاح بين الناس , فهذا ما نصت عليه الشريعة الإسلامية , وتكفلت في بعض جوانبة القوانين الوضعية , من خلال معاقبة المعتدي وإرجاع الحق لصاحبه , ولكن المشكلة في الطرق والوسائل المتبعة والتي تمتد جذورها الى زمن الجاهلية , وتتناقض مع أحكام الشريعة الإسلامية , وأحكام القوانين الوضعية أيضاً , كوننا دولة القانون والمؤسسات , وقد تنتقص هذه الوسائل من حقوق الكثيرين من ما ليس لهم ذنب في المشكلة أصلاً .
هي عادات وثقافات وأعراف عشائرية لا تقع مسئوليتها على جانب واحد , فالمجتمع بأكمله ورثها عن جدوده , ولكن مسئولية ضبط وتنظيم هذه العادات يتحمها المخولون بها وهم "رجال الإصلاح" , والجهة المشرفة بصفتها القانونية وهي "الحكومة" , وكل هؤلاء يبقون رهينة رأي وأهواء أصحاب الشأن وهم "أصحاب المشكلة" , فعادة وبعد أي مشكلة عشائرية يقوم الطرف المجني عليه بعملية إختيار لطريقة الحل المناسب له , وهذا الحل دائماً يخلط بين ثلاث طرق "القانون – الشريعة – حق العرب" , وكون الطرف المجني عليه مخول بإختيار طريقة الحل , فهذه مشكلة بحد ذاتها , لأنه من الممكن أن يختار حلاً يخالف الشريعة الإسلامية والقانون , ويتناسب مع حق العرب والذي هو بالغالب يقتص من ما ليس لهم ذنب في المشكلة , وذنبهم الوحيد أنهم أقارب الجاني .
فمثلاً.. إذا قام "أ" بقتل "ب" وبناء على ذلك قامت الشرطة بحبس القاتل , فهذا جيد , ومن ثم يتولى رجال الإصلاح التنسيق بين أهل القاتل والمقتول بحيث لا يعتدي أي طرف على الآخر وبتدخل ومتابعة الشرطة , فهذا جيد أيضاً , ولكن الغير جيد وهو دائما ينحسر في المدة الزمنية بين ساعة وقوع الحدث أو الجريمة , والجلسة النهائية للصلح "حق العرب" , وهي المطالب التي يطلبونها أهل المجني عليه من الجاهة خلال فترة قبل الصلح النهائي , وقد تمتد هذه الفترة لشهور أو لسنوات .
والمطالب كالتالي : ترحيل عائلة الجاني وتسكير بيوتهم , منع أقارب الجاني من التجول في الشوارع القريبة من بيوت أهل المجني عليه وأحياناً من البلد كلها , تسكير المحلات التجارية لعائلة الجاني , منع أهل الجاني من ممارسة العمل داخل البلدة... هذه المطالب والتي يطلبونها أهل المجني عليه ويوافقون عليها رجال الإصلاح والحكومة , هي تخالف الشريعة الإسلامية ونص القرآن الكريم , لأنها تعاقب أهل الجاني بفعل لا ذنب لهم به , بالإضافة الى أنها تعزز ثقافة الإنتقام الغير مبرر , والتي هي من جذور الجاهلية والتي كانت تتمثل في غزو القبائل العربية لبعضها البعض , وإشعال حروب قبلية لسنوات طويلة , وقد يكون السبب مجرد شتيمة بين شخصين وتؤدي الى سفك وهدر دماء .
قال الله تعالى : "ولا تزر وازرة وزر أخرى" صدق الله العظيم , هذه الآية الكريمة هي تحريم قاطع للعادات التي ذكرتها في السياق , وزد على ذلك كمية الظلم التي تقع على أهل الجاني كونهم لا ذنب لهم بفعل أبنهم , والمترتبة على الأحكام العشائرية , ومع أن الله تعالى حرم الظلم على نفسه , فإن هذه الأعراف تحلل وتشرع الظلم وتضعه في قالب القوانين العشائرية , والسؤال : إذا كانت الشريعة الإسلامية مغيبة من حياتنا بسبب أهوائنا الشخصية وشهواتنا , فأين دور القانون من كل هذا؟!
قد يقول لي أهل القانون , أن القانون يساند مطالب أهل الجاني "الغير شرعية" خوفاً من تفاقم المشكلة نتيجة الإحتكاك , وعدم السيطرة عليها , فمن الأفضل أن يتم تهجير الناس وتسكير بيوتهم ومحلاتهم التجارية ومنعهم من العمل , بهدف حمايتهم من أهل المجني عليه , بالطبع هذا عذر أقبح من ذنب , فإذا لم يستطيع القانون حماية الناس ومصالحهم وممتلكاتهم , فلماذا إسمه قانون إذاً؟! .
السؤال الأهم : هل القانون الذي يستطيع قمع المظاهرات والمسيرات والحراك , غير قادر على حماية أهل الجاني من أهل المجني عليه؟ , هل القانون الذي قادر على حسم مناطق كاملة في حالة التمرد , وإعتقال المعارضين السياسيين والنشطاء , غير قادر على حماية أهل الجاني من أهل المجني عليه؟ , هل القانون الذي يستطيع تسكير مقرات لأحزاب سياسية , ووكالات أنباء وقنوات فضائية... إلخ , غير قادر على حماية أهل الجاني من أهل المجني عليه؟ .
أشك في أن القانون غير قادر على حماية أي شيئ , وخاصة في قطاع غزة , ولكن هذه الأعراف العشائرية المتوارثة والغير شرعية في وسائلها , قد تتفق مع السياسة بعيداً عن القانون , وتنسجم معها , وتقاسمها الغنائم .
بقلم/ أشرف صالح