نتنياهو يعلم جيداً أن فشله في الانتخابات المزمع إقامتها في أيلول المقبل تعني أفول نجمه كسياسي يتحكم في صنع القرار في الدولة العبرية وبالتالي فقدانه للحصانة التي تحميه من ملاحقات الفساد التي تطارده وزوجته ، لذا تراه يسعى لنيل رضى اليمين الصهيوني المتطرف بمختلف أحزاب ذلك اليمين ليبقى في قمة السلطة .
نتنياهو يرتكز في عقائده على أفكار جابونتسكي التي استضاء بها الكتير من القادة في الدولة العبرية من أمثال بيغين ونتنياهو .
جابونتسكي هذا يعتبر الأب الروحي للفكر اليميني المتطرف في الدولة العبرية ، وأحد أكبر رموز التطرف في تاريخ الحركة الصهيونية ، فالرؤية الاستراتيجية التي طرحها ما زالت تؤثر في صياغة الاستراتيجيات الأمنية والسياسية لدى دولة الكيان الصهيوني ، فقد حدد أهدافه من خلال إقامة الدولة اليهودية (العبرية) على ضفتي نهر الأردن، واعتبر أن الوطن القومي هو الوسيلة الفعالة لإقامة هذا الهدف، وكانت خطته قائمة على الاستيطان المكثف وطرح برنامجاً يدعو لنزع ملكية الأراضي العربية لتصبح يهودية من أجل استيعاب الهجرة اليهودية، لهذا كانت رؤيته الخاصة بأن المساعدة الدولية هي من ستحقق كل ذلك، بطريقة تمنع العرب من محاولة الاعتراض، وقد جاءت بعد ذلك فكرته في تأسيس حركة شاملة لتغيير السياسيات الصهيونية وجدت استقبالاً قوياً عند الشباب الصهيوني وحملت اسم " عصبة تصحيح السياسة الصهيونية" او ما نطلق عليه الحركة الصهيونية التصحيحية.
قدم جابوتنسكي فكره من خلال سلسلة من المقالات التي طرحها بأكثر من لغة وقد كانت الأساس فيما اتبعه اليمين المتطرف لإدارة مستقبله، ومقالته "الجدار الحديدي" هي شرح عملي ومفصل لكل ما يريد أن يصل إليه، حيث طرح من خلال مقاله "الجدار الحديدي" ، فكره القائم على استخدام القوة والعنف لفرض الأمر الواقع على أصحاب الأرض لإرغامهم على الاستسلام للاستعمار، فبدأ مقاله بالحديث عن استحالة وجود أي اتفاق طوعي مع العرب من أجل السماح بالهجرة والتي ستؤدي إلى تغير ديمغرافي وسياسي في المنطقة، مستشهداً بما يرويه التاريخ، فلم يحدث أن قبلت أي دولة بالاستعمار طوعاً، وكل الشعوب سواء كانت متحضرة أم لا كانت تقاوم الاستعمار، لأنها تعتبر أرضها وطناً قومياً لا تقبل فيه القسمة، أو أي سيادة جديدة سواء كانت بهدف الاحتلال أو الشراكة أو حتى التعاون، وقد كرر الجملة ذاتها أكثر من مرة " الشعوب تقاوم الاستعمار طالما كانت تملك أدنى أمل في التخلص من هذا الاحتلال"، في محاولة منه لتبرير ما يطرحه من أفكار لسحق هذا الأمل ، مؤكداً ان العرب ليسوا أغبياء كما تحاول بعض القيادات الصهيونية الترويج، فهم وان كانوا متأخرين عن اليهود ما يعادل 500 عام وفق زعمه، ولا يملكون التصميم والقدرة على التحمل التي يملكها اليهودي، إلا أنهم يمتلكون حباً غريزياً لفلسطين يجعلهم يفهمون ما يريده الصهاينة من هذه الأرض مهما حاول الصهاينة تجميل أهدافهم وجعلها نقية، وعلى هذا فإنهم سيظلون يقاومون لمنع تحويل فلسطين إلى "أرض إسرائيل". وعلى هذا النهج كما أسلفت يسير نتنياهو في الاستيطان ومحاولاته المستميتة بداية لتقسيم المسجد الأقصى زمانياً ومكانياً تمهيداً للاستيلاء عليه وهدمه بالكامل وإقامة الهيكل المزعوم مكانه..
الدور الهاشمي كان فاعلاً وناجحاً في حماية المسجد الأقصى وباقي المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس ، لكن عدونا الصهيوني يحاول وباستماتة شق الصف العربي الإسلامي بمحاولات إنهاء الوصاية الهاشمية على المقدسات ، لذلك سعى من خلال تصعيده الأخير فرض سياسة الأمر الواقع بالقوة وما كان له أن يفعل ذلك لولا الدعم الأمريكي المطلق لممارساته النكراء هذه وأصوات النشاز التي تخرج من هنا وهناك حول الموضوع ، لكن الحق يعلو ولا يعلى عليه فصمود المقدسيين والإصرار الهاشمي على حماية الأقصى يحول دون تحقيق حلم نتنياهو البائس.
بقلم/ عبدالحميد الهمشري