تدمير ناقلة الجند المدرعة الصهيونية في عمق الأراضي الفلسطينية المحتلة عصر يوم أمس الأحد ، من قبل مجاهدي حزب الله كان حاسماً الجدال حول ، هل الحزب سيرد أم لا . هذا الأمر محسوم وخارج النقاش ، لأن معرفتنا بحزب الله لا تقبل الخوض في جدال الرد من عدمه بالنسبة إلينا . وإذ وددت أن أبدأ مقالتي بتلك الكلمات ، لأن هناك من كان يُشكك بإمكانية رد حزب الله على اعتداء الضاحية وعقربا .
العملية التي نفذها حزب الله في عمق الأراضي الفلسطينية المحتلة ، والتي أسفرت عن تدمير ناقلة جند وسقوط عدد من الجنود الصهاينة بين قتيل وجريح . توجب التوقف وقراءة دلالاتها العسكرية والسياسية ، في هذا التوقيت الشديد التعقيد والخطورة . ففي الدلالات العسكرية :-
أولاً ، اختيار تحرك حزب الله في عمليته من خارج مناطق الشريط الحدودي ، أي امتناعه عن ضرب هدف عسكري صهيوني عند المنطقة الفاصلة مباشرة ، وتصميمه أن تكون عملية الرد في عمق الأراضي الفلسطينية المحتلة ، من النقطة المصنفة عسكرياً بالصفر ، أي النقطة الوحيدة المشرفة على منطقة الاستهداف
ثانياً ، تؤكد العملية وتنفيذها بهذه الدقة ، أن المقاومة حاضرة على الدوام في منطقة التنفيذ ، وهي متابعة بالاستطلاع الميداني ، والرصد الأمني والاستخباري
ثالثاً ، قدرة المقاومة على تنفيذ العملية ، على الرغم من الاستنفار الكامل والشامل ، وبدرجة التأهب القصوى
رابعاً ، اعتراف العدو الصهيوني ، أنه ألغى مناورة عسكرية ، وبالتالي ما شهدته منطقة الحدود الفلسطينية – اللبنانية لجهة مستوطنات الكيان من شل للحركة والتجول ، بسبب تهديدات حزب الله ، يؤكد أن المقاومة قادرة على شن حرب نفسية ، وهي ليست المرة الأولى ، التي تمارس المقاومة حرباً نفسية على كيان العدو .
خامساً ، فشل العدو في تمرير تهديداته لحزب الله بأنه سيدفع الثمن ، في حال شنه هجوماً رداً على اعتداء عقربا والمسيرتين في الضاحية . وهنا السؤال المشروع ، هل نتنياهو سينفذ وعيده بالاعتداء مجدداً ؟ ، وهذا مشكوك فيه
سادساً ، العملية تركت الباب مفتوحاً على رد أخر ، على اعتبار أن العملية حملت أسماء الشهيدين الذين سقطا في الاعتداء على منطقة عقربا في سوريا . بمعنى أن الرد على اعتداء المسيرتين في الضاحية لا زال مفتوحاً
وفي الدلالات السياسية :-
أولاً ، أنّ الاعتداءات التي شنها العدو الصهيوني ، هدف من ورائها نتنياهو ، كسر قواعد الاشتباك ، وإعادة رسم جديد للخطوط الحمراء . والعملية أعادت تثبيت تلك القواعد والخطوط الحمراء ، التي أرستها نتائج عدوان تموز 2006 ، ومن قبلها انتصار المقاومة في أيار 2000 .
ثانياً ، سقوط الرسائل التي أراد نتنياهو من وراء الاعتداءات إرسالها في المستويين الداخلي والخارجي . والعملية أفقدت نتنياهو إحدى الأوراق التي كان ينوي توظيفها سياسياً ، وهو لذلك يريد اليوم استخدم ورقة ضم مستوطنات الضفة الغربية إلى ما تسمى بالسيادة " الإسرائيلية " ، حسب ما صرح به نتنياهو شخصياً .
ثالثاً ، لأول مرة يفقد الكيان أي تأييد لما يسمى حقه في الدفاع عن النفس ، باستثناء بيان الخارجية الأمريكية .
رابعاً ، إسقاط ورقة استخدام الدم العربي في صناديق انتخابات " الكنيست " . وبذلك أصبح وضع نتنياهو الانتخابي أكثر حراجة أمام معارضيه ، الذين سيوظفون فشل نتنياهو العسكري والسياسي في مواجهته انتخابياً
خامساً ، العملية وتنفيذها بهذه الطريقة المدروسة والمحسوبة ، أخذت في الحسبان ، المحافظة على وحدة الموقف الوطني اللبناني الجامع ، والذي عبرت عنه الرئاسات الثلاثة ، في اعتبار الاعتداء عدوان يستهدف لبنان بأسره . وهذا يسجل لحزب الله الذي لطالما تمسك بثلاثية الشعب والجيش والمقاومة
سادساً، إعلان قوى المقاومة على امتداد جبهات تواجدها ، بأنها تقف إلى جانب المقاومة في لبنان . وأن أي حرب ستشن عليها لن تقف فصائل المقاومة مكتوفي الأيدي ، الأمر الذي استدعى توجيه تهديد للمقاومة في قطاع غزة ، بأن عليها الوقوف على الحياد في حال تدحرج التطورات إلى حرب مفتوحة
سابعاً ، ما حاول العدو الصهيوني تمريره لدى مجتمع الاستيطان ، من ترويج أن العملية لم تحقق أي من أهدافها ، ولم توقع أية خسائر ، وبأن حزب الله وقع في كمين وفخ نصب له . وهنا وبغض النظر عن وقوع خسائر من عدمه ، فسماحة السيد نصر الله قال المقاومة سترد ، والمقاومة ردت وهذا هو الأساس في مواجهة العربدة العسكرية لنتنياهو ، الذي يمر بأصعب مفاصل ومراحل حياته السياسية . ورغم ذلك فقد دحضت المقاومة تلك الأكاذيب بنشرها وعبر قناة المنار ، فيديو مصور يوثق بما لا يدعو للشك الأضاليل التي حاول من خلالها العدو بثها للتقليل من أهمية رد المقاومة .
رامز مصطفى
كاتب فلسطيني