أي ذات تلك التي نبحث عنها بوصفها ذات جميلة كريمة مستقلة قادرة على الانخراط الحقيقي بحياة حرة منتجة مبدعة انسانية وفي سبيل الوصول الى ذلك هناك سؤال كبير وهو من نحن اصلا وهل استطعنا الاجابة على ذلك السؤال جماعات وافراد ... هل نحن بشر ... ناس ... جزء من المكون المسمى بالمجتمع الانساني أم نحن مسلمين واذا كنا كذلك فأي مسلمين سنة ... شيعة ... الخ ثم ماذا عن المسيحيين واليهود وغيرهم كما في العراق وحتى في الامارات العربية المتحدة مثلا والتي قد يعتقد البعض انها بلد من صنف واحد عرب مسلمين سنيين مع ان نسبة المسيحيين الذين يعيشون هناك 9% ونسبة الهندوس 15% ونسبة البوذيين 5% واذا كنا مسلمين سنيين فعن أي مذهب نتحدث عن الشافعية ام المالكية ام الحنبلية ام غيرها أم أننا عرب واذا كنا كذلك ماذا عن القوميات الأخرى التي تشاركنا الوطن بأصالة اكثر ممن يدعون العروبة ففي العراق 75% فقط هم العرب ان لم يكن اقل هذه الايام وتتراوح نسبة الاكراد حسب عديد المصادر من 12 – 18% وكذا اليزيديين والاتراك وفي المملكة المغربية يشكل الامازيغ حوالي 27% من عدد مواطنيها واللغة الامازيغية هي لغة رسمية في البلد ولم تذكر كلمة العربية كوصف لاسم المملكة كما هو الحال ايضا في الجزائر والعراق ومن نحن ايضا تنطبق على الجنس فهل نحن المجتمع الذكوري دون النساء مما يعني تحييد نصف المجتمع او يزيد والقبول بمجتمع مستهلك احادي الجنس وبكل الاحوال فان الانعزال عن الآخر المشارك دينا او قومية او طائفة او جنس يعني بالتالي الانعزال عن المجتمع الانساني ككل والاكتفاء بمجتمع غير فاعل.
من نحن ان لم نكن بشرا انسانيين مشاركين للكل في سبيل الكل أيا كانت التمايزات والاختلافات ففي الهند عشرات القوميات والاديان منصهرة في مجتمع مدني واحد وكذا في الولايات المتحدة الامريكية الدولة الاكثر استغوالا ضد شعوب العالم عشرات القوميات والاعراق والاديان والطوائف منصهرة كليا في مجتمع مدني واحد قادر على اشغال العالم اجمع والانشغال به دون ان تتضرر البنية الاجتماعية الداخلية ولم يؤثر الانشغال العرقي او الديني او الطائفي لأي مكون من مكونات المجتمع الامريكي سلبا على بينة المجتمع والدولة وتطورهما وعلى العكس من ذلك جاء التمايز والتلون والاختلاف مساهما وفاعلا في قدرة البلد والمجتمع على احتلال المكانة الاولى على الارض سلبا ام ايجابا لكنها الحقيقة.
بحاجة نحن لفسيفساء الانسانية المجتمعة تحت سقف الوطن دون حق لاحد على احد ولا تمييز لاحد على احد وطنيين ليلادنا منشغلين بالهم الانساني العام كمشاركين في صياغة الحضارة الانسانية عامة عبر صناعة حضارتنا الغير متعارضة ولا متناقضة بل مكملة لحضارة البشر على قاعدة الحرية والسلام والخبز للجميع على قدم المساواة أيا كانت الاختلافات الاخرى فالذين يعتقدون ان الدين عائق مخطئين فلم يسبب الدين أي اعاقة في اوروبا المسيحية ولا في الهند المتعددة ولا في الصين اللا دينية مع وجود الاديان ولم تسبب القومية عائقا لأي من الامم في سائر انحاء الارض بل شكلت حافزا للتطور والتقدم الى الامام ولم تكن المرأة معيقا لنهوض امة بل ان الامم التي قادتها النساء لا زالت تحقق النجاح تلو النجاح.
نحن بحاجة اذن لنحن وطنية مدنية واحدة موحدة اديانا وطوائف واعراق ومعتقدات دينية وسياسية وفكرية, نحن وطنية موحدة نساء ورجال, نحن وطنية موحدة منفتحة على الآخر والغير نعطي ونأخذ على قاعدة ان الفكر والابداع والانجازات لا جنسية ولا قومية لها فلا يوجد ابداع مطلق القومية ولا مطلق الدين فلم يلغي الاسلام مثلا القيم والاخلاق التي سبقته وهو لا يمكنه ادعاء ملكيتها كما لا يمكن لعالم الذرة ان يعلن ان انجازاته خالصة الانتماء له ولقوميته ما دام قد استند في انجازاته الى الكم الهائل من المعارف والاكتشافات المتعددة الهوية القومية والدنية لها ولأصحابها.
في العالم العربي مشغولون جميعا بأنفسنا وذواتنا دون ان نتعظ او نعاود قراءة حالنا ولا سلوكنا ولا ما نحن عليه ولا ما اقترفت ايدينا منذ ان اختلف علي ومعاوية وحتى يومنا لا زلنا نعيش نفس الخلاف وقد يقتل رجل غيره لأنه لا زال يختلف على معاوية ابن ابي سفيان وبعد مرور مئات ومئات السنين على ذلك الخلاف أيا كانت اسبابه ومسبباته فالمسلمين اليوم في اليمن يقتتلون على لرضية الخلاف الطائفي مع ادراكهم ان نبي الله محمد لم يكن سنيا ولا شيعيا وبالتالي يدركون ايضا ان الله سبحانه لم يرسل لهم نبيا من بعده ليدعوهم لدين جديد أكان دين السنة ام دين الشيعة وهم في لبنان مثلا يختلفون بين مسيحي ومسلم وقد اقتتلوا لسنوات وسنوات وقتلوا بعضهم وهجروا بعضهم واعادوا بلادهم للوراء عقود وعقود ثم وجدوا انفسهم مضطرين للتصالح والعيش معا في بلدهم جميعا دون ان يقرأوا او يحاولوا قراءة الاسباب التي ذهبت بهم الى الاقتتال وتغييرها لصالح الافضل لهم جميعا وفي العراق وجدوا خلافات متنوعة دينية وطائفية وقومية واقتتلوا ولا زالوا وكذا فعلوا بسوريا واعادوا بلادهم للوراء مرات ومرات وهم جميعا يدركون من المستفيد مما يجري لهم ولبلادهم وان أي فائدة قد تعود على أيا كان الا هم, والامر ايضا في ليبيا حيث وجدت المناطقية والعشائرية مكانها في الاختلاف وفي فلسطين كان الاعتقاد السياسي او الخلاف في وجهات النظر هو اساس الخلاف والانقسام فلا شيء اذن يمكن له ان يكون خارج الصراع والاقتتال ان اراد له الاعداء ام يكون الا في حالة واحدة هي اننا نحن لا نريد له ان يكون.
من نحن اذن ... نحن بشر تصادف ان ولدنا على دين كذا او طائفة كذا او قومية كذا ... نحن بشر بنفس انواع الدم ونفس الخلايا الحية المكونة لأجسادنا ونفس التركيبة البيولوجية ونفس الاشكال فما الذي يجعل بعضنا مميزا عن البعض الآخر فهناك مسلم متخلف براي العديدين في بلد افريقي اخر واخيه نفسه متحضر في الولايات المتحدة الامريكية او فرنسا او المانيا فهل هناك علاقة اذن في تخلف الاخر الذي لم يغادر بلده للدين او القومية او الطائفة ام لإرادته وارادة من معه المصرة على الاختلاف والاقتتال بناء على هذا الاختلاف ولماذا لم يختلف المهاجرين العراقيين او السوريين او غيرهم مع الاديان والطوائف الاخرى في البلدان التي لجأوا اليها وقبلوا العيش هناك تحت قبة المجتمع المدني الذي لم يكونوا اصلا ينتمون اليه.
العربي المختلف مع العربي على الطائفة او الدين او المعتقد السياسي جميعهم هاجروا الى بلد اجنبي لا ينتمون اليه بل وقد يكونوا يعرفون انه السبب وراء مأساتهم ومع ذلك قبلوا هناك ان يعيشوا معا ويحترموا معا نظام البلد العدو بل وقبلوا طواعية ان ينتموا اليه بقوميتهم ومشاعرهم وفضلوه عن بلدهم الذي اقتتلوا به عليه حد تدميره فقد هاجر الى امريكا من كل البلدان العربية هربا من صراعاتهم معا المسلم والمسيحي والسني والشيعي والمتدين والعلماني الرجل والمرأة وهناك قبلوا طواعية ان يعيشوا معا ويخدموا معا تحت علم البلد الذي قادهم الى تدمير بلادهم فأي غباء هذا لدى الجميع مجتمعين وأي اضاعة للهوية التي وجدوها عند عدوهم ليصبحوا هناك ما لم يستطيعوا ان يكونوه في بلادهم.
بقلم/ عدنان الصباح