اليرموك موزاييك وزخارف بين الطيراوي و “قرقع بابور البحر“ ... الى الكاف والتشاف

بقلم: علي بدوان

أجمل مافي مخيم اليرموك، هذا الموزاييك الفلسطيني :  لاجئين فلسطينيين من مختلف مناطق فلسطين، من الجليل والأغوار وسهل الحولة، وطبريا، الى الساحل ومناطق المثلث، وصولاً لبعض مناطق القدس والضفة الغربية حتى قطاع غزة، وإن كانت الغلبة لأبناء الشمال من مواطني الجليل ومدنه وقراه. ففي كل حارة من حارات مخيم اليرموك تتعدد أسماء البلدات الفلسطينية، لترى أمامك صورة فلسطين بقراها، ومدنها، وأقضيتها، ساطعة ومضيئة، وقد تزينت شوارع اليرموك ومدارسه ومؤسساته وحتى بقالياته بالأسماء الفلسطينية.

 

الطفل الفلسطيني في مرحلة التعليم الأساسي (الإبتدائي) يستطيع أن يتحدث معك عن بلدته في فلسطين وكأنه من جيل البلاد أو من الجيل الأول للنكبة. طفل لايتعدى سنواته الستة أو السبعة أعوام يتحدث عن حيفا ويافا، وعن إجزم وكفرلام والطنطورة وأم الزينات وجسر الزرقا .... ويشرح لك : بلدتي في فلسطين قرية (الكابري) قضاء عكا، بلدتي في فلسطين (الشجرة) قضاء طبريا، بلدتي في فلسطين (قنير) قضاء حيفا، قريتي في فلسطين (القباعة) قضاء صفد ، قريتي في فلسطين (الخالصة) قضاء صفد وفي سهل الحولة، بلدتي في فلسطين قرية (عولم) قضاء الناصرة، بلدتي في فلسطين (عين كارم) قضاء القدس، بلدتي في فلسطين (المجدل) قضاء غزة، بلدتي في فلسطين (مجدل يابا) قضاء الرملة، قريتي في فلسطين (بيت دجن) قضاء يافا، قريتي في فلسطين (طيرة المثلث) قضاء اللد ... وهكذا...

تستطيع في مخيم اليرموك أن ترى تلك الألوان في الموزاييك المناطقي الوطني الفلسطيني بوضوحٍ صارخ، وكان معلمينا في المدرسة الإبتدائية يضعونا أمام الإختبار الدائم :  ماهي بلدتك في فلسطين، تحدث لي قليلاً عنها من خلال موضوع التعبير...؟

لقد أفرز موزاييك مخيم اليرموك، زخرفة جميلة جداً، فاليرموك بلهجته سكانه الفلسطينية (القُحة) يقع بين (القاف، والكاف، والتشاف، والئاف). فأجمل ما يميز اللهجة الفلسطينية هو أنها متشابهة في مفرداتها على إختلاف المناطق في فلسطين، ولكن الإختلاف هو في كيفية التعامل مع حرف الـ (ق).

فالبعض ينطقه كما هو ومنهم أهالي بلدات لوبية وصفورية وطيرة حيفا ... فيقولون على سبيل المثال (قلبي)، وقرقع بابور البحر، وسمعنا قاراقيعو من قاع الواد ، وقوصنا البحر... وهناك من ينطقه مُحوراً بـ (الكاف) كما هو حال أهالي الطنطورة وكفرلام والصرفند وإجزم وجبع الساحل وغيرها.... فيقولون (كلبي)، بينما ينطقه أخرون بـ (التشاف) كما هو حال أهالي عين غزال وقرى شمال الضفة الغربية فيقولون (تشلبي)، فيما ينطقه أهالي عموم المدن تقريباً كحيفا وصفد ويافا بطريقة مغايرة فيقولون (ألبي) في لهجة مُدللة، دلالة سكان المدن، حيث اللهجة الطرية الناعمة التي تميز أهالي مدينة صفد على سبيل المثال، والتي تكشف عن الصفدي من أول جملة من كلامه. كما حال اللهجة المقدسية، ولهجة أهالي نابلس القريبة من لهجة اهالي دمشق وصفد .. بين تسيطر الشخرة الغزاوية عند اهالي مدينة غزة عند كل حالة تعجب...

من طرائف اليرموك وزخارفه، أن هناك بعض الأسماء نادرة الوجود في فلسطين ماعدا وجودها في بعض القرى والبلدات، كالإسم (عرسان) و (مفضي)، مع إستباق الإسم بـ (آل) التعريف التي يعشقها مواطني بعض قرى فلسطين كما هو حال أهالي بلدة لوبية والمجيدل ويافة الناصرة وغيرها من القرى، ومعها (الكَسرَة) الموجودة في الحركة . وعلى سبيل المثال فإن (محمد عرسان مفضي) يصبح (محِمّد العرسان المفضي) ... وهكذا. 

اللهجة الفلسطينية، وإن إعترتها فروق النطق للحرف (ق) بين منطقة ومنطقة في فلسطين وأحياناً في المنطقة الواحدة، إلا أنها تجمعها مواصفات عامة لعموم الفلسطينيين، ومفردات تخص الفلسطينيين عن غيرهم من أبناء العروبة، حيث تكثر لدى عموم الفلسطينيين مُنتهية الـ (شين) كقول الواحد منّا (بقدرش، معيش، مش مهم، ليش، أديش، مفش ..).  تلك المنتهية أو اللازمة يفسرها لنا الكاتب خليل صمادي ابن مخيم اليرموك بقوله : هذه اسمها شين النفي، شرط ان تكون  مسبوقة بما النافية، والشين لتوحيد النفي، مثل كلمة ما اتأخذنيش، هي أساس في اللغة العربية الفصحى أسمها الكشكشة.

 اللهجة الفلسطينية هي الأقرب للغة العربية الفصحى من كل اللهجات العربية بما فيها لهجات مناطق بلاد الشام المختلفة. فكل من يتعلم اللغة العربية من الأجانب يقول بأن تَعَلُم اللغة العربية بين الفلسطينيين أفضل بكثير من تَعَلُمها مع أي من باقي الناس في بلدان العالم العربي. 

 

بقلم علي بدوان