ازدادت الأمور تعقيدا في وجه نتنياهو بعدما تقارب خصماه غانتس وليبرمان، ووقع حزباهما اتفاق فائض الأصوات في الانتخابات القريبة القادمة، في خطوة رأى فيها المراقبون تمهيدا لتعاون أوسع بين الطرفين بعد الانتخابات.
هذا الاتفاق يمكن أن يأتي بمقعد إضافي لحزب «أزرق أبيض»، وهذا يعني أن ليبرمان خطا خطوة واسعة من موقع دعم حكومة «وحدة» تجمع الحزبين الكبيرين، إلى موقع تعزيز قوة حزب غانتس ـ لبيد على حساب الليكود، الذي مازال يصر على لسان نتنياهو على تشكيل حكومة «يمين خالص» بقيادته.
ومع ذلك لا تغير يذكر حتى الآن في خريطة توزع القوى بين المتنافسين الكبيرين، حسب استطلاعات الرأي، مع أفضلية واضحة لمعسكر نتنياهو الأكثر قدرة على حصد أغلبية مقاعد الكنيست، دون أن يضمن حكما النجاح في تشكيل الحكومة القادمة.
الثابت في المعادلة هو أن ليبرمان يتحرك بحرية ضمن إدراكه أن حزبه بات «بيضة قبان» في حسابات الطرفين الكبيرين. وبأنه يستطيع حتى موعد الانتخابات أن يعزف على دعوات رئيس الدولة العبرية من أجل حكومة «وحدة» تارة ، وينعش طموحات «أبيض ـ أزرق» في عقد تحالفات تطيح بفرص الليكود في تشكيل الحكومة تارة أخرى. وفي هذه الفترة يحاول ليبرمان لعب دور المايسترو .. لكن ما يخذله هو أنه بلا جوقة.
ويمكن قراءة التقارب بين غانتس وليبرمان من زاوية الضغط الذي يمكن أن يشكله على حزب الليكود بما يؤدي إلى نمو الإحساس لدى قيادته بأن نتنياهو بات يشكل عبئا طال احتماله، في ظل اتساع جبهة خصومه، وفي ظل الإدراك المتزايد بأن رئيس الليكود يخوض معركة «حياة أو موت» دفاعا عن مصلحته الفردية، دافعا الحزب إلى خوض معارك غير ضرورية. لذلك، يراهن خصوم الحزب على حدوث تصدعات في صفوفه على خلفية الموقف من نتنياهو ما بين المضي خلفه حتى النهاية مهما كانت العواقب، وبين التخلي عنه مع تزايد الضغوط التي يولدها اتساع عدد مناوئيه في المشهد السياسي والحزبي الإسرائيلي، وعلى وقع تداعيات ملفه القضائي الزاخر بشبهات الفساد.
وكالعادة، في مثل هذه المحطات التي يشعر فيها نتنياهو بالاستهداف، يلجأ إلى شعار «رص الصفوف» بادئا بحزبه ومن ثم بأطراف معسكره. وترجم ذلك بتصريح أكد فيه أنه ليس بوارد الخوض بموضوع «حكومة وحدة»، وهذا يتضمن رسالتين:
• الأولى إلى كل من غانتس وليبرمان تذكرهما أن معسكر اليمين الذي يتزعمه مايزال الأكثر جماهيرية في إسرائيل، وأن بمقدور مكونات هذا المعسكر أن تحافظ على الأغلبية التي حصدتها في انتخابات الكنيست السابقة. ويعني ذلك أنه ليس بمقدور خصومه فرض موضوعة حكومة وحدة. وبالتالي فإن حدود التقارب بين ليبرمان وغانتس لن تتجاوز تلطيف الأجواء بين الطرفين ولن تنعكس لصالح «أبيض ـ أزرق»، وفرصه في الانتخابات القادمة، في ظل الانتقادات الحادة لهذا التقارب من قبل حلفاء لغانتس.
• الثانية، رسالة طمأنة لمن حوله في الليكود ومكونات معسكره مفادها أن كعكة الحكومة لن يتم تقاسمها خارج إطار هذا المعسكر، وأن بإمكان اليمين أن يفوز بالحكومة في هذه الجولة إذا أحسن رص صفوفه وحرص على عدم تسرب أي مقعد إلى الخصوم.
ويهم نتنياهو في هذا السياق ألا تتجدد جولات التجاذب بين أطراف معسكره حول كثير من الملفات الداخلية وخاصة على أبواب الانتخابات، ولذلك يشد أنظار الجميع نحو «المخاطر» التي تتهدد إسرائيل من جميع الجهات، ويدخل التصعيد مؤخرا ضد سكان غزة والحديث عن حرب محتملة ضمن هذه الوظيفة. وفي السياق نفسه أيضا يأتي ما يقع في الضفة بما فيها القدس من اقتحامات وإعدامات على وقع الاعتداءات التي يرتكبها المستوطنون بحماية جيش الاحتلال.
ويبدو لكثير من حلفاء نتنياهو أنه لم يفقد بعد القدرة على تجاوز عقدة تشكيل الحكومة. ويستند هؤلاء في استخلاصهم أولا إلى عجز خصومه عن فعل ذلك. وكما يراهن الخصوم على انشقاق ما في معسكر نتنياهو، فإن حلفاءه يراهنون على وقوع هذا الانشقاق في الطرف المقابل وخاصة مع بروز بوادر خلافات بين صفوف «أزرق ـ أبيض»، إلى جانب التذمر وعدم الرضى عن التقارب مع ليبرمان . لكن الرهان أيضا يمتد باتجاه «المعسكر الديمقراطي» الذي يرى بعض مؤيدي أطرافه أن إيهود باراك حمل ثقيل ربطا بإرثه الدموي ومسؤوليته عن قتل 13 فلسطينيا أثناء «هبة أكتوبر» في الأول من تشرين الأول العام 2000، وأن اعتذاره العلني عن ذلك كان بدوافع انتخابية ليس إلا، في ظل التساؤل عن السبب الذي منعه عن القيام بذلك من قبل.
ويتحدث حلفاء نتنياهو عن التأييد غير المحدود الذي يتمتع به من قبل إدارة ترامب، مشيرين بوضوح إلى أن نتنياهو بات يشكل واحدا من الفريق في ما يخص تطبيقات الصفقة الأميركية، وبأن خطته «السلام الاقتصادي» تشكل الشق الفلسطيني من هذه الصفقة. وعلى هذا ـ يقول مؤيدوه ـ من الطبيعي أن ينعكس كل ذلك مزيدا من الزخم لصالح نتنياهو على مستوى الناخب الإسرائيلي في مجتمع يواصل الانزياح المتسارع نحو اليمين والتطرف.
خارج سؤال من يشكل الحكومة القادمة ، رأى محللون إسرائيليون أن كلا من الليكود و«أبيض ـ أزرق» يميني بامتياز. وذهب بعضهم للقول إن حزب غانتس ليس إلا «ليكود ب» ربطا بالمواقف المعلنة للطرفين. وشبَّه آخرون انتخابات الكنيست القادمة بلعبة كراسي عبثية ضمن مشهد حزبي وسياسي ملتبس. ومنذ سنوات طويلة لاحظ مراقبون اختفاء التنافس في الانتخابات الإسرائيلية وفق برامج سياسية واجتماعية، وباتت النتائج محكومة بسطوة كل حزب أو قائمة على جمهورها القريب.
فنتنياهو يستقتل لتسجيل انجاز غير مسبوق باسمه على رأس حكومات إسرائيل، وغانتس يطمح إلى الفوز برئاسة الحكومة وفق برنامج عنوانه ومضمونه يقتصر على «الإطاحة بنتنياهو»، فيما تدور باقي المكونات حول الموقف من هذا الصراع على قمة هرم المشهد السياسي والحزبي في إسرائيل.
بالنسبة لكثيرين، نجح ليبرمان في زراعة القلق في أعصاب نتنياهو بعد أن فوت عليه المرة السابقة فرصة تشكيل الحكومة، وهو يسعى الآن لحرق أعصابه عبر صناعة المؤشرات التي تنبئ عن عزمه فعل ذلك من جديد .. ولكن ربما بأسلوب مختلف هذه المرة.
بقلم/ محمد السهلي