شدني ولفت انتباهي كثيراً ما يجري تداوله حول إلغاء العمل باتفاق أوسلو ولن أخوض أو أعطي الموضوع أكثر مما يستحق لأن القاصي والداني يعلم أن الاتفاق أنهاه الطرف الصهيوني منذ اغتيال اسحق رابين عام 1995 على يد متطرف صهيوني ، وضع هذا المتطرف استراتيجية العمل لدولة الاحتلال المناهضة لأوسلو قبل أن يجف الحبر الذي وقع فيه ، جراء تحول المجتمع الصهيوني الذي تثبت خياراته سواء في انتخاباته للكنيست أو اختيار رئيس الحكومة ميله للتطرف الحاد جداً من خلال رعاع مستوطنيه ، حيث تقوم الحكومات الصهيونية المتعاقبة بمختلف ألوانها باسترضاء هذا الناخب بسن قوانين تخدم تطرفه فتشرع الاستيطان وبناء مستوطنات مسلحة وتهويد القدس والتعدي على المقدسات خاصة المسجد الأقصى المبارك للحيلولة دون حل الدولتين ، والذي مردوده بطبيعة الحال وبكل المقاييس لن يخدم مسار السلام المبتغى ، والأدهى والأمر انحياز راعي السلام الأمريكي لخيار الناخب الصهيوني مما يشجع الكيان الغاصب على التمادي في ممارساته الإرهابية والمتعارضة مع ميثاق الأمم المتحدة والشرائع والعهود الدولية .. فالاتفاق جرى بموجبه رسمياً التنازل عن 78 % من أرض فلسطين لصالح الاحتلال والقبول بدولة على أراض فلسطينية متنازع عليها بموجب ما جاء في صيغة القرار 242 لفض النزاع العربي الإسرائيلي والذي ينم عن مكر وخبث بريطاني في صياغته ، فالاتفاقعزز أمن وشرعية الاحتلال وأضعف الحالة الفلسطينية، وأسهم في تشويه صورتها أمام العالم أجمع، وحوّل منظمة التحرير الفلسطينية إلى شرطة لديه تتولى مهام التنسيق الأمني معه وقد أصبحت السلطة التي أملت بالكثير من ورائه بلا أمل ولا سلطة لها سوى تسيير شؤون التجمعات السكانية الفلسطينية في المنطقة " أ " من خلال الاحتلال الذين تحولت تجمعاتهم بفعل الاستيطان وجدر الفصل العنصرية ومعسكرات الجيش الصهيوني والحواجز العسكرية الثابتة والطيارة لكونتونات مقطعة الأوصال محاطة من كل جانب بطرق التفافية تخدم أمن واستقرار سكان المستوطنات التي أقيمت ، ناهيك عن استباحة قوى الموساد والشاباك والجيش الصهيوني ورعاع المستوطنين اليومية للتجمعات الفلسطينية لاغتيال أو اعتقال من تريد أو الاستيلاء على أراض فلسطينية وفق أمزجتها حتى الأطفال لم تسلم من تغولها ضدهم، أو لهدم بنايات سكنية كما حصل في وادي الحمص في صور باهر أو اقتحام المقدسات الشبه يومية خاصة المسجد الأقصى المبارك .. فاتفاق أوسلو كان بحق مأزقاً وشباكاً نصب للقيادة الفلسطينية وخطيئة سياسية فلسطينية غير محسوبة المخاطر بل مغامرة ومقامرة سياسية لم يتم التنبه لعواقب ما ترتب عليه من مصائب وويلات وفقدان القدرة على تحقيق أية مكاسب ففلسطينية على أرض الواقع ، حيث حول قادة العدو المحادثات والمفاوضات للحل النهائي إلى عبثية الهدف من ورائها تجريد الفلسطينيين من حقوقهم في الأرض والمقدسات ، دفع فيها الفلسطينيون أثمان جسام حيث كرس الاتفاق سيطرة الاحتلال وكان من تبعاته توسيع الاستيطان الذي ابتلع القدس ومناطق ج التي تشكل وحدها ما مساحته 60% من مساحة الضفة الغربية حتى مناطق أ و ب لم تسلم من إرهاب الدولة الممنهج إلى جانب تحويل قطاع غزة إلى معتقل جماعي وتجارب لأسلحة أمريكا الفتاكة فحول التجمعات الفلسطينية في المدن والقرى إلى كونتونات مقطعة الأوصال والتحكم بالمعابر في غزة والضفة ورفع حدة إرهاب الدولة العبرية ومستوطنيه ما أدى إلى سقوط عشرات الالاف من الضحايا والجرحى والمعاقين والأسارى من مختلف الأعمار ناهيك عن تخلي الدولة العبرية المحتلة عن تطبيق الاتفاقية من جانب. فمعظم ما كان يأمله الساعين نحو الاتفاق لم يتحقق فيما حقق العدو معظم ما صبا إليه .. والآن السؤال الذي يطرح نفسه كيف السبيل للعودة عن اتفاق أوسلو المشؤوم .. خاصة بعد أن جيء بصفقة القرن التي لم تكن سوى المرحلة الأخيرة من مراحل اتفاق أوسلوالذي كان نتيجة حتمية للقبول بالوصاية الأمريكية، والتخلي عن الكفاح المسلح .. وللعودة بالمسار الفلسطيني إلى سابق عهده الذي كان حتى دورة المجلس الوطني الفلسطيني الثامنة عشرة دورة وحدة المخيمات الذي انعقد في الجزائر عام 1987م فإنه لا بد من انتخاب مجلس تشريعي يمثل الداخل الفلسطيني يكون رئيسه المسؤول عن تسيير الشؤون الحياتية للفلسطينيين فيه ومسؤول أمام قيادة منظمة التحرير الفلسطينية .. وإعادة تشكيل المجلس الوطني الفلسطيني ليشمل كافة مكونات الشعب الفلسطيني من فصائل ومؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني في الداخل الفلسطيني والمخيمات والشتات . مع انتخاب قيادة جديدة لمنظمة التحرير الفلسطينية لترتيب البيت الفلسطيني وإعادة لحمته الداخلية ومراجعة كل اتفاقات وقرارات جرى اتخاذها اسهمت أو ساعدت في المس بالحق الفلسطيني واعتبار أوسلو كأن لم يكن.. يضاف لها دعم الحركة الأسيرة وإعطائها الدور الأهم كحركة نضالية في تنظيم النضال الفلسطيني ورعاية شؤونه في الداخل وقيادته.. وقبل هذا وذاك إعلان العصيان المدني في الداخل الفلسطيني لمدة 6 شهور كبداية العصيان المدني الشامل ومقاطعة الاحتلال مع ضرورة توفير الدعم الكامل لسكان الأرض المحتلة من الفلسطينيين خاصة في عاصمة النضال الفلسطيني القدس . . وأخيراً التوجه للجمعية العامة للأمم المتحدة التي أقرت تقسيم فلسطين للاعتراف بدولة فلسطين تحت الاحتلال ومطالبتها بتنفيذه وفق ما أقرته في العام 1947.
*عبدالحميد الهمشري - كاتب وباحث في الشأن الفلسطيني
abuzaher_2006 @yahoo .com