إذا صحّ وكان لرئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد، المتخلي مؤقتاً عن منصبه، دورٌ في توقيت توقيف نبيل القروي، المتصدر لاستطلاعات الرأي كمرشح للانتخابات الرئاسية، فإن يمكن القول أنّ هذه العملية تندرج في إطار استخدام الشاهد لعدد من الأوراق السياسية التي يدفع بها تباعاً لتثقيل كفة حظوظه في الانتخابات، والتي بدأها بتحريك ورقة «الجهاز السري» لحركة «النهضة»، المتهم بالمسؤولية عن اغتيال المناضلين اليساريين؛ شكري بلعيد ومحمد البراهمي.
توقيف القروي!
وكانت عملية توقيف القروي (23/8)، رئيس حزب «قلب تونس» والمُرشح للانتخابات الرئاسية، إلى جانب «مفاجأة» الشاهد بتخليه المؤقت عن رئاسة الحكومة، وضعتا الاستحقاق الانتخابي الرئاسي على صفيح ساخن، تتدحرج فيه المواجهات السياسية بسرعة قياسية على وقع خطابات صدامية حادة.
وقد نظر أنصار رجل الأعمال وقطب الإعلام البارز، القروي، إلى قرار إيقافه، كـ«أمر دُبّر بليل»، وهي خطوة دفعت حتى خصوم القروي إلى إثارة الشكوك بشأن «التزامن المريب بين الزمن الانتخابي والزمن القضائي»، متهمين الشاهد بالسعي إلى قطع الطريق على منافسه القوي.
وإذا كان الناخبون التونسيون، على اختلاف تلاوينهم وانتماءاتهم الحزبية، لا يختلفون حول أولوية الحرب على الفساد وإنفاذ القوانين وإقرار العدالة الضريبية، إلا أنّ كثيرين منهم عبروا عن شكوكهم ورفضهم لـ«مقارعة المافيا بأسلوب المافيا وتوظيف أجهزة الدولة في تصفية الخصوم»!. ولم يستبعد البعض أن تؤدي عملية توقيف القروي، الرامية إلى تقليص فرصه الانتخابية، مفعولاً عكسياً، وأن تعزز شعبيته وفرصه بعدما أصبح يُعدّ لدى قطاعات واسعة من الرأي العام كـ«ضحية سياسية»!.
وكان القروي الذي ركب موجة الشعوبية المنتشرة عالمياً، حقق مع حزبه الناشئ مفاجأة مزلزلة للأحزاب الكبرى بتصدرهما لنوايا التصويت في الانتخابات الرئاسية والتشريعية على مدار أربعة استطلاعات دورية متتالية، على رغم أنه ملاحق قضائياً، مع شقيقه غازي القروي، في «قضايا فساد وتبييض أموال وتهرب ضريبي»، تعود إلى سنوات خلت، إلى جانب مخالفته للوائح المنظمة للقطاع الإعلامي.
وكان القروي الذي يتوقع أن تشهد انتخابات 2019 «نهاية الأحزاب التقليدية أسوة بما يحدث في الديمقراطيات العريقة في العالم»، نجح بعد الوفاة الدرامية لابنه، واستغلال أنشطته الخيرية، في أن يكسب شعبية وأنصاراً وسط الفقراء والمحتاجين في القرى والبلدات المهمّشة والبعيدة عن السلطة المركزية النائمة في العاصمة، وهو ما أوصله إلى أن يصبح منافساً جديا وخطيراً في هذه الانتخابات، ومن خارج «صندوق الأحزاب التقليدية»!.
الشاهد و«أوراقه السياسية»!
وإلى ذلك، فقد اعتبر قرار الشاهد بالتخلي عن رئاسة الحكومة مؤقتاً، (الذي فاجأ به الفاعلين السياسيين ووصف بالجريء)، بأنه «قرار سياسي برائحة انتخابية». وذلك بعد أن أعلن تفويض صلاحياته إلى وزير الوظيفة العمومية، كمال مرجان، «حتى يتفرغ لحملته الانتخابية، في مناخ يضمن حياد الإدارة»، كما قال.
وقد اهتزّت أركان المشهد السياسي التونسي على وقع هذا القرار، لاسيما وأنه أتى بعد يومين فقط من إعلان الشاهد التخلي عن جنسيته الفرنسية، الذي أربك هو الآخر حسابات بعض الأحزاب المعنية بهذا الاستحقاق الانتخابي. ووصف قرار الشاهد بأنّه جاء بغرض «جنيّ مكاسب حزبية وانتخابية، أكثر من كونه مسألة إجرائية تبتغي الحرص على حياد الإدارة»، كما برّر الشاهد.
فالوزير مرجان، (وهو آخر وزير خارجية في عهد الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي)، يُعدّ أحد أهم قيادات حزبه، حيث يرأس حالياً «المجلس الوطني» لحزب «تحيا تونس» (وذلك بعد انصهار حزبه «المبادرة» في حزب الشاهد)، الأمر الذي طرح أسئلة كثيرة عن خلفيات تفويضه دون غيره من الوزراء؟.
وثمة من توقع بأن يحظى مرجان بمنصب رئيس الوزراء المقبل، في حال نجاح الشاهد في الرئاسيات، ونجاح حزبه في التشريعيات، وخصوصاً أنه كان حصل على الوزارة بفضل انضمامه إلى حزب الشاهد، ثم أعلن مساندته لترشّح الشاهد إلى الانتخابات الرئاسية، ما يعني أنّ ثمة تداخلا وتشابكاً في العلاقة السياسية بين الرجلين، يجعل من مرجان أحد الأعضاء الفاعلين في حملة الشاهد الانتخابية، ويقوّض بالتالي «تبرير الشاهد» بأنه يسعى من وراء تخليه المؤقت عن رئاسة الحكومة إلى «النأي بالحكومة عن الحملة الانتخابية»؟!.
بقلم/ فيصل علوش