إسرائيل تدشن طريق الجحيم

بقلم: عبير عبد الرحمن ثابت

للمرة الأولى ومنذ أكثر من نصف قرن لاحتلال إسرائيل لمدينة القدس منذ أكثر يتجرأ رئيس وزراء حكومة اسرائيلية بالسماح ليهود متدينين باقتحام الحرم القدسي فى يوم عيد للمسلمين يتواجد خلاله مئات آلاف المصلين في المسجد الاقصى لأداء صلاة العيد، وبرغم أن التصادف الذى حدث بين عيد الأضحى وما يعرف عند اليهود بيوم خراب الهيكل المزعوم لم يكن الأول فقد تصادفت الذكرى المزعومة مع مناسبات اسلامية عديدة فى السابق؛ وكانت الحكومات الاسرائيلية تحجم عن  إعطاء الإذن لليهود باقتحام الحرم القدسي خلال الأعياد الإسلامية، لكن ما حدث اليوم كان على ما يبدو تدشين لمرحلة جديدة مضمونها التهويد الصلف للحرم القدسي.

ما حدث اليوم يختلف عن كل محاولات الاقتحام السابقة؛ والتى كانت ضمن محاولات التقسيم الزماني للحرم؛ فما حدث من اقتحام للحرم فى يوم عيد الأضحى لدى المسلمين الذى أدى فيه قرابة النصف مليون مسلم صلاة العيد؛ وهو حدث يشي وبكل وضوح إلى تغيير دراماتيكي فى سياسة التهويد الزمنى التى كانت تحاول اسرائيل فرضها على الحرم إلى التهويد المكانى للحرم  عبر فرض وتوثيق مشهد عبادة متزامن للمسلمين واليهود داخل أسوار الحرم وبالقوة العسكرية؛ كذلك الحدث يعكس وبقوة انتهاك فاضحا ومقصودا من قبل اسرائيل للسيادة الروحية للمملكة الأردنية الهاشمية على المقدسات الاسلامية والمسيحية فى مدينة القدس؛ وهي سيادة موثقة فى اتفاقات السلام بين المملكة وإسرائيل؛ ولكن من الواضح أن اسرائيل تسعى وبكل قوة ضمن سياسة تهويد المدينة إلى افراغ تلك السيادة الروحية الهاشمية على المقدسات من مضمونها عبر فرض واقع جديد على ساحات الحرم تختلط فيه السيادة الروحية بالسياسية؛ والتى تستند للقوة العسكرية ونتاج هذه الخلطة سيكون اضمحلال السيادة الهاشمية لصالح سيادة قوة الاحتلال العسكرية.

إن هذا التطور الجديد ما كان ليحدث وما كان لإسرائيل أن تفكر فيه لولا حالة اللامبالاة التى شابت قرار الإدارة الأمريكية بالاعتراف بالقدس عاصمة للدولة العبرية ونقل سفارتها لها من قبل العرب والمسلمين خاصة ومن المجتمع الدولي بشكل عام وهو ما اعتبرته اسرائيل بمثابة ضوء أخضر لها لتهويد المدينة.

ما حدث بالأمس بالمسجد الأقصى هو بمثابة خطوة أولى لما هو قادم ليس على القدس فحسب بل على الضفة الغربية وقطاع غزة؛ وإننا أمام حكومة اسرائيلية تدرك جيدا أن اللحظة التاريخية الراهنة التى يعيشها العالم ومنطقة الشرق الأوسط هي لحظة تاريخية لن تتكرر؛ وهى عازمة وبكل قوة على استغلالها إلى أبعد حد ممكن لتثبيت واقع  سياسي جديد على خارطة فلسطين التاريخية يتحول من خلاله غير اليهود المتواجدين على هذه البقعة من الأرض إلى مقيمين فيها ليس إلا ترتبط  فيه أدق تفاصيل حياتهم بالدولة الاسرائيلية عبر إدارة مدنية تتبع حاكم عسكرى فى وزارة حربها تماما كما هو حال سكان القدس اليوم من غير اليهود؛ وتدرك اسرائيل جيدا أن نجاح هذا النموذج فى القدس لن يمر إلا بتهويد الحرم القدسي لأنه وببساطة يمثل آخر قلاع المقدسيين الروحية والثقافية التى تبقت لهم، ولأن اللحظة التاريخية الراهنة لن تطول فإن الوقت بالنسبة لإسرائيل هو عامل حاسم؛ وعليه فإن حملة التهويد ستستعر فى قادم الأيام وبخطوات أكثر دراماتيكية. وإذا لم يتدارك العالم خطورة ما تقوم به اسرائيل فإننا بالفعل نكون قد بدأنا وبكل وضوح خطواتنا الأولى فى طريق الجحيم نحو حرب دينية واضحة الأهداف والمعالم.

إن ما تخطط له اسرائيل فى الحرم القدسي لن يشعل الشرق الأوسط فحسب بقدر ما يحمل فى طياته من نار كفيلة بإشعال العالم بأسره بنيران حروب عقائدية يتحول فيها تصنيف الارهاب  إلى نوع من الترف الثفافي والسياسي.

 

د. عبير عبد الرحمن ثابت 

أستاذ علوم سياسية

[email protected]