تحقيق يكشف هوية عناصر الشرطة الإسرائيلية الذين قتلوا الطفل نسيم أو رومي وأصابوا رفيقه

كشفت مؤسسة القدس الدولية في تحقيق خاص تفاصيل أسماء وصور عناصر الشرطة الإسرائيلية الأربعة الذين قتلوا الطفل نسيم أو رومي (14 عامًا- من العيزرية شرقي القدس) بدم بارد، وأصابوا الطفل حمودة الشيخ (14 عامًا- من العيزرية) بإصابة حرجة، وذلك يوم الخميس 15-8-2019 عند باب السلسلة أحد أبواب المسجد الأقصى.

وأظهر التحقيق تعمُّد عناصر الشرطة المجرمين تفريغ عشرات الرصاصات في جسدَي الطفليْن على الرغم من انتفاء الخطر عنهم، فقد استمرّ عناصر الشرطة الإسرائيلية بإطلاق النار على الطفليْن وهما مطروحان أرضًا بلا حركة.

وبيَّن التحقيق أن جريمة هؤلاء الجنود الأربعة هي جريمة موصوفة ومكشوفة بالأسماء والصور ومقاطع الفيديو التي بيّنت دور كل واحد من هؤلاء العناصر. ودعا التحقيق إلى إطلاق جهد قانوني مكثّف لجلب هؤلاء المجرمين إلى العدالة، وملاحقة الاحتلال قضائيًّا لاقترافه الكثير من أمثال هذه الجريمة.

نص التحقيق:

بالأسماء والصور:

مطلوبون للعدالة: دورية قتلة الأطفال

تحقيق خاص- مؤسسة القدس الدولية

صلاة عيد الأضحى في الأقصى، يتوافد الناس ليفتتحوا نهاراً يأملون أن يكون من أسعد نهاراتهم، وجوه أطفال تملؤها البهجة بالملابس الجديدة وبأوقات سعيدة وألعاب وهدايا وعيديات منتظرة، يفترش أهل الأقصى ساحاته يتناولون إفطارهم عقب الصلاة. رغم مظاهر البهجة تسود المكان روح توتر وقلق، فالأقصى هذا العيد مُتوَعَّد باقتحامٍ صهيوني، مطامع التقسيم الزماني والمكاني ليست خافية، "جماعات المعبد" وشرطة الاحتلال وحكومته يتبادلون الأدوار لتحقيق تلك المطامع التي يتفقون عليها، ويدرك أهل الأقصى أنهم وحدهم، لسنواتٍ خلت كان مصير الأقصى معلقاً بيدهم، واليوم إما أن يقفوا في وجه الاقتحام أو أنه سيتمّ.

تمر ساعة بعد صلاة العيد، يُسرّب مكتب بنيامين نتنياهو خبراً كاذباً بأنه قرر منع المتطرفين الصهاينة من الاقتحام، تنقله صحيفة يديعوت أحرونوت وشقيقتها إسرائيل اليوم ويبدأ السياسيون الصهاينة بالتعليق عليه مستنكرين، تمر ساعة زمن ليتضح أنها حرب نفسية ضد مصلين عزل يديرها مكتب رئيس الوزراء الصهيوني مباشرة، تقتحم شرطة الاحتلال المسجد الأقصى وسط مئات قنابل الصوت والغاز ومستخدمة الرصاص المطاطي لتفريق من تبقى من المصلين في مسجدهم. يُقتحم الأقصى في يوم عيد لأول مرة منذ احتلاله عام 1967، يعتمل الجرح في قلوب الفلسطينيين، ويبدو واضحاً أن هذا العدوان سيجر ردوداً حتمية.

 

الطريق إلى باب السلسلة:

جنباً إلى جنبٍ سارا، يحتضنان معاً سرهما الصغير، فهذا الأقصى الذي اقتُحم يوم عيد الأضحى واعتُدي على حرمته في أقدس الأيام وأجملها ما زال له ثأرٌ لم يُدرك، ودورية شرطة الاحتلال على باب السلسلة هدف مشروعٌ في عينيهما، فهي التي سهلت خروج المقتحمين ودافعت عنهم، من باب المغاربة دخل المقتحمون يوم الأضحى ومن باب السلسلة خرجوا، وما دمنا لا نستطيع الوصول إلى باب المغاربة فالمؤكد أننا نستطيع الوصول إلى باب السلسلة.

في يوم الخميس الموعود 15-8-2019، وعقب صلاة العصر، وبسكّينتي مطبخ تخبَّئان في ثنايا الملابس، يتحرك الفتيان نسيم أبو رومي وحمودة الشيخ ابنا الأربعة عشر ربيعاً نحو باب السلسلة. يبادر حمودة إلى رفع سكينه مبكراً ويحاول طعن أقرب الجنود إليه، يلحق به نسيم مستهدفاً الجندي ذاته، يلتفت عناصر الدورية الأربعة المتبقين يرفع ثلاثة منهم مسدساتهم ويفرغون مخازنها في الجسدين الغضّين، يُستشهد نسيم أبو رومي على الفور، ويصاب حمودة الشيخ إصاباتٍ خطيرة، أما الجندي المستهدف فتُعلن الشرطة الصهيونية أن إصاباته بين طفيفة ومتوسطة.

هل كان "تحييد الخطر" الذي شكله الفتَيان مع سكينتي المطبخ يتطلب تفريغ مخازن ثلاثة مسدسات في جسديهما؟ هل كانت السيطرة عليهما مستحيلة بعد الرصاصة الأولى؟ لماذا اختار قائد الدورية أن يفرغ مسدسه كاملاً وأن يحذو اثنان من زملائه حذوه قبل أن يرفع يده مشيراً لهما بالتوقف؟

الفيديو الذي نشرته الشرطة الصهيونية ومدته 14 ثانية يوضح بشكلٍ جلي أن عنصراً واحداً للدورية كان "مهدداً" أما الأربعة المتبقون فلم يكونوا في حالة دفاعٍ مباشر عن النفس، وكانت السيطرة على الفتيين ممكنة لهم وفي متناولهم. لتبرر هذا القتل وزّعت الشرطة الصهيونية الفيديو، ففي وعيها العنصري أنّ كل من تسول له نفسه أن يقترب من شرطتها يستحق القتل، وهي تحاول أن تنشر هذا المنطق وتطبعه في وعي الجميع، حتى يصبح مقبولاً فلسطينياً وعربياً وعالمياً.

"هؤلاء يستحقون القتل"، هذه الرسالة التي أراد الفيديو تسميم وعينا بها، ولأجل هذا جاء هذا التحقيق الصحفي، ليضع بين يدي كل مهتم بإحقاق العدالة نقطة بداية لجلب هؤلاء القتلة أمام العدالة.

 

الكشف عن هوية القتلة:

لم يكن الكشف عن هوية القتلة صعباً، فرغم كونهم يعملون في جهازٍ أمني كان الوصول إلى حسابات التواصل الاجتماعي الخاصة بهم أمراً يسيراً لا يتطلب إلا بعض الإلمام باللغة العبرية. إن كانت هناك من صعوبة وحيدة فهي ذلك الإرهاب الذي تحاول سلطة المحتل زرعه في قلوب الناس حين يتحدث إليهم أحد عن هوية فردٍ من الشرطة لكن ذلك لم يحل دون الوصول إلى نتيجة.

 

توصل التحقيق إلى هوية أعضاء الدورية الأربعة الظاهرة بالفيديو، والدور الذي قام به كل منهم:

  1. ياكير ترجمان: من سكان هرتسليا، قائد الدورية الذي يظهر وجهه في فيديو الشرطة الصهيونية وهو الذي يلتفت ليطلق النار ويفرغ مخزن مسدسه كاملاً، ورغم أن كلا الفتيين باتا على الأرض ولا يشكلان أدنى خطر، يواصل توزيع عدة رصاصاتٍ من مسدسه بينهما قبل أن يرفع يده اليسرى مشيراً لبقية أفراد الدورية بالتوقف.

ترجمان يُعرف في أوساط المقدسيين بالـ"شبر" لقصر قامته، وبعض أفراد الشرطة ذوي الأصول العربية يتداولون هذا اللقب له. يقود الشبر في العادة قوة من 12 شرطياً مسؤولة عن تأمين اقتحامات المتطرفين الصهاينة خلال فترة الصباح ما بين 7:30-11:00 صباحاً، ومن ثم يعود إلى نقطة خدمته عند باب السلسلة.

خلال التحقيق انتشرت صورة لترجمان على مواقع التواصل الاجتماعي وهو يخرج أثاث مصلى باب الرحمة الذي تحاول سلطات الاحتلال إعادة إغلاقه بأي شكل، فحذف ترجمان حساب الفيسبوك الخاص به بعد انتشار الصورة، واختفت صُوَره من حسابات زملائه رغم أنها كانت منشورة سابقاً، وبدا أن إجراءات احتياطية قصوى اتخذت تجاهه فأزيل كل المحتوى الإلكتروني الخاص به من كثير من المواقع.

ترجمان من عائلة يهودية ذات أصولٍ مغربية، وله أقارب وصلوا إلى مراتب عليا في الشرطة والجيش الصهيوني، ولعل هذا ما يفسر سكنه في هرتسليا التي تعد مدينة للنخبة المقتدرة مالياً، من بينهم العميد المتقاعد دورون ترجمان القائد السابق لشرطة البلدة القديمة، وأفراهام ترجمان القائد السابق كذلك في شرطة "تل أبيب"، واللواء المتقاعد سامي ترجمان قائد القوات البرية في الجيش الصهيوني خلال الحرب على غزة 2014.

 

  1. وسام فلاح طريف: من أصلٍ عربي، من بلدة بيت جَن من قضاء عكا شمال فلسطين المحتلة، هو الذي يظهر في الفيديو واقفاً أمام الطاولة، ثاني أعضاء الدورية إطلاقاً للرصاص، رفع مسدسه وأطلق النار بكثافة دون تدقيق، ولكونه أمام باب السلسلة المفتوح مباشرة يصيب حارس المسجد الأقصى عمران الرجبي في فخذه. عمران هو الحارس الموكل بمهمة الحراسة عند باب السلسلة، يقف أمام الباب لينظر ما الذي يحصل فتعاجله رصاصة في فخذه تسقطه أرضاً. بعد ذلك يواصل وسيم تفريغ رصاصاته في جسد الفتى نسيم أبو رومي المسجى أمامه.

 

  1. بطرس داي: من أصل عربي، من سكان الناصرة في الجليل شمال فلسطين المحتلة، يكون جالساً على الطاولة كما يظهر في الفيديو، عندما يقف ويخرج مسدسه يكون الفتيان قد تلقيا عدة رصاصات من زميليه وباتا ملقيين على الأرض، لكنه رغم ذلك يطلق النار.

 

  1. عروة عساقلة: من أصل عربي من بلدة المغار، ويظهر في فيديو الشرطة معطياً ظهره للكاميرا، يحاول ضرب الشهيد نسيم أبو رومي بحقيبة كان يحملها على ظهره، وبعد إطلاق النار على أبو رومي يلقي الحقيبة ويضع يديه في أذنيه من صوت الرصاص المنطلق من مسدسات زملائه الثلاثة في الدورية.

 

خلال عملنا على هذا التحقيق اقتحمت قوة من الشرطة الصهيونية مصلى باب الرحمة وبدأت تفريغه من أثاثه وذلك يوم السبت 17-8-2019، وأظهرَ فيديو يوثق هذا الاقتحام مشاركة ياكير ترجمان الذي نشر نشطاء صورة له ضمن القوة التي اقتحمت مصلى باب الرحمة ووضعوا على وجهه دائرة مع توضيح يشير إلى أنه ذاته مطلق النار على الفتيين أبو رومي والشيخ.

قتلة موصوفون يطبقون سياسة دولة:

جريمة موثقة بالتصوير الحي، هوية مرتكبيها معروفة، ودور كل منهم واضح ومحدد، جريمة قتل متعمّد بإطلاق نار على مدى 10 ثوانٍ متواصلة من رجال أمن مدربين ويدركون تماماً انتفاء الخطر الذي يحوجهم إلى ذلك، تنتهي بفتًى شهيد هو نسيم أبو رومي عمره 14 عاماً وفتًى مصاب إصابة حرجة هو حمودة الشيخ وهو في العمر ذاته وبمصاب ثالث في الفخذ هو حارس المسجد الأقصى عمران الرجبي.

ما جرى كان جريمة قتل خارج إطار القانون، تُمارس ضمنَ سياسة دولة تفوّض أجهزة الأمن فيها وتوجه أفرادها للقتل الميداني خارج نطاق القانون أينما "شعروا" مجرد شعور أنهم مهددون، تهدف في حقيقتها إلى إرهاب الفلسطينيين المدنيين ومنعهم من المطالبة بحقوقهم وحرياتهم الأساسية، وهي جريمة لم تكن الأولى، فقبلها بأسابيع قتل شرطي صهيوني الشهيد محمد سمير عبيد من مسافة صفر، علماً بأن الشهيد عبيد لم يكن يحمل أي سلاح، إنما كان دافع القتل هو إرهاب شباب العيسوية لعل ذلك يسهل للشرطة فرض ما تريد على تلك البلدة، كما أنها ليست الحالة الأولى لإطلاق الرصاص الحي على قاصرٍ لا يشكل خطراً، فقد سبقتها حالة الفتى أحمد المناصرة، بل هي في سياق سياسة متعمدة تقصد أن تظهر أنها لا تراعي أي خصوصية للقُصّر، كما تجلى ذلك في تعذيب الفتى الأسير طارق أبو خضير الذي عُرض على المحكمة وآثار التعذيب بادية على وجهه.

وهذه الجريمة تمسي مركبة إذا ما أخذنا بالاعتبار الدافع لها، فشرطة الاحتلال هي التي استفزت الفلسطينيين باقتحامها الأقصى في يوم عيد الأضحى وإطلاق مئات قنابل الغاز والدخان واستخدام الرصاص المطاطي لإخراج المصلين من مسجدهم بالقوة في أحد أقدس الأعياد الإسلامية، فهي التي أشعلت الغضب الذي قاد الفتيين أبو رومي والشيخ لهذا الفعل العفوي، وهي التي قتلتهما عندما قاما به، فهي المعتدي أولاً والمعتدي ثانياً. ولا تنفرد السلطات الإسرائيلية بالمسؤولية عن هذه الجريمة وحدها، بل تشترك معها الإدارة الأمريكية التي منحتها الغطاء السياسي مع سابق علمٍ وإدراك بأن القتل هو أحد أهم وأبرز الأدوات التي ستوظفها السلطة الاستعمارية الصهيونية لتطبيق قرار ترامب الاعتراف بالقدس عاصمةً لها.

 

مطلوبون للعدالة:

الآن بات بين يدي كل مهتم بتطبيق العدالة وإحقاق الحق من هيئات ومؤسسات وأفراد بيانات واضحة لأفرادٍ محددين بمسؤوليات وأدوارٍ موثقة في جريمة قتلٍ خارج إطار القانون، إضافة للمسؤولية السياسية للدول، وهذه نقطة انطلاق لا بد من البناء عليها حتى يُجلب قتلة الأطفال إلى حكم العدالة.

1: صورة من فيديو عملية قتل الطفلين: ياكير ترجمان مطلق النار الأساس وقائد الدورية

 

2: صورة أخرى لياكير ترجمان

 

3: صورة أخرى لياكير ترجمان

 

4: وسام فلاح طريف مطلق النار الثاني

 

5: صورة أخرى لوسام فلاح طريف

 

6: بطرس داي مطلق النار الثالث

 

7: صورة أخرى لبطرس داي

 

8: عروة عساقلة عضو في دورية قتلة الأطفال

 

9: عن اليمين ياكير ترجمان وعروة عساقلة في أثناء اقتحام مصلى باب الرحمة وإخراج أثاثه.

 

10: عن اليمين عروة عساقلة و وسام فلاح طريف

المصدر: القدس المحتلة - وكالة قدس نت للأنباء -