لا يمكنني أن أتخيل نصّا أدبيا بلا صور من خلال لغة أدبية قوية ومتماسكة، فالنص بلا صور تجعل النص باهتا ومملا، ولهذا فالقاص المبدع يجعل النص الأدبي فيه حركة وإثارة ويجعلك تجري في القراءة لتعرف ما القصة من خلال أحداث متسلسلة تعكس قوة النص، ولا يمكن أن يكون النص القصصي أو الشعري مجردا بلا تخيلات صورية، لأنها تجعل النص ميتا، ولذلك نرى بأن مصطلح الصورة بات اليوم من أكثر المفاهيم الأدبية والنقدية دورانا واستعمالا في النقد الأدبي، فالصورة داخل السياق الأدبي إنما تظل محكومة بالبعد اللغوي أولا، وبحسب ما قرأت ما يقوله سي دي لوي إن الصورة هي رسم قوامه الكلمات، وإن الوصف والمجاز والتشبيه يمكن أن يخلق صورة، أي أن الصورة يمكن أن تقدم لنا جملة يغلب عليها الوصف المحض، ومن هنا فإننا نرى بأن الصورة في الأدب هي المصوغ اللساني المخصوص، الذي بواسطته يجري تمثيل المعاني تمثيلا مبتكرا، ولقد ارتبطت مفاهيم الصورة بمفهوم الخيال منذ القدم، من حيث إنه ملكة إبداعية بواسطتها يستطيع الكاتب المبدع من خلالها تأليف الصور اعتمادا على ما يختزنه داخل ذهنه من إحساسات وتخيلات متعددة الروافد .
ومن خلال قراءتي لنصوص كثيرة استنتجتُ بأن الصورة لا تشير في علاقتها بالخيال إلى مجرد عملية رصد للواقع فقط، فحتى الصور المغرقة في الحسية داخل الإطار الفني ليست مجرد لوحة يعيد فيها الكاتب رسم ملامح بقلمه، فثمة الكثير من المعاني التي يضيفها المبدع على النّص، أما تحليل القصص والأساطير فيسير في اتجاه أفقي عرضي..
ومن هنا فإننا نعتبر الصور هي الأقدر على التميز والتأثير من الكلمات المجردة، التي تحتل مكانها وتمنح شكلاً معيناً كافياً لحالات الفكرة، وتتعزز أحياناً الفعاليات الخيالية، وذلك من خلال التيار الحلمي في الاستفادة من حريتها الكاملة على الحركة والاستنباط لمختلف القوالب والمعايير، وقلب لمختلف الحقائق الثابتة والرصينة الموجودة في عالم الواقع الخارجي..
كما هو معلوم بأن العمل القصصي إحدى منجزات اللاوعي والوعي المتشكل من مجموع التجارب الإنسانية، وتعطي الأشياء أقصى حدودها وطاقاتها، فهي في الحقيقة لحظات حلم لصانعي أحــلام مندفعين، ومن هنا لأسباب سيكولوجية غامضة يتم استخدام صورة بعينها. وبحسب جاكوبسن فالقاصّ هو قناص بارع أي هو بشكل منطقي هو النص.
وخلال قراءتي للصورة وأهميتها في النّصّ فإن القابلية التخيلية تتطلب عدة إمكانات، أهمها آلية اتحاد الظاهرة الصورية مع التقنية الفنية في بناء القصّة كمجموع متحد، والذي يحقق لدى المتلقي القدرة على المفاضلة بين التشكيلات والاختيار، حيث الفرز المستمر ضروري لترجيح صورة على صورة، وربط العوالم المتخيلة مع طبيعة المعطى النفسي، والذي يمر عبر موجات الثيمة المتحررة، من نقاط السيطرة والتفتيش في الوعي واللاوعي، مما يستدعي على تحرر تلك الصور والرموز مـــــن مواطـــن خـمودهــــا لصورة تضيء الطريق للكاتب المبدع، والموضوع ينمو مسيطراً تدريجياً.
فالقاصّ يعرف قبل كل شيء ما تتيحه القذيفة الصورية من مجالات خصبة في التأويل الدلالي، تلك القذيفة المعوضة عن كم غير قليل من السرد والتشكيل اللغوي المطول.
فالصور المتخيلة منتجة لعدد من الرموز بشكل يكون فيه أحدهما مكمل للآخر، فالصورة هي إعادة إنتاج لمشاهدة سابقة أو تجربة نفسية مؤثرة لموقف حدث أو حادثة مطبوعة سمعية أو بصرية أو غير ذلك، فالقصة مليئة باللقطات الصورية في وصف لحركات وسكنات موضع التمركز في القصة ولهذا فعناصر التشويق للقصة تأتي من الصور التي تبين قوة النص من ناحية الكتابة الأدبية..
من هنا أتفق مع جاك جاريدا فيما قال بأن تحليل النص الحديث بحاجة ماسة إلى رؤية فلسفية لأعتماد تركيب النصوص على المرجعيات االرمزية والصور المتخيلة، وأن الخيالَ منتج رئيسي للصور والرموز المطبوعة سابقاً في عقل القاصّ. ومن هنا فإن النص القصصي الحديث هو في الحقيقة بنية من المحمولات المتصفة بغنى مدلولاتها الحاضرة المخفية..
عطا الله شاهين