في ذكري رحيل الشاعر الكبير محمود درويش شاعر الارض الفلسطينية شاعر الثورة محمود درويش، أحد أهم الشعراء الفلسطينيين والعرب والعالميين الذين ارتبط اسمهم بشعر الثورة والوطن والإنسانية، يعد الدرويش أحد أبرز من ساهم بتطوير الشعر العربي الحديث وإدخال الرمزية فيه، في شعر درويش يمتزج الحب بالوطن وفي المستقبل والطفولة والحياة، محمود درويش هو من كتب وثيقة إعلان الاستقلال الفلسطيني التي تم إعلانها في الجزائر، ورحل درويش عن عالمنا بتاريخ 9 أغسطس 2008، هيوستن، تكساس، الولايات المتحدة بعد صراع مع المرض تاركا ورائه عالم من ثورة الشعر حيث ترجمت اشعاره الي اغلب لغات العالم.
سيدي .. يا سيد الشعر والشعراء
سيدي محمود درويش
كم هو مؤلم أن نكتب لفلسطين من خارج فلسطين فأنت عكست المعادلة وتألق صوتك في قاعات بيرزيت والكرمل لأنك عشقت اللون الأخضر، عشقت رائحة البرتقال الزهري، عشقت الوطن حكاية عشق وحلم جميل، ما أصعب أن نتألم سيدي على فراق نصف الجسد، ما أصعب سيدي أن يسحق العلم الفلسطيني وأن تمزق صور شهدائنا هل تذكرهم سيدي، هل تذكر ياسر عرفات هل تذكر صلاح خلف هل تذكر أبو جهاد حقا تعرفهم جيدا، ما أصعب أن نسحق أنفسنا في حذاء الحقد الأسود.. وما أصعب أن نكون عبيدا للغرباء، وما أصعب أن نقتل بعضنا بعضا، ما أصعب أن نعيش في حكومتين ورئيسين ومجلسين للحكومة، ما أصعب أن لا نتنفس هواء غزة، وما أصعب أن نحلم في الضفة الغربية، ما أصعب أن نمزق أنفسنا بين العواصم، وما أصعب أن نرهن أنفسنا لاحتواء البعض، وما أصعب أن تكون الخيانة مجرد وجهة نظر وما أصعب أن تعيش في زنزانة يكون سجانك فلسطيني، وما أصعب أن تسحق في غرف التحقيق من جلاد فلسطيني، وما أصعب ان نتاجر بمقاومتنا، وان نبيع سلاحنا بثمن بخس في سوق المزايدات السياسية وما أصعب أن نفقد البوصلة تجاه الوطن ونتوه في متاهات الردة، وما أصعب أن نتجرع أيام الغربة وان نفقد الأمل وأن نعيش حلكة الغربة وأن نكتب للوطن عن الوطن، ما أصعبنا وما أقسانا وما أروعك محمود وأنت تتألق فينا لتبعث رائحة الشوق من جديد، ما أحوجنا إليك يا محمود لتكون الموحد فينا لنقرأ شعرا وحبا ووفاء لتكبر وتتألق من جديد.
علي هذه الأرض ما يستحق الحياة .. هو أنت محمود درويش هي الروح التي تعانق الجسد .. هو أنت الصوت الذي جعل من جذمة أفقا .. هو أنت سيد روحنا وفكرتنا هو أنت المتمرد الأول فينا .. هو أنت قبلتنا الشعرية الأخيرة .. هو أنت من تمرد على الموت وجعل الموت أسطورة .. هو أنت الذي استيقظ في الليلة الأولى على علم من لون واحد يسحق علم من أربع ألوان .. هو أنت الكرمل والكرمل أنت .. هو أنت معلمنا وسيد روحنا وفكرتنا وحبنا الأول .. هو أنت الذي شكلتنا سيدي بتلك التعابير التي صنعت منا وحيا يحلق في سماء الكون .. هو أنت الإنسانية و أنت صاحب المناظرة الأولى للوطن الكبير.. هو أنت اللغة التي صنعتنا من ليالي الشوق والحنين والأسلاك الشائكة والقضبان الحديدية .. هو أنت الحلم المتبقي فينا .. هو أنت الفلسطيني الأول الذي صاغ حكايتنا ودولتنا واستقلالنا.. هو أنت اللحن الأول لصوت المولود الأول.. هو أنت صاحب آياتنا الشعرية وحكايتنا وحبنا المتمرد في بيروت .. هو أنت الذي عشقناه دون أن نراه .. هو أنت روحنا سيدي .. هو أنت اللغة والكلمات والمفردات التي تمردت على المعلقات الذهبية وتصدت يوما لأبره الحبشي وتألقت في دمشق الشام وعانقت أسوار القدس العتيقة .. هو أنت المجد الباقي والمتبقي فينا .. يا تكوين حياتي يا لحظات شوقي وصوت غربتي .. يا أيها القادم من هناك .. انهض تمرد .. استيقظ من نومك قليلا .. استيقظ من ثباتك قليلا .. كم نحتاجك الآن سيدي نحتاج إلى حكمتك وتمردك وفلسطينيتك الأصيلة .. نحتاج إلى من علمنا كيف نعلن حدادنا على أرواح الموتى الأحياء منا قبل الأموات.
هو أنت الفلسطيني الأول سيدي هو أنت الذي حلمت بك قبل صلاة الفجر وكنت حلما جميلا، كنت أنت محمود أنت حبيب عمري وحياتي والمتبقي للأبد وحتى الأبد ..هو أنت محمود الذي تربعت على عرش شعرك وصغت تكوين الإمارة .. هو أنت الذي أحببناك وطنا ومقاومة وسلاحا ورصاصا وورده.. هو أنت الذي رحلت قبل الأوان وتركتنا وحدنا نلهث في سراب البحر ونفترش رصيف الغربة قسوة وحكاية لم ولن تنتهي .. هو أنت الذي تمردت على صنعاء واحتضنتك عاصمة الصحراء .. هو أنت سيد التكوين والكون والشعر بدونك يرفض أن يرى النور .. هو أنت لك لونك ورائحتك وعطرك وشذاك .. هو أنت الدفء في الصيف ولحظات الرومانسية والتجلي الروحي .. يا سيد روحنا يا حبيبنا يا من كنت صورتنا ورسالتنا وشعرنا .. يا من كنت الفلسطيني الذي رفض الركوع والخنوع والذل والإهانة .. يا من علمتنا أن نتمرد على فشلنا وهزائمنا .. إليك منا الحب في يومك .. يوم رحيلك .. يوم ان تألقت علينا وعلمتنا كيف يكون الموت هادئا له روعته وهيبته وصمته .. إليك منا الوفاء والبقاء والعهد .. إليك منا فلسطينيتنا ستبقى عربية أصيلة كما هو أنت سيدي .. إليك عهدنا يا ملهم كلماتنا .. ويا صانع حلمنا .. يا أيها الفلسطيني الأول لك كل الحب والقبلات .. لك كل الشوق والدفء والآهات .. لك يا سيدنا عهدنا أن نكون صوتا حرا ورسولا .. في ذكرى رحيلك عنا انت الباقي فينا حبا وحياة .. انت العنوان لكل جراحنا وكل آلامنا .. وأنت حكاية مستقبلنا وموعدنا مع الحرية والاستقلال.
بقلم : سري القدوة
سفير النوايا الحسنة في فلسطين
رئيس تحرير جريدة الصباح الفلسطينية
[email protected]