دفاعاً عن حقوقنا الفلسطينية المشروعة، وحماية لأراضينا من المصادرة والتهويد، يحق لنا، لا بل من واجبنا، أن نشجب وندين ونستنكر ونناضل ضد سياسة الاستيطان التي تطيل أمد الاحتلال، وتبقيه جاثما على أراضينا والى الابد، هذه السياسة التي تؤكد ان خيار حل الدولتين قد ولّى، ولن تكون له أي رجعة، لان قادة اسرائيل اليمينيين المهيمنين على الحكم لا يريدون اقامة دولة فلسطينية، وهم متمسكون بالمستوطنات التي أقيمت على أراضينا، ومن المستحيل ان يزيلوا مستوطنة واحدة منها!
ولكن التساؤل المنطقي الذي يطرح نفسه: اذا كان حل الدولتين قد ولّى، ولم يعد قابلا للتطبيق، فما هو الخيار البديل؟
قد يكون الاستيطان حجر عثرة أمام قيام دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشريف، ولكن هذا الاستيطان هو الذي سيشكل عبئا على الدولة العبرية، وهو الذي سيدخلها في مشاكل داخلية مستقبلية، وهو الذي سيقود الى حل واحد، ألا وهو قيام دولة واحدة موحدة، وهذه الدولة بقوميتين تعني أن قانون "القومية اليهودية" قد ألغى نفسه بوجود واستمرار وتعاظم وتيرة الاستيطان.
الاستيطان حسب تقييمات عديدة يُصعّد من قوة اليمين في اسرائيل، ويشجع على التطرف والتشدد، ويقود الى العنصرية. فالاستيطان لن يكون معرقلا لجهود ومبادرات تحقيق سلام شامل وعادل ودائم فقط، بل سيقود الى نزاع داخلي في اسرائيل، نزاع سببه منح امتيازات للمستوطنين على حساب الاسرائيليين الآخرين. وكذلك فان توفير الحماية الامنية لهم في المناطق الفلسطينية لن تكون عملية سهلة بل مكلفة، وهذه الحماية ترهق الأمن الاسرائيلي أكثر من أي نشاط مقاوم ضد اسرائيل!
المستوطنون في المناطق العربية المحتلة مدللون الى حد كبير، ويتجاوزون القوانين والاعراف الانسانية والشرعية والدولية، وسيقودون اسرائيل الى ضعف وخلافات داخلية.
والمستوطنون هم وراء تحول اسرائيل الى دولة عنصرية، دولة "ابرتهايد"، والى دولة ثنائية القومية، تواجه مشكلة ديموغرافية خطرة بالنسبة للقادة الاسرائيليين اليهود!
الاستيطان مرفوض من طرفنا، ولكنه سيشكل عبئا على دولة اسرائيل، وهذا ما يتوقعه كل انسان عاقل، وكل باحث في الشؤون الاسرائيلية. انه يحقق ما كان يدعو اليه قادتنا، وما زال كثيرون يدعون اليه، الا وهو اقامة دولة واحدة علمانية تتمتع بالمساواة في المواطنة.
قد يكون المتطرفون في اسرائيل فرحين عندما يبنون مستوطنة جديدة، وعندما يصعدون من وتيرة الاستيطان، ولكن مع الزمن، فان المستوطنين أنفسهم سيشكلون تهديدا لمستقبل اسرائيل، وقد يساهمون في اضعاف دولتهم، ورحيلها ان استمروا في عربدتهم وتطرفهم واعتبار أنفسهم فوق القانون، لأن الامور والاجواء والمعطيات الحالية التي هي لصالحهم لن تكون أبدية، وهي قابلة للتغيير سواء عاجلاً أم آجلاً، والعالم نفسه قد يكون متفرجا الان على الوضع، ولكنه مجبر على قول كلمة الحق والعدل في المستقبل، ودولة جنوب افريقيا هي خير مثال على ذلك!.
بقلم/ جاك خزمو