قراءة وليس نقد

بقلم: سامي الأخرس

لا أنكر إنني اطلعت كثيرًا وعميقًا على الفكر الماركسي، والنظرية الماركسية بكل مفاصلها الأيديولوجية، ووقفت طويلًا أمام مفاصلها وجزيئياتها، وكذلك قرأت واطلعت على الكثير من السير والأفكار للشخصيات الدينية الإسلامية والفكرية، وتعمقت بفكر قادة الحركات الإسلامية بعيدًا عن الأسماء والمسميات، واستطعت أن أزداد عمقًا بالأديان وعلى وجه التحديد الدين الإسلامي، وعُرجت في الكثير من الأوقات لعلم الاجتماع ونظرياته، حتى راكمت معرفة لا بأس بها خلاصتها" إننا نقرأ لنكتب"، وماذا نكتب؟ كما كتبت جميع النظريات، وكما نصت كل الأديان، أن جميعها بلا حصر جاء لرفاهية الإنسان وعدالته، حتى نحن عندما نكتب، نكتب لأجل العدالة الإنسانية والرأفة بالفئات المهمشة والفقيرة، وبالفكر المعتدل الذي ينشر الحب والمحبة في ربوع الأرض التي خلقت ليعمرها الإنسان، منذ أن وطأت قدماه سطحها، ولكن هل نطبق ما نكتب؟! فعلًا لا نستدل على العدالة ولا نبحث عنها إلا عندما نحاول أن نحلم بها، فتتساءل ورأسك على وسادتك لو أصبحت ملكًا أو أميرًا أو رئيسًا أو وليًا سأطبق العدالة على الجميع غفيرنا وأميرنا، كريمنا وذليلنا في الوقت الذي نحن شخصيًا وفي اضيق الحلقات نمارس الفساد بكل تجلياته وعمقه، فمثلًا أنا شخصيًا كمدخن أبذر يوميًا مبلغًا من المال على رفاهيتي الشخصية كثمن سجائر، حارمًا فرد من أفراد الأسرة أو المجتمع من ما يوفر له متطلباته الضرورية، كما أقرأ للكثير من الأصدقاء الأدباء والمفكرون والمنظرون عن العدالة والحقوق في حين إنهم أكثر من يمارس الفساد الشخصي والعام ووفق منظوره لا يراه فسادًا، بل يعتبره حق من حقوقه أن يرسل إبنه أو بنته أو أخيه للدراسة بأفضل الجامعات الأوروبية كمنح هي بالأصل لعامة الناس، لكنها بمنظوره حق شخصي له، مثالًا آخر رجل الدين الذي ينظر في النهار ويقيم الليل ويقرأ القرآن، إن سرقت فاطمة أو زيد لن يقطع يدها أو يده لأنه لا يعتبر ذلك تعدي على ممتلكات الآخر، ولا يصنفها فساد بل يجدولها في نطاق الحقوق الشرعية له ولأسرته.

هذه المقدمة البسيطة تهدينا لما حدث في غزة قبل أيام من تفجيرات داخلية راح ضحيتها المُفجر كونه ضحية أفكار مارسناها نحن تحت منطق الدعوة، والشريعة، والفتوى، وترعرع عليها المُفجر حتى أعمت بصره وبصيرته، وكذلك المتفجر الذي ذهب ضحية أفكار تحريضية تربصية ربما لو سنحت له الفرصة لمارسها هو بنفسه، ولكنها مورست به لأننا خريجو نفس المدرسة، ونفس الأفكار، ونفس البدايات، وربما نمارسها على مدار تنظيرنا سواء تحت رداء وعباءة الدين أو الإنتماء الحزبي، فليس المتدين فقط بل حتى العلماني والليبرالي والقومي والطائفي والمذهبي يحملون نفس التعليب الفكري مع اختلاف التوجه الأيديولوجي، ويسنون رماح التحريض كلًا تحت رداء قناعاته.

فغزة ليست أم المدن، وغزة ليست المدينة الفجة الوحيدة التي قال القاتل صارخًا" الله أكبر" ، ونطق المقتول الشهادة مرددًا " لا إله إلا الله" فغزة كما كل المدن التي تزان بالتكفير والتفجير والفجور والسفور تحت مواثيق الكراهية والجهل والاستسلام لما هو منتج لها، غزة ككابول كمقديشيو كدمشق كطرابلس كبيروت كصنعاء كالقاهرة كتونس كالجزائر كالرباط، فحرف "ك" يجمعها مع صوت الله أكبر، هذا الشرك الذي أنتجه لنا من حرضوا ولا زالوا على السلم الأهلي لغايات ومصالح حزبية فردية وقودها الوعي المجتمعي، ورمادها السلم الأهلي.

فغزة كما غيرها كلًا يمارس الفساد والإفساد في حدوده العميقة ويصطنع له ألف مبرر بأنه يمارس حقوقه وواجباته، ودعواته لكلمة سواء، بحثًا عن الجنة والفوز بالآخرة، فاستبدلنا الحب والمحبة، بدعني أدخل به الجنة، فشيعنا القاتل والمقتول ولكن إلى أين؟!

خلاصة القول أن كل ما نقرأ هو لأجل أن نكتب فقط، لا لننفذ لا لنعدل مسار ذواتنا وأحلامنا بمدينة فاضلة نصنعها في حدود الخروج عن الذات فقط، فالماركسي فاسد لأنه يقف عند حدود الزمان، والمتدين فاسد لأنه يعود للزمان، والجميع فاسد لأنه أغمض عينيه عن الواجبات وأستنصر للحقوق الخاصة. فكلًا منا يقف لحظة ويسأل نفسه هل مارس الفساد بحق نفسه، وبحق الآخرين، وهل مارس الإرهاب ضد فكره وقناعاته ودعواته، وهل جانبنا الصواب ونحن نقرأ فقط لنكتب؟!

بقلم/ د. سامي محمد الأخرس