ذات مساءٍ صيفي صعد طفل مع أبيه على متنِ قاربٍ وكان مليئا بالمهاجرين الهاربين من حربٍ في بلدهم، وتعرّف الطفل هناك على أطفال أرادوا مثله الهروب من أجواء الحرب، وراحوا يقصّون لبعضهم قصصا عن أيام المدرسة، وتوقهم لمقاعد الدراسة، لكن بسبب استمرار القصف على بلداتهم تعرّضت مدارسهم لأضرار جسيمة، وتغيبوا عن مدارسهم لفترة طويلة، وبينما كان القارب يبحر بهدوءٍ هبّت عاصفة رياح قوية، وهاج البحر، وارتفعت الأمواج، وبدأ الفارب يترنح وسط تلك الأمواج القوية التي كانت تضربه بقوة، فتمسكَ الطفل بأبيه، لكن بعد مرور وقت قصير انقلب المركب، وبدأ يغرق ببطء، وراح المهاجرون يصرخون، لكن لم يكن أي قارب قريب منهم لمساعدتهم، فتمكن الأب بإمساك طفله، وعامَ الأب بصعوبة حتى وصلا إلى الشاطئ، واستلقيا على الرمال، ونظر الطفل إلى أبيه، وكان الحزن باد في عينيه، وقال لأبيه: أنا حزين جدا لغرق أصحابي، فاللتو تعرّفت عليهم، فهم أطفال مثلي حزينون لاستمرار الحرب ويشتاقون لمدارسهم، ولكن ها هم غرقوا أمام عيني، فلماذا هذه الحرب التي يموت الناس بسببها، فقال له والده الذي كان منهكا: لا تحزن يا بني، سنعود ذات يوم إلى بلدنا بالطائرة، عندما ستنتهي الحرب، وبعد أن استراحا نظرا إلى البحر ورآياه هادئا فقالا يا للعاصفة المجنونة، التي هبت قبل قليل، فلو تأخرت لكنت الآن ألعب مع أصحابي، فكنا قريبون من الساحل، لكن البحر هاج بأمواجه، ولم يستطع المركب الصمود، فقال له والده: لا نحبّ أن يغرق أي أحدٍ، لكن ليس بأيدينا أن نفعل شيئا..
عطا الله شاهين