يواصل المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية (مدار) تغطياته الخاصة لإلقاء الضوء على الحلبة الانتخابية في إسرائيل. وهذه المرة تطرق الى شخصية وزير الجيش الاسبق موشيه يعلون أحد قادة حزب المعارضة "أزرق – أبيض".
ويستذكر "مدار" في تغطيته كتاب يعلون "طريق طويل طريق قصير" الصادر قبل نحو عشر سنوات، ويؤكد فيه من ضمن أمور أخرى أن "العملية السياسية" بين إسرائيل والفلسطينيين التي أطلقتها اتفاقيات أوسلو هي "مجرّد وهم كاذب".
وأضاف في هذا الشأن قائلاً: "كانت الطريق التي أفضت إليها اتفاقات أوسلو مرصوفة بالأخطاء التي ارتكبها الطرفان. يقينا أن لدى الإسرائيليين أسبابا وجيهة لمراجعة أعمالهم، فالسياسيون والقادة الذين نصبوهم فوقهم تصرفوا أحياناً بطيش وتسرع وإهمال وفي أحيان أخرى بانغلاق وفظاظة، وحتى بتسيب وعدم مسؤولية تامة في بعض الحالات". ومع ذلك يزعم أن الزعامتين الإسرائيلية والفلسطينية لا تتحملان مسؤولية متساوية في الفشل الحاصل، وذلك لسبب بسيط جداً وفق ادعائه: كانت الأولى معنية حقاً بسلام دائم وسعت إليه، في حين لم تأل الثانية جهداً- بشكل مقصود وغير مقصود- في سبيل إفشاله. ويتابع "للأسف الشديد فإن "الشريك" الذي علقت الدولة اليهودية عليه آمالها بتحقيق المصالحة التاريخية كان ياسر عرفات".
وعلى مدى سنوات طوال اعتبر عرفات في نظر الإسرائيليين أسوأ عدو لهم، ولم يكن ذلك عبثاً أو محض صدفة. فقد قاد عرفات منذ ستينيات القرن الماضي واحدة من أشرس الحروب "الإرهابية" في العصر الحديث، التي أزهقت أرواح آلاف الأبرياء". كما يدعي يعلون أن اتفاقيات أوسلو جاءت لتوفر لعرفات فرصة لـ"يولد من جديد"، وأن هذه الاتفاقيات لم تنقذ المنظمة التي تزعمها في إحدى الفترات الأصعب في تاريخها وحسب، بل وفرت له أيضاً شرعية دولية وصورته في أعين الكثيرين- الذين اشمأزوا من أعماله في الماضي كزعيم وطني شجاع".
متجاهلا جرائم الحرب المرتكبة من قبل الاحتلال كمضاعفة الاحتلال ثلاث مرات منذ توقيع اتفاق أوسلو وغيرها يمضي يعلون في كتابه وفي تصريحاته ومحاضراته اليوم بالقول إنه "لم يكن يخطر في بال أحد، إبان السبعينيات والثمانينيات، أن هذا الزعيم "الإرهابي" الذي أعلن حرباً شعواء على الصهيونية وعلى الشعب اليهودي سيقف ذات يوم إلى جانب رئيس حكومة إسرائيل ووزير خارجيتها ليتسلم جائزة نوبل للسلام".
ومع تجاهل ما اقترفه رابين وغيره من جرائم بحق الشعب الفلسطيني منذ 1993 أيضا يواصل يعلون توجيه الاتهامات لعرفات، ويقول إنه غيّر جلده لكنه لم يغيّر ما في داخله فهو لم يتخل ولو للحظة عن تطلعه ورغبته في رؤية زوال الدولة اليهودية.
اعتراف ظاهري
ويضيف والفلسطينيون بزعامته اعترفوا في الظاهر بـ"حق إسرائيل في العيش بسلام وأمن"، لكنهم رفضوا قطعياً تعريفها الصهيوني، ومن وجهة نظرهم فإنه لا يوجد ولم يكن لليهود حق في وطن قومي يهودي في "أرض إسرائيل"".
وفي محاولة من "مدار" لإلقاء الضوء على من يطرح ذاته بديلا من حكومة الاحتلال برئاسة بنيامين نتنياهو اليوم، يستذكر ما قاله يعلون طوال الوقت إن إسحاق رابين اضطر للتخلي عن المطلب بمثل هذا الاعتراف في اتفاقيات أوسلو، واكتفى بتعهد عرفات بإلغاء البنود التي تنكر حق إسرائيل في الوجود، من الميثاق الوطني الفلسطيني.
ويمضي يعلون في محاولته شيطنة القيادة الفلسطينية "لغاية اليوم يمتنع المتحدثون الفلسطينيون- وحتى المعتدلون بينهم- من التعبير عن تأييد حل "دولتين لشعبين". وهم يدعون في أحسن الأحوال إلى إقامة دولتين بين النهر والبحر، دولة فلسطينية، وأخرى "ثنائية القومية"، أو "دولة جميع مواطنيها". هذه الحقيقة تبيّن مدى خطأ الرأي السائد الذي يرى في الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني صراعاً على أرض وحدود.
وفي نظر الفلسطينيين فإن المأساة الحقيقية لشعبهم ليست "الاحتلال في عام 67 وإنما عام 48، الذي أفضى إلى قيام إسرائيل وحوّل الكثيرين منهم إلى لاجئين".
من هنا يستنتج يعلون المعروف بمواقفه المتشددة وجرائمه، إذ سبق أن قاد جنودا لاغتيال الشهيد خليل الوزير (أبو جهاد) داخل منزله في تونس وأمام زوجته وطفلته، أن سبب رفض الفلسطينيين بشدة التنازل عن حق العودة، "هو سحب الأرض من تحت أقدام الكيان الصهيوني و"تصحيح الظلم التاريخي" الذي أحاق بهم.
ويضيف "من ناحية عرفات – الذي عبر في هذا الموضوع عن إجماع واسع في صفوف الزعامة الفلسطينية – كانت اتفاقيات أوسلو مجرد منصة انطلاق إلى المرحلة التالية في الصراع ضد إسرائيل". ويعود يعلون للتاريخ للتدليل على نظريته التي يلقي فيها الكرة في ملعب ضحايا الاحتلال، فيقول إنه كما هو معروف فإن المُنظّر العسكري كارل فون كلاوزفيتش أكد أن "الحرب ما هي إلا استمرار للسياسة، لكن بوسائل أخرى".
زاعما أنه من وجهة نظر الفلسطينيين، كانت السياسة وما زالت استمراراً للحرب بطرق أخرى، وفي المحصلة فقد منح مسار أوسلو الدبلوماسي منظمة التحرير الفلسطينية موطئ قدم شبه سيادي في الضفة الغربية وقطاع غزة، وهو إنجاز استراتيجي لم تكن المنظمة تأمل بتحقيقه لو أنها تمسكت بطريق "الإرهاب" فقط. مدعيا أن مثل هذا الانجاز بَرَّرَ حتى القيام بخطوات تصالحية تجاه العدو الصهيوني، بقي معظمها مجرد تصريحات. وضمن هذه المزاعم يعتبر يعلون أنه على أرضية هذه الإستراتيجيات المزدوجة الوجه، التي تسخر الدبلوماسية في خدمة المعركة ضد الدولة اليهودية، يمكن فقط فهم لماذا رفض عرفات ورجاله نبذ طريق العنف بعدما حصلوا على موطئ القدم المنشود في الضفة والقطاع. وقال إنه بدلاً من استثمار كل جهودهم في بناء الدولة، فضل الفلسطينيون أن يقيموا في المناطق التي سلمت لهم كياناً "إرهابياً" شبه منظم. وضمن روايته التي تعتمدها أغلبية الأوساط الصهيوينة يضيف "في سبتمبر/ أيلول 2000، وبعد سنوات من الغليان الهادئ والصدامات المتفرقة التي استخدمت لـ"التسخين" استعدادا للقادم، شن الفلسطينيون هجوماً دموياً واسع النطاق على إسرائيل.
كامب ديفيد
وبدأت هذه الهجمة، التي حظيت بالتسمية المضللة "انتفاضة الأقصى"، في الظاهر، كاحتجاج شعبي على زيارة أريئيل شارون لـ "جبل الهيكل" (الحرم القدسي الشريف)، لكنها كانت فعليا خطوة مدروسة خطط لها قبل ذلك بوقت طويل، مدعيا أن "السبب الحقيقي لاندلاعها يكمن في قمة كامب ديفيد في يوليو/ تموز 2000، التي قدم خلالها رئيس حكومة إسرائيل وقتئذٍ، إيهود باراك، مقترحات سخية جداً للفلسطينيين، وتشمل إقامة دولة على منطقة تقدر مساحتها بـ 90% من الضفة الغربية وكامل قطاع غزة، إضافة إلى نقل أحياء عربية في القدس الشرقية الى سيادة فلسطينية، وكل ذلك من منطلق الاستعداد لـ "إنهاء النزاع بثمن مؤلم"
حسب قول باراك". لكن عرفات، برأي يعلون، رفض هذه المقترحات لأنه لم يكن يرغب في مثل هذه النهاية للصراع، فهو لم يكن معنيا أبداً بحل يستند إلى دولتين قوميتين تعيشان بسلام جنباً إلى جنب، وعندما كان يتعين عليه مد يده إلى مصالحة جريئة زُعم أنها ستضع حداً للنزاع، آثر العودة إلى طرقه القديمة.
كيّ الوعي بالنار
ويضيف يعلون "كان انسحاب الجيش الإسرائيلي من لبنان قبل شهر واحد من قمة كامب ديفيد، قد عزز ثقة عرفات بإمكان كسر إرادة الإسرائيليين عن طريق استخدام القوة. من هنا فإن زيارة شارون لـ "الحرم الشريف" وفرت له فقط الذريعة لشن الحرب الشعبية "البطولية" التي حلم بها فترة طويلة كما يبدو".
ويخلص صاحب نظرية المؤامرة ونظرية " كيّ وعي الفلسطينيين بالحديد والنار والقوة المفرطة " الى القول في محاضراته المستوحاة من كتابه المذكور" إنه طوال "الانتفاضة" لبس عرفات قبعتين، قبعة رجل الإطفاء وقبعة مشعل الحريق". وتابع "فمن جهة، ظل كثيرون يرون فيه الرجل الوحيد القادر على خفض ألسنة النيران، لكن من دون إخمادها كلياً. ومن جهة أخرى، وبعيداً عن الميكروفونات وعدسات كاميرات التلفزيون، واصل دون توقف صبّ الزيت على النار".