قراءة وليس تحليل

بقلم: فراس ياغي

حديث الساعة لدى العرب وإسرائيل حول الرد المُفترض من "حزب الله" على مجموعة من الإعتداءات التي قامت بها "إسرائيل" في الفترة القريبة الماضية، يؤشر للتوجهات العقلية وطبيعة الفكر لكلٍ من الإثنين أعلاه، خاصة وأن النظرة وإن إشتركت في بعض القضايا إلا أنها تختلف من الزاوية التي يَنظر إليها هذا الطرف أو ذاك، وحين أتحدث عن العرب فإنني أتناول هنا في قراءتي ما يسمى بالليبراليين والمعتدلين العرب من جهة وجميع مكونات إسرائيل السياسية والحزبية والإعلاميه...الخ من جهة أخرى.
في القراءة تكتشف البَونْ الشاسع بين الطرفين من حيث النظرة الموضوعية وكيفية تقييم الحدث ككل، فلا يزال العربان يُسقطون تمنياتهم وما يحدث عندهم على الآخرين، لأنهم يتعاملون مع الحدث إما من نظرة مسبقة عدائية وإما منطلق مفهوم المؤامرة الذي عَشّعَشَ في رؤوسهم وأصبحوا غير قادرين بل مُرتهنين لفكر التشكيك المُغَلّف بأحقاد شخصية أولا وسياسية ثانيا نابعة من إعتبارات تَخصْ كل حاكم فرد أو إعلامي ومُحلّل تابع للسلطة الحاكمة، حتى أن بَعض الأجهزة التي من المفترض أن تُقدم تقارير موضوعية لقيادتها تَفشل في تقديراتها بسبب محاولتها إرضاء السلطة والحاكم من جهة، وبسبب توهانها في تفاصيل غير واقعية من جهة أخرى، وهنا أقصد أن الفكرة الرئيسية والموقف المبدئي يتم تغليفه بمفهوم المصالح السياسية ومدى تِبعية هذا الطرف أو ذاك للدولة المركز.
قيما يخص الأحداث السياسية التي تَتَصدر كافة وسائل الإعلام، نرى أن الجانب الإسرائيلي مُقتنع بشكل كامل من حيث السلطة السياسية ومن حيث المُحلّلين الإعلاميين والنخب والجمهور بأن "حزب الله" سيقوم بالرد على الحماقات التي قام بها "نتنياهو" وتفاخر فيها في محاولة منه لكسب السوق الإنتخابية القادمة فتربيته الأمريكية بمفهوم العلاقات العامة والعرض والطلب تُهيمن على عقليته السياسية وتحت مفهوم ميكافيلي "الغاية تُبرر الوسيلة"، وبغض النظر عن نتائجها، ف "نتنياهو" مسكون بالحكم والسلطة ويريد أن يُنهي حياته السياسية في رئاسة حكومة "إسرائيل" وليس في سجن إسرائيلي بتهم الفساد.
أما عرباننا فهم ينظرون للمسألة من زاوية أخرى مرتبطة بما تُريده "إيران"، ومصلحتها بالأساس، ويعتقدون أن مفاوضات "باريس" مع وزير الخارجية الإيرانئ "جواد ظريف" أحرزت بعض التقدم وعليه فلن يكون هناك رد من "حزب الله" على الإعتداءات الإسرائيلية، ويرون أن ما قام به "نتنياهو" من إعتداءات هو في هذا السياق، أي لمنع أي إختراق ممكن بين "إيران" وإدارة "ترامب"، لذلك يَجزمون ويَحلفون بأن لا ردْ قادم من الحزب اللبناني، وإن كان هناك ردْ فلن يكون سوى مسألة رمزية لا أكثر، لأن "حزب الله" عليه الإلتزام بالتعليمات "الإيرانية" التي تُراهن على المفاوضات العلنية التي تمت في "باريس" والسرية في "سلطنة عُمان".
عقلية العربان لا زالت مسكونة بمفهوم الأوامر والتعليمات لأنها تعكس طبيعتها التي تربت عليها حتى لو كان ذلك على حساب مصالحها، كما أن موقفها المُسبق يحكم تحليلاتها، لذلك لا بُدّ من التقليل في شأن الحزب اللبناني ومهما كانت الوسيلة أو طريقة الأداء، كذباً أو إفتراء وتحت يافطة التحريض والتشكيك، في حين يختلف الأمر في "إسرائيل" لأن أي كذب سيكلفهم أصوات إنتخابية وسيضعهم في ميزان أشباه الدول التي لا تَرى ولا تُبصر ولا تَتَحضر للخطر القادم شعباً وحكومةً، ويحضرني هنا قول أحد المواطنين في إسرائيل في تعليقه على خطاب أمين عام "حزب الله" السيد "نصر الله" حيث قال: " لو كنت ذاهب للعمل صباحاً وفي عز النهار وسمعت نصر الله يقول أننا في الليل، لعُدت فوراً للبيت لأنه أصدق مما أرى على الواقع".
الإسرائيليون مقتنعون بشكل كامل بأن الرد قادم، ويسألون فقط عن حجمه ومكانه وزمانه، وهل سيقوم جيشهم بالرد على الرد؟ وهل ستكون النتيجة ردٌ آخر يؤدي لمواجهة محدودة أم حرب؟ ويسألون أيضا هل ستدخل غزة في ساحة المواجهة القادمة أم لا؟ في حين يتناول البعض "العربي" المسألة من زاوية التشكيك والمواقف المُسبقة، وأن أي رد هو محكوم بالمصالح الإيرانية التي هي بصدد مفاوضات مع الولايات المتحدة، وأن تبعية "غزة" لإيران سَتُدمّرها، وأن الحزب اللبناني سيجُر "لبنان" للدمار الشامل، أما السؤال لماذا قام نتنياهو بهذه الإعتداءات؟ وما هو هدفها؟ فهو آخر ما يُفكرون به، بل حين يتناولونه بالحديث يُقدّمون رواية "نتنياهو".
أعتقد أن الجانب الإسرئيلي يَعي جيداً أن الرد قادم لا محالة، وأنه ردْ ليس بهدف تغيير قواعد اللعبة فحسب، وإنما لوضع قواعد جديدة وخطوط حمر واضحة لا لَبِسَ فيها، وهنا تكمنْ مُعضلة "إسرائيل".
أما تحليلي السريع لما جرى وسيجري، فإن الحرب ضد "إيران" فشلت بعد إسقاط الطائرة الأمريكية المُسيرة، وأنه ليس في وارد "ترامب" القيام بمغامرة جديدة فتركيزه مُنصب على تحسين الإقتصاد الأمريكي للفوز بجولة ثانية في رئاسة البيت الأبيض، كما أن "الكونغرس" و "مجلس الشيوخ" لن يدعم هكذا توجه، في حين مغامرة "نتنياهو" هدفها جَرّ المنطقة لحرب في الشمال قد تصل إلى "إيران" وهنا سيتحرك "الكونغرس" و "مجلس الشيوخ" للطلب من إدارة "ترامب" للتدخل لمساعدة "إسرائيل"، إضافة إلى أن وضع "نتنياهو" الإنتخابي لا يشير إلى أنه سيكون رئيس الحكومة القادم، لذلك أصبح بين خيارين إما السجن بتهم الفساد وإما الذهاب لجولة عنيفة في المنطقة نتائجها ستحدد طبيعة السياسات القادمة وموازين القوى الجديدة.
يُخطيء "نتنياهو" التقدير، ففي أي مواجهة قادمة نتائجها بحدها الأدنى ستفقده مستقبله السياسي ككل، والسؤال المركزي الآن: هل سيتعظ نتنياهو ولا يرد على الرد؟ أم أنه سيجر المنطقة لمواجهة محدودة أو شاملة؟ قادم الأيام كما يبدو يحمل في طياته دمار يشمل الشمال والجنوب والوسط، وهذه قراءة أكثر من كونها تحليل، لأن التحليل سيجلب "روسيا" و "الصين" للمنطقة لا محالة.


بقلم:فراس ياغي