تعرّض سياسة ادارة الرئيس الاميركي الجمهوري أمن اسرائيل للخطر الكبير إذ أنها لا تستطيع توفير الحماية لها إلى أبد الآبدين، وخاصة اذا كانت الحماية والرعاية والمباركة لاعتداءات اسرائيل العسكرية والوقحة على سيادة العديد من الدول مثل سورية والعراق ولبنان بحجة منع ايران من الحصول على سلاح نووي، وكذلك منع توسع النفوذ الأمني والسياسي والديني في منطقة الشرق الأوسط. وآخر هذه العربدات العدوانية قيام اسرائيل بقصف مخازن أسلحة لقوات الحشد الشعبي في العراق والواقعة قرب العاصمة بغداد، مما أدى هذا العدوان الى تدمير كبير لهذه المخازن، وفي الوقت نفسه الى اقحام أو ضم العراق بصورة مباشرة الى محور المقاومة، لان الجماهير العراقية رفضت مثل هذه الاعتداءات على سيادة الاراضي العراقية، وبالتالي أساءت للعلاقات الاميركية العراقية، وستحرض الجيش الاميركي في المنطقة، سواء كان متواجدا على الاراضي اليابسة في الجزء الشمالي لسورية، وشمال ومناطق أخرى من العراق أو في مياه الخليج.
وللتوضيح بأن سياسة اميركا غبية حاليا فلا بدّ من ذكر أمرين مهمين: أولهما الاهداف من خلف هذه السياسة الرعناء، وثانيهما تداعيات هذه السياسة على اسرائيل قبل اميركا ذاتها.
من الاهداف الاميركية القذرة جرّ اسرائيل الى مواجهة محدودة مع ايران من خلال اعطائها الضوء الاخضر لانتهاك سيادة العديد من الدول: سورية والعراق (ولبنان عبر اختراق اجوائه واستخدامها لتوجيه ضربات عسكرية الى داخل الاراضي السورية)، ويظن الرئيس الاميركي ان مثل هذه "المناوشات الامنية الخطيرة" ستزيد من الضغط على ايران لقبول الطلبات الاميركية، واهمها وقف التسلح الصاروخي الايراني للدفاع عن سيادة ايران، وكذلك ان تكون ايران "خاضعة" أو مواربة للسياسة الاميركية، وهذا مستحيل تحقيقه لان الدولة في ايران، قيادة وشعبا وجيشا، لن تقبل بذلك.
وأرادت الادارة الاميركية تسجيل نقاط لصالح نتنياهو للفوز في الانتخابات الاسرائيلية القادمة بعد اسابيع عدة (17 أيلول) ظناً منها ان مثل هذه العربدات العدوانية الخطرة ستزيد من شعبيته، وتساهم الى حد كبير في فوزه، لان الرئيس ترامب معني اكثر من أي زعيم دولي وحتى اسرائيلي، بعودة نتنياهو الى الحكم، وبقائه رئيسا لوزراء اسرائيل، أي حاكما لها!
وترغب الادارة الاميركية ايضا في استمرار ابتزاز بعض دول الخليج ماليا من خلال القول اننا نحميكم، فعليكم دفع ثمن هذه الحماية ضد "الاخطار" الايرانية، وكذلك في تشجيع قادة دول خليجية على المضي قدما في عملية التطبيع مع اسرائيل القوية القادرة على مواجهة ايران وتنفيذ مهام عسكرية ضدها توفر الامن لهذه الدول!
وبعد هزيمة اميركا في المنطقة عسكريا، وضعف نفوذها، فانها تريد دعم وكلائها، واهم هؤلاء الوكلاء: اسرائيل في تنفيذ مهمات فشلت فيها اميركا في السابق!
وآخر الأهداف التي لن تتحقق: ممارسة الضغط على الحكومة العراقية للابتعاد عن الدولة الجارة في ايران، وان تكون ملبية للرغبات الاميركية ومنها تعزيز الوجود العسكري وغير العسكري في العراق، وذلك من خلال السماح لاسرائيل وتسهيل مهماتها بالقيام بمثل هذه الاعتداءات على مواقع قرب العاصمة بغداد!
والامر الثاني الذي لا بد من طرحه فهو أهم التداعيات المتوقعة لمثل هذه السياسة الاميركية الاسرائيلية المشتركة على المنطقة بأسرها، وعلى اسرائيل أولا، ودول المنطقة ثانيا. ويمكن القول والتوقع:
1. أن العراق قد يغيّر سياسته العامة تجاه اميركا، ويلغي كل الاتفاقات الموقعة معها، وخاصة الاتفاقات الامنية بالسماح لبقاء جنود ومستشارين على الاراضي العراقية، وكذلك الغاء "الترخيص" لسلاح الجو الاميركي بحرية الحركة في الاجواء العراقية.
2. سيضطر العراق الشراء منظومات دفاعية جوية فاعلة، وخاصة من روسيا او الصين للحفاظ على سيادة اجوائه، وتوقيع صفقات شراء أسلحة من دول غير اميركا.
3. سينضم العراق عمليا وفعليا لمحور المقاومة، وبالتالي فانه سيساعد هذا المحور في مواجهته لاسرائيل ولاميركا أيضاً!
4. ماذا لو قرر الحشد الشعبي الرد على هذه العربدات العدوانية الاسرائيلية من خلال نشاطات أمنية ضد اسرائيل.
5. ماذا لو قررت ايران مع محور المقاومة في الدخول في معركة عسكرية مع اسرائيل. وستكون هذه الحرب مدمرة للمنطقة، وبالتالي لن تؤدي الى حماية اسرائيل امنيا وحتى وجوديا، ولن تنفعها قدراتها العسكرية الكبيرة في الدفاع عن اسرائيل في اكثر من جبهة عسكرية. وكذلك ماذا سيكون مصير التحالف "الخليجي بقيادة السعودية، في هذه المعركة أو الحرب التي قد تكون شاسعة!
6. ماذا سيكون موقف الرئيس ترامب اذا اطيح بصديقه نتنياهو، واتى برئيس وزراء آخر يفكر بمصالح اسرائيل اكثر من تفكيره بمصالح اميركا، وبالمصالح الشخصية لرئيس الوزراء الاسرائيلي الجديد مع الرئيس ترامب نفسه.
خلاصة القول ان هذه السياسة الفاشلة للادارة الاميركية تقود الى فوضى ودمار، وتعرّض الامن والسلم العالمي، ليس في المنطقة وحدها، للخطر، واولى الدول التي ستتضرر منها هي اسرائيل لان اميركا نفسها لا تستطيع خوض حرب ضروس لانها لن تكون معارك هذه الحرب تقليدية بل حرب "مجموعات وعصابات"، وخاصة اذا وصلت المجموعات المجاهدة الى داخل القواعد العسكرية الاميركية في الخليج او اخترقت الحدود واصبحت في فلسطين!
الوضع العام في المنطقة هو على فوهة بركان، فهل يستطيع عقلاء سواء في اميركا أو في اسرائيل وقف ووضع حد للعب بالنار التي ستأكل الاخضر واليابس في المنطقة؟
بقلم/ جاك خزمو
القدس: 27/8/2019