ظاهرة التطرف تحدد بخروج الانسان عن اطار الفعل المعتاد والطبيعي بعلاقته مع الاخرين .
بعصر الجاهلية والزمن الماضي وغياب القوانين كانت الصراعات ما بين القبائل لأجل تحقيق مصالح وأطماع.... بدأت مع مرور الزمن وتقدم الأمم والشعوب في تنظيم تلك العلاقات ومدي التطور الذي حدث ما بين الشعوب والمجتمعات وما ظهر من قوانين تنظم تلك العلاقات وتحدد الجغرافية السياسية للدول والمجتمعات وحقوق كل منهم .
لكن في اطار تفاعل أي مجتمع يمكن أن تحدث بعض الظواهر والافرازات السلبية نتيجة لعوامل وأسباب عديدة لها علاقة بتراكمات الزمن وتفاعلاته .... كما لها علاقة بأساليب التربية ومعالم وقواعد الثقافة ومناهج التعليم ....ومن يقومون على ايصال تلك المفاهيم من معلمين ورجال دين وأماكن عبادة ومؤسسات يلتقي فيها الناس ويتم تداول الافكار دون ضوابط وأحكام ....ودون قانون ينظم مثل هذه الأفكار .
المشكلة في أنصاف المتعلمين والمثقفين والمتدينين وتركهم للتعبئة ونشر أفكارهم وهم بمقتبل العمر ودون تجربة وثقافة وعلم قادر على تنظيم واحكام ما يتم قوله وترديده.... وحتى يدركوا ويتعرفوا على أصول العلوم والدين والثقافة .
من هنا فالأسباب لجذور ظاهرة التطرف لها علاقة مباشرة وغير مباشرة بمن يدعون المعرفة وهم الجهلاء ...وممن يعرفون أنفسهم بالعلماء.... وهم ليسوا كذلك ويتحدثون دون ضوابط وأحكام وقوانين تلزمهم في أقوالهم ومواقفهم وما يحرمون...!!! وما يجعلون منه حلالا !! .
المجتمعات لا تبني على اسس الفوضى الفكرية والثقافية ....بل تبني وتنظم بفكر مستنير يستند الي ثقافة متراكمة لحالة وعي مجتمعي أساسها العلم والمعرفة بشموليتها وتعاليمها الروحية والدينية والمجتمعية .
فارق كبير ما بين الفوضى الفكرية ...وما بين المجتمع المنظم والمستند بفكره وثقافته على أحكام وضوابط تستند على القانون وأحكامه .
ليس الديمقراطية التي من صنع البشر أن تقول ما تريد ....وأين تريد ... وبأي شكل تريد !!! ؟؟؟ ... بل الديمقراطية حتى وان كانت من صناعة الانسان فلقد تم صياغتها بأحكام قانونية ومبادئ عامة لها ضوابطها ونصوصها وقيمها التي لا يجب الرجوع عنها .
الانسان ولقد خلق حرا وليس عبدا .... بمعني الحرية التي لا تتعدي على حرية الاخرين ..... بل تكون الحرية في اطار خدمة الذات والأخر وعلى الجميع أن يعيش بما يحفظ لكل كائن حقوقه وواجباته .
أسباب التطرف عديدة في منابعها ....وأساليبها ...لكنها بمجملها تعبئة فكرية خاطئة .....وتعصب أعمي ومحاولة لزرع الأحقاد والكراهية دون مبرر أو سبب حقيقي ..... ولقد حذرنا وقلنا الكثير بأن ما نزرع سوف نحصد !! ...واياكم ثم اياكم بالتعصب !! ....
فالتعصب طريق التطرف!! .... ويجب أن نعمل جميعا على أن نزرع الخير .... المحبة والتسامح ...الأخوة الصادقة ..... أن نبني أصول وأسس الحوار والنقاش الفكري المنظم بعيدا عن كافة الضغوط .... وحتى يكون للإنسان مساحة يقول فيها ما يريد ....في اطار ما يفيد مجتمعه ويزيد من تماسكه ...ويوحد طاقاته ... وليس العكس !! .
لا يجب القبول ...بل يمنع كل من يحاول تعبئة الاخر في مفاهيم مغلوطة قائمة على الكراهية والحقد الاعمى والتناقض والتنافر مع المجتمع ونظامه والأسس الذي يقوم عليها .
التطرف يعتبر وجها للارهاب .... وليس بثقافتنا الدينية ... كما ليس بعاداتنا وتقاليدنا المجتمعية والوطنية ما يبيح ويسمح بمثل هذه التصرفات الخارجة عن أصولنا ....ومبادئنا وديننا الحنيف .
يحاول البعض أن يغطي على تطرفه وتعصبه .... من خلال مفاهيم دينية ثبت عدم صحتها ...واعوجاجها عن نظام المجتمع وأهدافه ومصالحه ....
نحن بهذا المجتمع الذي نعيش فيه ومنذ عقود طويلة تعايشنا مع بعضنا البعض بكل محبة وتسامح برغم اختلافاتنا السياسية .... الا أننا كنا نحرص على الحد الأدني من الوحدة والتماسك والقدرة على مواجهة التحديات والمصاعب التي تواجهنا .
لم نحاول بمجتمعنا أن نتصادم ....أو نتقاتل أو نتصارع ....بل كنا نتنافس ونتناقش ونتحاور وكانت الغلبة للرأي الأصوب ...وليس لمن يمتلك الأداء الاقوى !! .
مجتمعنا ومنذ عقود طويلة كان يشعر بالاستقرار والامن ويعمل وفق ضوابط وأحكام وقوانين منظمة لعلاقاته... وهذا لا يعني بالمطلق أننا كنا نعيش مجتمعا مثاليا أفلاطونيا ...بل كنا نعيش في ظل مجتمع كان البعض يشعر بالظلم ... وانه يسعي لرفع ظلمه بمساعده مجتمعه ومن حوله .... وليس بدوافع وأساليب أخري .
أي أن الظلم المؤقت ليس أمرا حتميا باقيا ومستمرا .... بل يعتبر أمرا استثنائيا يمكن أن يعيش فيه الانسان لحظة بحياته ... ويتلاشي ما بعد فترة وجيزة وتصبح من الماضي.... ويعيش الانسان حياته بكرامة وعزه .... وهذا أمرا ممكنا وواقعا .
صحيح ان الكثير من المجتمعات تولد فيها الكثير من الظواهر بحكم ظلم مجتمعي ثقافي اقتصادي ....لكن هذا الامر المؤقت والطارئ ليس حكما وقدرا يجعل الانسان مختلا بفكره .... وسلوكه ويتصرف دون أدني توازن .
أسباب كثيرة يمكن أن يسوقها أصحاب نظرية التطرف .... لاعطاء المبررات والذرائع...... وهي بالمجمل أسباب مرفوضة وخالية من كل منطق مقبول ....لأن مجمل الاسباب ليس حكما قطعيا يمكن أن يستوجب التطرف كوسيلة نهائية لايصال الرسالة والتي فيها من الخطايا والتجاوزات بأكثر بكثير مما فيها ما يمكن فهمه وقبوله..... بل الرفض بالمطلق .
ظاهرة التطرف والتعصب والعنف الاسري والمجتمعي لا نستطيع اغفالها أو التغاضي عنها أو القول أنها ليست موجودة !! ....وانها وليدة مرحلة وظروف خاصة !!! ..... نعم موجودة !! .... ولكن سيبقي السؤال الاهم كيف يمكن معالجتها ...واجتثاث اسبابها !!؟؟
كيف لنا أن نراجع الكثير مما لدينا حتى نعدل من بعض الأفكار والسلوكيات والعلاقات !! ...وأن نصدق القول والفعل بطرح القضايا بما تستوجب من معالجات فكرية ثقافية اعلامية اجتماعية واقتصادية .....دون مجاملات أو محاولة للترقيع والقفز عن الحقائق .... والتستر حول الاخطاء والخطايا دون معالجات حقيقية !!
يجب أن لا نضحك على انفسنا كعادتنا ازاء القضايا المستعصية ...والازمات الحادة... بل المطلوب أن تطرح الامور بشجاعة لدراسة الأسباب الحقيقية .... وأن نطرح المعالجات العملية ...وان لا نؤجل بالقضايا والظواهر حتي تصبح وقائع يصعب معالجتها !! .
مجتمعنا لا يحتمل أدني تطرف.... ولا يقبل بتاريخه وواقعه والأسس الذي يقوم عليها من محبة وتسامح ونسيج مجتمعي ....أي محاولة مهما صغرت أو كبرت للمساس به .... فنحن لسنا بترف فكري ... كما نحن لسنا بنزهه.... والوقت لصالحنا ....بل نحن بحالة استثنائية فيها من المصاعب والتحديات ما يفوق قدراتنا ومقومات قوتنا ....لأننا لسنا بدولة ذات سيادة..... لكننا لا زلنا تحت الاحتلال والحصار والعدوان المستمر !!
كل ما نحن عليه يجب أن يكون دافعا قويا لمواجهة كل ظاهرة تطرف أو تعصب يمكن أن تظهر من هنا أو هناك ...لأننا أمام مرحلة نحن بحاجة فيها الي التماسك وتعزيز مقومات القوة ...واجتثاث كافة مصادر الضعف مهما كانت أسبابها بما فيها التطرف والتعصب .....والذي ثبت بحكم الوقائع والأحداث أنه يخدم أعدائنا ولا يخدم قضيتنا واستقرارنا .
الكاتب : وفيق زنداح