أنت الان ...نحن..!

بقلم: توفيق الحاج

أنت الان ...نحن..!
"ما تيسر من غناء الوداع في حضرة الدرويش في ذكراه الحادية عشرة .... "

*
ما من مكان في زحمة الرثاء سوى نهنهة القرفصاء..
وما من كلام يليق براحل الراحلين سوى سرب عشق معتق في دنان الأمهات..
هكذا أبدأ الخاتمة..
كلها الكلمات تسمرت منذ غروب السبت..
جف الندى ..
تحت الخماسين .. أطلقها المذيع الجهوري .. بكيت
لم يفاجئني موت من ترك الحصان وحيدا..لكنه جزع الفراق..
* *
أرجعتني الذكريات إلى بدء الرحيق..
كان محمود طفلا في تمام العنفوان ..قمرا يطل علينا كل شهر بقصيدة..
..حفظنا كاليتامى كل شيء عن مواويل يغنيها لأم..
لولا شيب حزيران في مفرقيها ياااا ظلنا ما عرفناك..
ولولا قهوة الصبح من يديها ما عرفت الأغنيات..
كلها الكلمات تسمرت عند غروب السبت..
كلها الكلمات....!

* *
صار درويش كهلا ..غضنت شعره البنادق والمنافي والخلافات والمسافات من بيروت الى الخضراء ..فبان للعاشقين سحر الأخاديد..!!
قاد الحداثة حيث شاء فلم تمت القصائد بغته في المزهرية..!!
مات من مات في بحور الشعر لأن العشق لم يكن يوما نيشان الحجيج أو خطابات التباهي تعد على عجل للمصفقين.............!!
كان درويش هو الدرويش... وكان عشقة القضية..!
* *
ايه ياسيدي
بقيت أنت..
أنت وحدك..
تفرق عنك المخلصون /العاشقون /المنافقون / العالمون / الجاهلون / الشاهدون / الخائنون
بقيت وحدك..
وحدك طعم االتراب..رغوة الحلم..ألوان العلم
يا وحدنا
أسكرتنا فيك التوابل ، واسترحنا من هزائمنا على ضفاف قصيدة قالتك يوما في الفراغ
لملمنا ضفائر شعرك الذهبي..
وحفظنا ها عن ظهر قلب..
تذكرنا كيف كنا نضيء التفاعيل مما خبأناه تحت الوسائد ونغني كي يزول الاحتلال..
كم كنت رومانسيا حينها..
وكم كنا عند بابك ندماء..!!
أحببناك..كما أنت
استرقنا منك ما استطعنا من قواف وقبل
عتبنا عليك..
اختلفنا معك..
لكننا لم ننسحب من عشقنا كالآخرين..!!
* *
كنت نبيا في اجترار الأمنيات..
كنت شقيا في اصطياد الكلمات..
وكنت ذكيا..في اقتياد الأغنيات..
المسافة بيننا كانت كالمسافة بين زهر اللوز والحنظلة..
قربنا الموت فصرنا جسدين في فضاء من وجوم الاسئلة
قبل أيام..
رأيناك تفرك ناي كنعان.. تصلي للبعيد
أعيتنا التراكيب..!
قرأت لنا عن الرحيل والراحلين ..
غمرتنا صوفيتك الموحشة.. أدهشتنا كعادتك
وعرفنا انك تحزم ما تبقى من حنين وتغادر..
كما غادر غسان وناجي والآخرون..
لا فرق في قبضة الردى بين سكتة ورصاصة
سيدي لم تمت بالقلب..
إنما نحن متنا فيك جرحا تقيأ بين رام الله وغزة!

* *
غادرتنا..
أعدتنا ليتمنا..
أريتنا ..قبحنا
ودعتنا بلا وداع
كل المنافي لم تتسعك.. وسعتك حفنات التراب
عدت صمتا لاذعا..
جسدا يفارقه الغناء..
لكأن روحك لا تزال ترفرف فوقنا
لا تهبط الأرواح..مع هبوط الطائرة
كما الختيار...
أخذتك رام الله بين ذراعيها ..مسحت على شعرك كالمسيح..
أي صلاة عليك تجوز..؟!
وأي شعر عليك يجوز..؟!
هنا..
كأنا هناك
حاولنا احتضانك..
ردنا التلفاز
قبلتك شفاهنا عن بعد..
وانتحبنا
عذرا..
ليس بالإمكان أن ندحر ليلا بأيدينا صنعناه
وليس بالإمكان أن نجني من الوقت..
سوى شوكا زرعناه
فآه..حين تلقى الموت
وآه حين ..لانلقاه

* *
يا محمود
بالله عليك..
بلغ منا السلام لكل الذين استفاقوا ..
و أعطوا النهايات طعم اليقين..
فأنت..وهم..
روعة الحضور....وشهقة الياسمين
وأنت وهم..
لون حرقتنا في وحشة الغياب..!!

* *
هرول الجثمان..
من فوق الأكف
استقر على الفضاء
قرأنا الفاتحة..
هذا المسجى.. أرضع شعره للعاشقين البارحة
هذا المسجى .. ألقى قصيدته الأخيرة..
فوجمنا..
صرخنا كما يحكى الرواة عن نخل تقصف في العراق
صرخ الجميع..
رحماك ياااا سيد الشعراء
أنت الآن نحن..
أنت الآن نحن..!!

توفيق الحاج