بداية يجب التأكيد على أن الارتباط بالوطن والانتماء له.... لا يعني بالضرورة التواجد على أرضه.... بدليل قاطع أن الملايين من أبناء شعبنا لا زالوا برغم وجودهم خارج الوطن على صلة وانتماء وارتباط بوطنهم وشعبهم .
ما يأتي من اعداء الوطن بمخططات المتربصين بنا من محاولات لتوفير سبل الهجرة لخارج الوطن يؤكد على نوايا سوداء .... لأهداف خبيثة.... يراد من خلالها زيادة الأعباء واضعاف مقومات الصمود ...والتسهيل على الأعداء في نهب الأرض وتشريد السكان وتهجيرهم ....تحقيقا لأهداف الحركة الصهيونية التي لا تريد أن تري الشعب الفلسطيني ما بين نهر الأردن والبحر المتوسط .
في مقالات سابقة كتب عن مشروع اعادة توطين الشعوب كأحد أهداف النظام الدولي التي تقوده الولايات المتحدة لأجل تفريغ الدول من طاقاتها وخبراتها وشبابها..... واحداث الخراب بها من خلال تغذية التناقضات والصراعات والتي تصل الي حد القتل وسفك الدماء وحتى الانقسام والانفصال ...كما حدث بالعديد من الدول .
كلمة الهجرة تشكل عقدة تاريخية بحد ذاتها ...وترفض رفضا قاطعا بذاكرتنا لما سببته من عذابات وألام المت بنا عندما هجرنا عن وطننا واستقر بنا الحال بمخيمات الشتات واللجوء .
هجرنا ....ولم نهاجر ....!!!
أن نهاجر حيث يريد الانسان أن يعيش ولظروف خاصة ...وبداخله انتماء كامل وارتباط وثيق بأهله وعائلته والحي الذي يقطن به ...مسألة انسانية تحركها المصلحة الخاصة.... وبما يتوفر للانسان من فرصة عمل يراد من خلالها أن يعيش مع اسرته الصغيرة.... ومن ثم يعود الي وطنه بعد انجاز مهامه واهدافه .... وهذا ليس أمرا منفردا وخاصا بنا كفلسطينيين لكنه أمرا اعتياديا جرت عليه الكثير من الشعوب التي تحركت بما يتناسب ويتلاءم وقدراتها ورغباتها ومصالحها والتي ساهمت في بناء أوطانها ودعم اسرها وعائلاتها .
السياق الطبيعي والمعدل المقبول بتحرك الكفاءات والخبرات ....وتحقيق فرص العمل المناسبة واثبات الذات..... تعتبر أمورا طبيعية ومقبولة وجاري العمل بها منذ سنوات طويلة .....ونحن نستذكر فيها من غادرونا الي مقار عملهم وداخل العديد من الدول وما كانوا يقدمونه لأسرهم ومدي مساهمتهم الفعالة في دعم عائلاتهم بكافة سبل الدعم .
لكن ما يجري الحديث حوله من هجرة وتوفير سبلها وطرقها من قبل عدونا المحتل نشتم منها رائحة لا يطيب لأحد التعامل معها برغم قسوة الظروف ومصاعب الحياة وتعقيداتها .
الممارسات الاسرائيلية الاحتلالية وما يجري من حصار قاتل ...واضاعة مستمرة لفرص الاستقرار والأمن يعتبر منهجا احتلاليا .... لتوفير دوافع الهجرة والتهجير القصري وليس مفهوم الهجرة وحرية التنقل لأجل العمل والتجارة واستثمار الطاقات والخبرات مع المجتمعات الأخري .
ردود أفعالنا عندما نستمع الي مجرد أن يذكر أمامنا مصطلح الهجرة الرفض القاطع لا يكفي لاقناع القارئين والمستمعين والمشاهدين ....الا اذا ما كنا قد فصلنا مفهوم الهجرة وأهدافها ومتطلباتها وما نسعي لتحقيقه من وراء التحرك وايجاد موضع قدم لتحقيق أهداف خاصة لهذا الشخص أو ذاك .... خارج الاطار المراد من ورائه تسميم الاجواء واعطاء الانطباعات بأن هناك من يرغبون بالهجرة وترك الوطن..... وهذا ليس قائما ومقبولا من أي فلسطيني يعيش على أرض وطنه ويؤكد على صموده ورباطه عبر عقود طويلة .
الأصل هو الثبات والرباط على الارض لكن السؤال سيبقي ...
على أي أرض سنصمد ؟؟!!
وتحت أي ظرف يمكن لنا الصمود ؟؟!!
ليس بطرح مثل هذه التساؤلات محاولة لتبرير مغادرة الأوطان .....بقدر أنها محاولة جادة لاعادة الحسابات.... والتأكيد على الثوابت والحقائق...واحداث الصحوة الوطنية ....وعدم استمرار الغفلة .... وكأننا لا نري ولا نسمع في ظل ظروف انسانية واجتماعية واقتصادية فاقت في حدتها كل احتمال ممكن وعدم ايجاد البدائل والسياسات التي تستطيع أن تعالج الازمات.... وأن تحد من الأسباب التي تدفع بالشباب للهجرة وحتى الموت بالبحار وبالصحراء .!!!
الوطن يجب ان يكون حاضنا لأبنائه.... ودافئا عليهم ...ورحيما بهم ...وموفرا لهم فرص الحياة الكريمة والانسانية..... وليس الوطن الذي يستنزف طاقات أبنائه ويجعلهم بممر الانتحار وخياراته .... في ظل غياب المتابعة ... والتقييم ... والتصويب .... لتجربة قاسية مريرة عنوانها الانقسام الذي لا زال قائما .... ومتفشيا بأمراضه وأزماته ...دون أدني عناء لازالة أسبابه وانهائها .
لا يكفي الاعتراض على ما يخططه الاعداء لتوفير سبل الهجرة ومغادرة الوطن .... لكن ما يجب عمله يحتاج الي ارادة وطنية.... والي خطة شاملة والي دراسة متأنية لحقيقة ما نحن عليه ...وما نحن بحاجة اليه .... حتى يكون لاعتراضنا أو حتى رفضنا القاطع مبرراته المقبولة ..والمسموعة .....وحتى لا يكون مجرد كلام في الهواء .
الكاتب : وفيق زنداح