(من نصوص سيرة ذاتية)
إذاً، كانت المرحلة الجامعية، أثناء دراستي في جامعة دمشق، كلية العلوم، قسم الفيزياء والكيمياء، بمثابة المرحلة الثانية التي شكّلت القفزة الكُبرى في عملي السياسي والتنظيمي والتفرغ له في إطار التنظيم، فمن خلال العمل الجامعي والنقابي في صفوف الإتحاد العام لطلبة فلسطين، زادت الخبرات وتفتّحت المدارك أكثر فأكثر، واضيف لها عملي الخاص الذي كُلّفتُ به مع الطلبة الجامعيين القادمين من الأرض المحتلة، وهو عمل خيطي كان له طابع خاص مرتبط بمكتب الــ 84 (مكتب الأرض المحتلة)، الى جانب عملي التنظيمي العلني في المكتب الطلابي في جامعة دمشق. في لجنة المنطقة الجامعية إياها، التي كانت بمثابة الهيئة القيادية للعمل الطلابي للتنظيم بجامعة دمشق. وكان النابلسي ابن (بيت دجن) معز أبو جيش الأكبر سناً بيننا، والقادم من دورة حزبية وسياسية من مدرسة الكادر في الإتحاد السوفييتي السابق، كان (زنبرك) ومحرك العمل، والمبادر، وصاحب مقولاتٍ تنظيمية وسياسية كثيرة.
وفي مرحلة العمل الطلابي في جامعة دمشق، كانت أوجه النشاط الإستقطابي متعددة، ومن ابرزها الرحلات الدائمة للمناطق المختلفة، كبند أساسي على جدول أعمالنا في المكتب الطلابي، والهدف الرئيسي من ورائها يتمثّل بالتوسع التنظيمي قبل أي غرضٍ أخر. وفي احدى تلك الرحلات الى منطقة الزبداني صيف العام 1978، والتي ضمت نحو 300 شاب فلسطيني من جامعة دمشق، وعبر عدة (باصات)، تم التعرف على الطالب الجامعي الفلسطيني السوري ومن أصولٍ أرمنية، الياس آغابي، وجذبه لعضوية التنظيم، التي استمر فيها لسنتين كاملتين قبل سفره الى بلدان الإغتراب البعيدة. الياس آغابي كان مثال وقدوة في العمل الوطني الفلسطيني، وفي مناقبيته، حيث علت فلسطينيته على أي اعتبار أخر، وبان ذلك بشكل واضح في مسيرته في العمل الوطني في كلية العلوم.
في تلك الرحلة، التي انضم من خلالها الياس آغابي لعضوية التنظيم، وقف ابن عنبتا قضاء طولكرم، المرحوم تحسين عكة ينشد وعلى وقع لحنها تلك الأنشودة (نعم قد نموت ولكننا) للشاعر الراحل معين بسيسو :
هناك هناك بعيداً بعيد
سيحملني يا رفيقي الجنود
سيلقون بي في ظلام رهيب
سيلقون بي في جحيم القيود
نعم قد نموت ولكننا
سنقتلع الموت من أرضنا
***
لقد فتشوا غرفتي يا رفيق
فما وجدو غير بعض الكتب
وأكوام عظم هم إخوتي
يئن لما بين أم وأب
لقد أيقظوهم بركلاتهم
لقد أشعلوا في العيون الغضب
نعم قد نموت ولكننا
سنقتلع القمع من أرضنا
***
أنا الآن بين جنود الطغاة
أنا الآن أُسحب للمعتقل
وما زال وجه أبي ماثلاً
أمامي يُسلَحني بالأمل
وأمي تئن أنيناً طويلاً
ومن حولها إخوتي يصرخون
ومن حولهم بعض جيراننا
وكل له ولد في السجون
ولكنني رغم بطش الجنود
رفعت يداً أثقلتها القيود
وصحت بهم أنني عائد
بجيش الرفاق بجيش الرعود
نعم قد نموت ولكننا
سنقتلع الموت من أرضنا
***
هناك أرى عاملاً في الطريق
أرى قائد الثورة المنتصر
يلوح لي بيد من حديد
وأخرى تطاير منها الشرر
أنا الآن بين مئات الرفاق
أضيف لقبضاتهم قبضتي
أنا الآن أشعر أني قوي
وأني سأهزم زنزانتي
***
نعم قد نموت نعم سوف نحيا
ولو أكل القيد من عظمنا
ولو مزقتنا سياط الطغاة
ولو أشعلوا النار في جسمنا
نعم قد نموت ولكننا
سنقتلع الموت من أرضنا
***
نعم قد نموت ولكننا
سنقتلع القمع من أرضنا
بقلم/ علي بدوان