بمقدار المعرفة والاطلاع للأجيال المتعاقبة على محطاتهم التاريخية بكل منعطفاتها وأحداثها .... وبقدر معرفتهم على فهم مجريات التاريخ وأحداثه وما يدور حولهم ويتداخل تفاصيل حياتهم... يمكن للأجيال أن تعرف أين تقف ... والي أين تتجه ؟؟!! .
قراءة التاريخ وتحليل مجرياته وأحداثه والخلوص الي استنتاجاته بكافة المراحل والمنعطفات والتعرف على شخوصه وقياداته البارزة ..... ومعالمه وأساسياته وبكافة المراحل يعتبر أمرا ملزما وحيويا للتعرف على ما سبق حالنا وما نعيش من ظروف معقدة ....وحتى لا نشعر للحظة واحدة أننا قادمين من محطات فراغ تاريخي !! ... وأن حالنا ترجمة لماضي بائس ويائس !! .
وحتى نتأكد أن حالنا وما يحيطنا ويتداخلنا تعبيرا عن تراكمات تاريخية ومحطات عاصفة ....أهملنا فيها الكثير وقصرنا وعجزنا بأكثر مما عملنا وأنجزنا .... كلما تعمقنا بالتاريخ وبكافة محطاته وأحداثه .... وتعرفنا على الكثير من تفاصيله وعناوينه ... تأكد لنا ...بل تأكد عما يدور حولنا وما أصابنا ....وأين أصبنا .... وأين أخطأنا !!.
التاريخ ليس سردا كلاميا أو نقلا عما يدور من أحداث لا معني لها بل الحقيقة أن التاريخ ترجمة انسانية ثقافية تتحدث عن تفاعلات مجتمعية فيها من الانجازات .... كما فيها من الاخفاقات ...فيها ما يثير الغضب ...وفيها ما يعزز الأمال .
التاريخ بكل ما فيه وعليه ...وما حدث بداخله من أحداث ومواقف ...لا زال يمثل مرحلة من حياة البشرية أفضل بكثير من واقعها وظروفها القهرية ...والتي تشكل حالة ضعف وتراجع وهموم زائدة لمن عاشوا ببعض مراحل التاريخ منذ عقود وممن عاشوا بدايات عصر الواقع والمليء بالحسرات والالام .
المشكلة المستعصية بعدم قراءة التاريخ ....وعدم تناقله بأمانة ومهنية عالية وعدم توضيح دروسه المستفادة واستخلاصاته العملية حتى تكون الأجيال على معرفة ودراية بما سبقها من حقب زمنية فيها الكثير مما يمكن الاستفادة منه والبناء عليه ... واستخلاصه لمراحل قادمة يمكن أن تعزز من الأمال والطموح وتحقق الكثير من الانجازات التي تخدم تلك المجتمعات .
بالزمن الماضي كنا نستمع وبإصغاء شديد ...وبلهفة لافتة للأجيال التي تكبرنا بالعمر ... والتي تتقدم علينا بخبراتها حتى نستمع اليها ونبني الكثير من رؤيتنا على ما نسمع .... وعلى ما يتقدم لنا من نصح باعتبار هذا التناقل الانساني ما بين الاجيال من أصول الحياة والتربية وأساسيات العلاقات داخل المجتمعات وتناقل لمجموعة القيم الانسانية والاخلاقية والمعرفية التي لم يكن الحديث فيها مجرد اضاعة للوقت بقدر ما كانت تمثل حلقات نقاش ومعرفة واستفادة انسانية واجتماعية ووطنية كنا نحرص عليها .... ولا نتنازل عن الحضور فيها باعتبارها تجمعات انسانية اجتماعية يتم من خلالها تداول الكثير من القيم والقضايا ما بين الناس بكل محبة واقتناع ... وبكل قدرة وقبول ... دون جدل بيزنطي أو أحقاد شخصية ...أو محاولة للنقاش الزائد لمجرد النقاش.... ودون أدني موانع أو عوائق اجتماعية ونفسية تتحكم بهذا أو ذاك .
كل شيء كان متاحا ... ومباحا ..وميسرا .... ما بين الأجيال للتعرف على ما يدور بخلدهم دون عوائق مصطنعة ...وبعيدا عن الموانع والعقد المتوارثة ما بين المتحدثين والمستمعين .
ماذا حدث لدينا .؟؟!! ..... وماذا حصل بمجتمعنا ؟؟!! ... وماذا أصاب الانسان فينا ؟؟!!
كل شيء أصبح لا يصدق !! .... كل شيء أصبح غير مقبول ... كل شيء أصبح مشكوك به !! ... لا كلام يسمع !! ... ولا نصيحة يؤخذ بها !! ... ولا قيمة يمكن الاستفادة منها !! .
شيء غريب !! .... مستهجن !! ... وعجيب !!
لا توجد حلقات الماضي لجلوس الاجيال والاستماع الي بعضها البعض ..... بل أصبحت الجلسات لكي نطحن بعضنا البعض !! ولا توجد حلقات نقاش بمودة ومحبة يمكن الاستفادة بها ما بين الأجيال .... أو يمكن الخلوص منها بخلاصة هامة !! ... لا حلقة من الحلقات .... الا وتكون للتشريح ببعضنا ...وليس للشرح والاسهام ببناء الاجيال وتعزيز الآمال لديها !! .
التاريخ لم يكتب بالكتب .... حتى يوضع بالمكتبات ... وحتى يهمل داخل المنازل ...بل الكتب والتاريخ والقصص الادب والثقافة كتبت بعرق ودم ...وتجمعت بفعل جهود جبارة حتى تكون في متناول الاجيال وحتى تقرأ بإمعان ... وحتي تستفيد منها كافة الشرائح والفئات .... وحتى نحافظ على تاريخ مضي نعتز بالكثير من محطاته ونفخر بها ...وحتى يمكننا أن نبني ونساهم في بناء مجتمع فيه الكثير مما يسي لنا ويزيد من همومنا ...والذي يجعلنا بمهمة أصعب للقراءة والاطلاع والاسهام في بناء الاجيال ...حتى ننقذ ما يمكن انقاذه .
الكاتب : وفيق زنداح