لا يبدو من الصواب أن نرى هؤلاء الهواة بهذه الصورة من التهور والضلالة: دونالد ترامب وجاريد كوشنر وجيسون جرينبلات بالإضافة إلى ديفيد فريدمان، وهو المهندس الحقيقي للصفقة ذات الفشل الذريع التي تطلق عليها وسائل الإعلام "صفقة القرن". إنهم لاعبون أقوياء يتّبعون استراتيجية كريهة وبأيديهم موارد حكومية ضخمة. والأهم أن القوة العظمى في العالم رهن إشارة واحدة من أصابعهم.
بعد تأملات في مواقف ترامب من فلسطين أثناء خدمته في الرئاسة – ولا سيّما فيما يتعلق بمشهد ورشة السلام من أجل الازدهار في البحرين – أجد نفسي مضطرا لمخاطبة الوكالة السياسية الفلسطينيّة، والتي يمثلها اليوم رئيس منظمة التحرير الفلسطينيّة السيد محمود عباس. فكانت هذه الرسالة المفتوحة.
فخامة الرئيس محمود عباس،
أكتب إليكم بصفتي الشخصية – مواطن فلسطينيّ وناشط منذ نعومة أظفاري في الدفاع عن فلسطين ومولود في الشتات. صحيح أنني من مواليد أمريكا، إلا أنني انتقلت إلى فلسطين بعد إعلان معاهدة أوسلو، وشاركت في التنمية الاقتصادية في فلسطين في السنوات الخمس والعشرين الأخيرة بصفتي فلسطينيّا مقيما في منزل أجدادي في البيرة. وهنا ربّيت أنا وزوجتي ابنتين هما نتاج النظام التعليمي الفلسطينيّ، تخرجت إحداهما مؤخرا من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا والأخرى في السنة الثانية في جامعة هارفرد. وكنت من الذين عيّنتموهم في الجمعية العامة لصندوق الاستثمار الفلسطينيّ، وقد قدمت استقالتي في العام الماضي بعد 10 سنوات من الخدمة التطوعية. وكان لي مؤخرا دور في تأسيس الأكاديمية الفلسطينية لتعزيز النزاهة (نزاهة) مع نخبة من المهنيين. والسبب أنه رغم إغلاق بعض المنظمات غير الحكومية، فسوف نبقى ملتزمين ببناء جيل المستقبل، وهو الجيل الخالي من الفساد الذي سيطر على ماضينا. ويسرّني إخباركم بالمزيد عن أنشطتي في وقت لاحق. فهذه الرسالة لا تخصني، بل تخصنا نحن، أي جميعنا.
أثناء جهودي الطوعية طوال الأسابيع الماضية لأتناول عبر المنصات المختلفة ورشة السلام من أجل الازدهار التي أقيمت في البحرين في شهر حزيران يونيو، برزت العديد من المواضيع المهمة. فقد كانت الورشة أشبه بالسيرك وكانت حافلة بالمهرجين. ولم يكن غائبا سوى فيل السيرك، وهو الاحتلال العسكري الإسرائيلي، فقد أصرت الولايات المتحدة على إبقائه في فلسطين وهو يضع قدمه على أعناق الفلسطينيّين.
وكان من بين مقالاتي وتقاريري الأخيرة رسالة مفتوحة إلى جاريد كوشنر ردا على خطته الاقتصادية. وبدت النبرة الساخرة في رسالتي أنسب مكافئ لطريقة كوشنر الهزلية تجاه التنمية الاقتصادية في ظل الاحتلال العسكري. وعلى إثر البهرجة التي رافقت الورشة الاقتصادية قررت أن أبعث إليكم بهذه الرسالة المفتوحة. ولكني لا أوجّهها بصيغة السخرية، بل هي في غاية الجديّة، ولمصلحتنا جميعا.
لا يخفى على أي صاحب ذرة من ذكاء أن هذه الورشة تمخضت عن إخفاق مخجل على مستوى عالمي، بينما نعود إلى حياتنا الروتينية اليومية. ولكننا إذا طرحنا المظاهر جانبا، فلن نستطيع القول بأننا عدنا فعلا إلى أعمالنا المعتادة. فإدارة ترامب لن تسمح لهذا الفشل الذريع مؤخرا أن يحرفها عن المسار الذي تسلكه منذ حوالي عامين، والذي يهدف إلى نسف النضال الفلسطينيّ نحو الحرية والاستقلال.
منذ توقيع معاهدات السلام في أوسلو وعودتكم إلى فلسطين قبل 25 عاما، وجميع جهودكم بهذا الاتجاه قبل أوسلو، تحاولون الموازنة بين التحرر من الاحتلال العسكري الإسرائيلي وحشد المشهد الدولي للاعتراف بالدولة. ووجدتم أنكم في مستنقع المفاوضات الثنائية مع شريك لا ينوي التوصل إلى اتفاق ولا يتصور فكرة قيام دولة فلسطينيّة على الأرض. وبدلا من إعادة صياغة استراتيجية لحركة التحرر الوطنيّ بعد انقضاء مهلة صلاحية أوسلو ذات الخمس سنوات، ضاعفتم جهودكم باتجاه الارتقاء بأجهزة الدولة المستقبلية، ما شكّل تحديا للواقع الذي كانت إسرائيل تستغله يوميا لخلق حقائق على الأرض تجعل الاحتلال العسكري واقعا دائما.
وبما أن الولايات المتحدة – وهي الوسيط غير المحايد الذي كنتم تراهنون عليه أثناء مباحثات أوسلو – كشفتْ عن وجهها الحقيقي في ظل إدارة ترامب، فقد حان وقت العمل – بل العمل الفعلي – دون الاكتفاء بموقف مبدئي آخر مصحوب بالخطاب المعهود.
علينا كي نتقدم أن نعيد صياغة أولوياتنا المحلية بتوجه أكبر نحو التحرر وأقل نحو بناء الدولة في المناطق التي لا تزال ترزح تحت الاحتلال العسكري. أما على المستوى الدولي فندعم استراتيجية الاعتراف بالدولة التي أصبتم في اتباعها استراتيجيا على إثر انهيار أوسلو. ولا بد من مضاعفة هذه المساعي ومشاركة جميع المؤسسات الفلسطينيّة فيها بكل قوة. ولكن إذا قبِلنا بالأداء المتواضع على المستوى الدولي فسوف نتراجع، فنحن نتعرض للهجوم على الصعيدين السياسي والاقتصادي.
وأما على المستوى الداخلي، فوضعنا حرج للغاية.
فخامة الرئيس، لا تزالون تحتفظون بأعلى أربعة مواقع في مؤسساتنا النضالية: رئيس منظمة التحرير الفلسطينيّة منذ 11/11/2004 (أي 15 عاما)، ورئيس السلطة الفلسطينيّة منذ 9/1/2005 (أي 14 عاما)، ورئيس دولة فلسطين منذ 8/5/2005 (أي 14 عاما)، وأخيرا زعيم حركة فتح – أكبر فصيل فلسطيني – منذ عام 2009 (أي 10 أعوام).
وأي إنسان يتقلد هذه المواقع كافة لا يدع المجال لغيره بتحمل المسؤولية في التقدم أو عدمه.
لست سياسيا ولا دبلوماسيا، ولكنني أعلم جيدا معنى النضال وأجتهد في أداء واجبي الوطنيّ. وعليه فإنني أرغب في اقتراح الخطوات العملية التالية التي يمكنكم اتخاذها حسب ترتيبها في الأهمية بهدف المبادرة باغتنام الفرص التي تقدمها المحاولة الطائشة بقيادة الولايات المتحدة للتأثير الجوهري على نضالنا وحقوقنا وخطابنا ومستقبلنا.
1.
أولا وقبل كل شيء، أحثكم على تعيين نائب لكم في كل من هذه المواقع وضمان تطبيق السياسات المؤسسية الضرورية. فإذا تعرضتم للعجز – لا قدّر الله – أو وافتكم المنية فإن هؤلاء النواب (وأقصد استخدام الكلمة بصيغة الجمع لأن الأصل أن يشغل هذه المواقع أشخاص مختلفون) سوف يُثبّتون تلقائيا حتى عقد الانتخابات لكل موقع منها.
قد يتكهن المرء بقصدكم في رفض اتخاذ هذه الخطوة حتى الآن، مثل عدم رغبتكم بتعريض هؤلاء النواب للضغوط الداخلية (أو بالنسبة لهم عدم "حرقهم سياسيا"). وقد يكون اجتهادكم نبيلا ضمن حساباتكم الشخصية بناء على الواقع الداخلي المعقد الذي نعيشه، ولكنه لم يعد تبريرا وجيها، وليته كان وجيها أصلا. فهناك الكثير من الأمور على المحك، ولا سيما مع وضع الولايات المتحدة خطتها الآن في صيغة التنفيذ الكامل.
ما سبب رفضكم لفعل ذلك، وخاصة في هذا الوقت، وأنتم تعرفون حق المعرفة بأن موقفكم الشجاع والمبدأي في وجه التعنت الإسرائيلي وإدارة ترامب وورشتهم في البحرين قد يكون له عواقب وخيمة على سلامتكم الشخصية؟
لم ينس أيَ منا مقتل الفقيد ياسر عرفات وكيف مرت الأمور تقريبا دون اكتراث. فليس هناك ما يمنعهم من تكرار الجريمة ذاتها اليوم، إلا أننا غير مستعدين للعواقب نظرا لدمار نظامنا السياسي الحالي.
2.
توجّهوا إلى غزة صباح الغد، وباشروا محادثات مباشرة مع جميع القيادات السياسية، وتفقدوا شعبنا في غزة الذي يشعر بحق أننا تخلينا عنه. وإذا لزم الأمر فعودوا كل أسبوع حتى الوصول إلى صيغة تعيد نظامنا السياسي إلى فاعليته سواء بمصالحة تاريخية بين حماس وفتح أو دونها. ولا تنتظروا اكتمال هذه الخطوة حتى تواصلوا العمل على سلسلة الإجراءات المطلوبة.
3.
في السياق الانتخابي العاجل، مرّروا فورا قرارا من منظمة التحرير الفلسطينيّة وأصدروا مرسوما رئاسيا بسنّ وتطبيق قانون جديد وتقدمي للأحزاب السياسية، وذلك بهدف إتاحة الفرصة للمجموعات السياسية الجديدة بالتجمع ودخول المشهد السياسي الفلسطينيّ بطريقة شرعية. فعندما نتحدث باستمرار عن الأحزاب السياسية التقليدية فإننا نخدع أنفسنا وكأنها جميعها نشطة وفي وضع جيد، أو كأنها موجودة اليوم في حياتنا السياسية الفعلية. وإذا لم يُسمح للفكر السياسي بإعادة تشكيل ذاته في ظل القانون ليصبح جزءا من النسيج السياسي الفلسطينيّ، فالنتيجة الطبيعية أن هؤلاء المهمّشين سيعملون على تمزيق النسيج الوطني.
قد تؤدي الأحزاب السياسية المتجددة والناشئة دورا محوريا – وإن كان غير مثالي – بديلا عن انتخابات حرة ومفتوحة. وسوف آتي إلى هذه الفكرة بالتفصيل.
4.
مرّروا على الفور قرارا من منظمة التحرير الفلسطينيّة وأصدروا مرسوما رئاسيا يوسّع تفويض لجنة الانتخابات المركزية، كي تتمكن من البدء بعملية طويلة وشاقة لتسجيل الفلسطينيّين حول العالم.
من غير المقبول غياب الجهود الرامية إلى إنشاء سجل سكاني رسمي يضم جميع الفلسطينيّين، ولا يقتصر على أولئك الرازحين تحت الاحتلال العسكري. وتأتي أهمية هذا الموضوع الآن للتحضير لانتخابات ينبغي أن تُعقد على جميع المستويات من الآن فصاعدا.
ومع تفعيل هذا المشروع الأطول، لا يجوز تأجيل الخطوة التالية بإقامة الانتخابات بحجة انتظار انتهاء لجنة الانتخابات من مهمتها الجديدة الأوسع.
5.
ينبغي عقد الانتخابات على الفور على جميع المستويات الوطنيّة. وقد لا يتمتع النظام الانتخابي الحالي بالشمول ولكن هذا ما يستوجب العمل بما يُطلق عليه في القانون "الاستثناءات المشروعة". فدعونا نستخدم الأدوات الانتخابية المتوفرة رغم نقصها وعيوبها ولا نترك عام 2019 ينقضي دون تجديد المستويات القيادية كافة.
ينبغي في البداية أن تعلنوا عدم نيتكم الترشح لأي موقع وطني، سواء في منظمة التحرير الفلسطينيّة أو دولة فلسطين أو المجلس الوطني الفلسطينيّ (إن كان لا يزال موجودا). وأما بالنسبة لبقائكم رئيسا لحركة فتح، فهو شأن الحركة وليس من شأننا.
إن الحاجة الماسة لعقد الانتخابات ليست مطلبا جديدا، فقد تقدم به الكثيرون إليكم سابقا، بمن فيهم المحامي هيثم الزعبي، والذي نشر مقالا في القدس العربي بتاريخ 20/7/2013 بعنوان "مشورة دستورية هادئة إلى سيادة الرئيس الفلسطينيّ".
نتفق جميعا على وجود تعقيدات في عقد انتخابات سليمة 100%، مثل الاحتلال العسكري الإسرائيلي والانقسام الجغرافي والتحولات الإقليمية وغيرها، ولكن أيّا منها لا يشكّل سببا مقبولا لتصبح حركة التحرر الوطنيّ الفلسطينيّ في حالة شلل وتستمر على نفس الحالة.
لقد كان النظام الإداري لمنظمة التحرير الفلسطينيّة سريا لحوالي 3 عقود قبل أوسلو. صحيح أنه لم يكن مثاليا ولكنه كان فاعلا. فعلينا إذن أن نستثمر خبراتنا وأساليبنا السابقة لتطوير واقعنا المحلي الراكد. ومن قال بأن علينا أن تكون انتخاباتنا نسخة عن الانتخابات الأمريكية الحرّة؟ لسنا نحن الولايات المتحدة، نحن شعب منكوب ويتعرض لهجوم شرس من جبهات متعددة. فلا يجوز انتظار بيئة مثالية للانتخابات. علينا أن نستفيد مما يناسبنا اليوم.
تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينيّة هناك أحزاب جديدة سوف تتشكل وأحزاب قديمة سوف تتجدد. وقد يكون لها وزن وشرعية، لا سيّما في كل من القدس وغزة، حيث قد لا تكون الانتخابات المفتوحة والحرّة أمرا عمليا لأسباب مختلفة. وإذا دعت الحاجة فقد يكون البديل منظمات المجتمع المدني المرخصة لتلعب الدور المطلوب في تمثيل المجتمع. المهم أن هناك طرقا كثيرة يمكنها أداء دور فاعل في ضمان تمثيلنا جميعا قدر الإمكان رغم ظروفنا الصعبة، إذا افترضنا أن عقد انتخابات سليمة أمر غير متيسّر في جميع المناطق.
لا بد من دعوة الهيئة التشريعية العليا في منظمة التحرير الفلسطينيّة – وهي المجلس الوطني الفلسطينيّ – مع العودة إلى عضوية أوسع، فاجتماعه الأخير بتاريخ 30/4/2018 في رام الله بعد انقطاع دام 22 عاما لم يكن سوى مسرحية سياسية.
عندئذ يتوجب على قيادة المجلس الوطنيّ الفلسطينيّ المنتخبة – والتي نؤكد على أن تكون أكبر تمثيلا – أن تدعو لانتخابات رئاسية. ويجب أن تكون هذه الانتخابات متاحة لجميع الفلسطينيّين بغض النظر عن مكان إقامتهم.
لقد حللتم المجلس التشريعي الفلسطينيّ لكن دون مشاورات كافية. وهو مشابه للسلطة الوطنيّة الفلسطينيّة المكلفة من منظمة التحرير الفلسطينيّة، فكلاهما من نتاج معاهدات سلام أوسلو المشؤومة. فينبغي أن يكون على رأس أولويات المجلس الوطنيّ الفلسطينيّ أن يقرر دور هاتين المؤسستين في الصورة الأكبر للنظام السياسي الفلسطينيّ ومن ثم اتخاذ أي إجراء ضروري ملائم.
6.
إذا افترضنا فاعلية المجلس الوطنيّ المنتخب حديثا، فسوف ينبغي عليه اتخاذ قرار بشأن مراجعة تكليف حكومة السلطة الوطنيّة الفلسطينيّة باتجاه استراتيجية للتحرير. وسوف يكون ذلك بديلا عن التحرك القائم على تمويلات المانحين ذات الدوافع السياسية في لعبة بناء الدولة، فالعديد من هؤلاء المانحين لا يعترفون أصلا بالدولة الفلسطينيّة.
إن نقطة الانطلاق الصحيحة تتمثل في رفض المساعدة من أي بلد لا يعترف بفلسطين. فإن كنا جادين بشأن إقامة الدولة – ونحن كذلك – فيجب أن يكون لذلك معنى حقيقي.
يمكن أيضا اتخاذ العديد من الإجراءات الفورية الأخرى في هذا السياق، مثل التقليل من عدد الوزارات لتحقيق أهداف ذات استراتيجية أوسع، وإنشاء وتطوير هيئات ذات إدارات مدنية مهنية غير مرتبطة بالسياسات الحزبية، وهي خطوات أولية في بناء القدرة المهنية التي سنكون بأمس الحاجة إليها مع مرور الزمن.
7.
يجب إنشاء مؤسسة فلسطينيّة جديدة لقيادة حركة التضامن لدى شعبنا. ولن يحدث ذلك بالطبع بين عشية وضحاها، ولكنه ينبغي أن ينطلق على محمل الجد قبل البدء بالخطوة التالية تجاه الساحة الأمريكية. ومن المؤسف أن هذا الكنز العالمي بقي مهملا لفترة طويلة. وإذا نظرتم في أرشيفكم الرئاسي فسوف تجدون رسالة بعثتُ بها إليكم بتاريخ 13/1/2005، أي بعد أيام من انتخابكم يوم 9/1/2005 رئيسا للسلطة الوطنيّة الفلسطينيّة، ونصّت فيها عبارة الموضوع على "حركة التضامن الفلسطينيّ العالمي". وطلبت حينها عقد اجتماع مع زميلي الإسرائيلي البروفسور جيف هالبر، الذي كان في ذلك الحين منسقا للجنة الإسرائيلية لمناهضة هدم البيوت الفلسطينيّة. وكان هدفنا دراسة استراتيجية لحركتنا التضامنية تقوم على مقالة للبروفسور في مجلة الدراسات الفلسطينيّة بعنوان "الشلل الذي يصيب فلسطين: أسئلة حول الاستراتيجية".
ولكنني لم أتلقّ حتى الآن ردا من مكتبكم، ولا نزال اليوم بحاجة إلى حركة كهذه تقوم على التفكير الاستراتيجي.
8.
لقد آن الأوان لنتعامل جديا مع الولايات المتحدة. بما أنها الحليف الاستراتيجي لإسرائيل، فهي الأساس في تعاستنا المتواصلة وبقاء مؤسستنا السياسية في حالة التفكير الحالم، على أمل أن تأتي مصادفة بإدارة أمريكية متفهّمة تحقق اللباقة السياسية والأخلاقية والتاريخية. ولكن ما هكذا تدار الأمور في الولايات المتحدة.
أنا من بين الكثيرين الذي طالما بيّنوا بأن الولايات المتحدة ليست مدينة واشنطن ولا البيت الأبيض. الولايات المتحدة عبارة عن 50 ولاية لكل منها ديناميكيات مختلفة. فإذا كنا جادين بشأن التأثير في السياسة الأمريكية، فعلينا الاستثمار في الواقع السياسي الأمريكي، والذي يشتمل على طريقة تعامل منهجي مع أصدقائنا في الولايات المتحدة، إلى جانب الاهتمام اللائق والمدروس بأبناء شعبنا في الشتات والكنائس والمساجد والأقليات وحركات المرأة والتيارات التقدمية والأجيال اليهودية الفتيّة وغيرهم.
وعلينا بموازاة ذلك التواصل المباشر مع الكونغرس، فنوابه وشيوخه عرضة لذات الضغوط مثلنا من الاحتلال العسكري الإسرائيلي. ومعظمهم لا يعلمون شيئا عن تاريخنا وعن الدمار الذي تلحقه سياستهم بنا. فعلينا أن نثقفهم ونحافظ على حضورنا في شؤونهم السياسية.
نظرا لموافقة الأطراف العربية الكبرى على المشاركة في الاستراتيجية الأمريكية المتصاعدة في المنطقة، فقد لا يكون لنا خيار سوى استغلال علاقاتهم مع الولايات المتحدة في طلب مساعدتهم في فتح قناة للتواصل مع الإدارة الأمريكية، إن كانت غير موجودة أصلا. وهكذا يمكننا أن نتعلم من قواعد إيران في اللعب ونعرف كيف نخطط استراتيجيا لننسجم مع مصالح لدولة ثالثة، كما فعلت إيران مع روسيا والاتحاد الأوروبي والصين. وقد يرى الكثيرون بأن هذه خطوة إلى الوراء في موقفنا المبدأي من الورشة الاقتصادية، ولكن يجب ألا يؤثر ذلك علينا. فهذه هي اللعبة القاسية في المصالح البحتة التي تعرفونها خيرا مني بكثير.
تشير كل المؤشرات إلى أن النظام السياسي الأمريكي قد لا يتمتع بالقوة الكافية للتخلص من الرئيس الاستبدادي ترامب. بل على العكس، قد يكون ما سأقوله غير معقول، لأنه قد يحظى بفترة رئاسية ثانية. فبعد كل هذا الدمار الذي ألحقه بأمريكا وغيرها، لا يزال متشبثا بمعدلات أصواته التي تراوح الأربعينات بالمئة. ولا يمكن التكهن بأي كبت للأصوات وتلاعب بالاقتراع وحروب على وسائل التواصل الاجتماعي في انتخابات الرئاسة عام 2020. وفي الوقت ذاته لا تزال سياسة ترامب العنصرية المتعجرفة محل ترحيب من مؤيديه في جميع أرجاء أمريكا. وهذا يعزز الفكرة التي أعلنها المحللون في الماضي لكم خاصة وللرئيس عرفات سابقا بأن الولايات المتحدة ليست الطرف الذي يعوّل عليه، حتى لو لم يكن هناك مفرّ من إشراكه.
فخامة الرئيس عباس،
لعلي لم أطرح من الجديد سوى القليل، إلا أن توقيت العمل به هو هذه اللحظة.
واخترت أن أنشر هذه الكلمات على شكل رسالة مفتوحة وأنا أعرف حق المعرفة بأن الاستخبارات الإسرائيلية – والتي اخترقت جميع مجالات حياتنا – سوف تكون على دراية بمحتواها سواء أرسلتها بالسر أو العلن. فليس لدينا ما نخفيه أو نخشاه. ونتحرك دون عنف لتحقيق حريتنا واستقلالنا.
وإذا كنتم غير قادرين على التحرك حسب برنامج واضح بخطوات حقيقة، فلربما حان الوقت لتسليم الراية إلى غيركم مع وجودكم بقربه لتقديم النصح الذي تقدرون عليه، فنحن جميعا ضحية الأخطاء الداخلية السابقة.
أثق بأنكم ستقرأون هذه الرسالة قراءة بنّاءة ومسؤولة كما هو المقصود منها. ولا يدّعي أحد بأنه يمتلك جميع الإجابات، ولكن السياسة لا تنتظر إجابات مثالية. التوقيت الآن هو الفيصل للعمل، وعلينا العمل بأقصى طاقتنا.