تتفاقم مشاكل وهموم العمال، وتنحصر تطلعاتهم في الحد الادنى للعيش، أمام تغول الغلاء وارتفاع الاسعار في ظل محدودية فرص العمل وتدني الدخل، وتفاقم الفقر بين صفوفهم، فكل عام هناك الالاف من الخريجين الجدد وعمال حديثي السن من كلا الجنسين يلتحقون بسوق البطالة الذي أنهكهم انسانيا واجتماعيا واقتصاديا، وخلق بينهم الامراض والازمات النفسية والاجتماعية، وساهم في ظهور الكثير من المشاكل، كالاغتراب وحالة اللامعيارية "الانومي" بين الشباب ودفعهم للتوجه نحو الهجرة والهروب للمجهول والغرق في البحر، أو تعاطي المخدرات...أخ، من ظواهر التي انتشرت بين صفوف الشباب والعاطلين عن العمل، فمع تزايد حجم المعاناة والمشاكل والهموم التي أثقلت العمال وأسرهم هناك حاجة ملحة لجسم نقابي عمالي قوي وقادر ان يلعب دور حقيقي لخدمة العمال بكل قطاعاتهم ويستطيع التدخل بشكل مدروس علميا ومنهجيا للمساعدة كشريك اجتماعي مؤثر في علاج قضايا العمال، لمواجهة هذه التحديات والمعيقات، وذلك من واقع المسئولية النقابية والاخلاقية، فلا يجوز التنكر لتلك الهموم العمالية أو تحميلها لطرف على حساب طرف، فهي مشاكل وقضايا مركبة متأثرة بكثير من الاطراف بدءا من الاحتلال وسياساته العدوانية وانتهاءً بالانقسام المخجل والمذل، وبينهما غياب السياسات والشراكة الحقيقية التي تٌعني بجدية بهذه الفئة الاجتماعية التي يتنكر لها الجميع أمام مقياس سلم الاولويات التي تحكمه سياسات ومصالح متنفذين، لا أريد الاطالة هنا لكن جزء كبير من معاناة العمال يعود للحالة النقابية، والتشرذم، والصراع، والتناحر الذي يسود الاجسام النقابية الموجودة، والتي يحكم عملها في الفترة الاخيرة ردة الفعل فيما بينها، والتدخلات الخارجية والتي مست باستقلالية العمل النقابي بعدم إعطاء الاولوية لمصالح العمال ولقضاياهم ومشاكلهم، وإن كان هناك بعض التحركات النقابية الخجولة، ولكن تقاس الامور بحجم الانجازات والنجاحات، ومدي انعكاسها على واقع العمال وحماية مصالحهم واستقرار بيئتهم الاجتماعية والاقتصادية، فمن واقع المسئولية نجد ضرورة لوجود قوة عمالية تستطيع التغيير والنهوض بواقع العمال والمجتمع، بحيث يكون لها دور فعال في مواجهة مشاكل وقضايا العمال كشريك حقيقي يقدم أفكاراً إبداعية ومساهمات على قاعدة المسئولية الجماعية عن كل الاوضاع، والايمان بالتعاون والشراكة في البناء والتطوير، كوسيلة للتدخل والعلاج بالبحث عن أفضل البدائل والمفاضلة بينها والتي تخفف معاناة العمال وهمومهم، وبما يساهم في النهوض بالمجتمع، ولاتقاء شر تلك السياسات التي تتنكر لسواد الاعظم من الشعب الفلسطيني وهم العمال بكل فئاتهم وقطاعاتهم، من هنا تنبع أهمية الدعوة للاتحادات والاجسام النقابية لضرورة العمل بشكل وحدوي ومنظم باتجاه قضايا العمال، وهذا يحتاج توحيد فعلي على الارض لكل الاجسام النقابية خلف هدف يحفظ مصالح العمال والمجتمع، وذلك بإعادة هيكلة المؤسسة النقابية من القاعدة للقمة، بحيث تستطيع استقطاب الجميع في إطار واحد تحكمه لوائح ونظم تضمن شفافية وديمقراطية ونزاهة العمل النقابي، وتحافظ على الانجازات والمكتسبات النقابية، وتشكل رافعة حقيقية لأي عمل نقابي يهدف لخدمة العمال وقضاياهم، ...
واعتقد أن الاولوية اليوم تتجسد بالعمل باتجاه بوصلة الوحدة لكل الاجسام النقابية من خلال الشروع الفوري بعدة خطوات لإنجاز مشروع وحدة الحركة النقابية، والتي أصبحت مطلب الجميع، لكن تتعثر أمام بعض المصالح والتي بالإمكان أن يتم تذليلها بعد الوقوف عليها بشكل حضاري ومنهجي على قاعدة الايمان بأن الوحدة خطوة مقدسة تتحقق عبر الحوار البناء والفعال؛ المبني على أسس الشراكة وتوزيع الادوار واستيعاب الجميع بتعزيز التفاهمات الجامعة، وترسيخ مبادئ العمل النقابي السليم، فيكفي تجاهل للقضايا الكبيرة أمام المصالح الفردية وتقزيم العمل النقابي ورسالته التنموية والمطلبية، التي تقوم أساسا على مصالح العمال وبهدف تحقيق تطلعاتهم وآمالهم التي يسعون نحوها في ظل ما يتعرضون له من استغلال وتغول في الظروف ومشاكل الحياة المثقلة والمركبة التي يوجهونها على الارض، والتي تحتاج كل المعاول والمناصرين لإيجاد الحلول الموضوعية لتراكم الإنجاز وعلى الاقل تصبح قضايا وهموم العمال أولوية نقابية ومسئولية جماعية، تٌبحث على طاولة المسئولين وتكون ضمن أجنداتهم وخططهم التنموية والبنائية.
فتشخيصنا للواقع ولحجم المعاناة العمالية ولانتشار الظواهر التي تتعلق بهذه الفئة الاجتماعية العريضة يشير لضرورة الوحدة النقابية لتشكيل قوة ضغط وتأثير من ناحية، وفرز شريك حقيقي على الارض يمثل العمال ويتحدث بنبضهم ويعبر عن مشاكلهم من ناحية ثانية، وهذا يتجسد بوحدة العمل النقابي في جسم واحد، وعلى قاعدة المصلحة والقضية الاولي هي العمال ومشاكلهم.
بقلم/د. سلامه أبو زعيتر
• عضو الامانة العامة للاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين