تقع بردلة وهي واحدة من قرى الأغوار الشمالية شمال الضفة الغربية، على مخزون مائي هائل، وهو الحوض المائي الشمالي الشرقي، ما جعلها عرضة للنهب من قبل حكومة الاحتلال الإسرائيلي منذ احتلاله الثاني للأراضي الفلسطينية عام 1967، حيث تسيطر دولة الاحتلال على حوالي 87% من مصادر المياه الطبيعية الفلسطينية، لتقضي بذلك على حق الفلسطينيين بالتمتع بمواردهم الطبيعية وأبرزها حق الحصول على المياه الذي يعتبر من الحقوق الأساسية التي يجب أن يتمتع بها الفرد بحرية، إلا أن وجود الاحتلال الإسرائيلي يمنع الفلسطينيين من حقهم هذا بسبب نهبه للمياه الفلسطينية التي يعيد بيعها لمالكيها الأصليين.
كانت عين ماء بردلة تغطي احتياج الأهالي من المياه بشكل كامل، وفي العام 1965 ضعف ضخ عين المياه، فلجأ الأهالي لحفر بئر بعمق 67 متر يستخرجون منه 240 متر مكعب/ساعة وهو احتياج القرية، وبعد الاحتلال في العام 1967 عملت حكومة الاحتلال على حفر بئر بعمق 320 متر وفي العام 1971 حفروا بئراً آخراً بعمق 270 متر وصولاً للطبقات الجوفية ما أدى بالضرورة إلى إضعاف الكميات التي اعتاد الأهالي استخراجها من بئر القرية.
بدايات عمليات النهب
عرضت الإدارة المدنية في تلك الفترة على الأهالي تجفيف بئر القرية، مقابل أن تمنحهم احتياج القرية المعتاد الذي يبلغ 240 متر مكعب/ساعة، فلم يكن أمام أهالي بردلة إلا الموافقة والتوقيع على الاتفاقية في العام 1974، حيث أن حفر الآبار ممنوع والبئر الموجود أصلاً جف نتيجةً لحفر الاحتلال آبار جديدة في المكان. استمر العمل بالاتفاقية وتزويد أهالي بردلة بكمية المياه المتفق عليها حتى بداية الثمانينات حيث بدأت عمليات تقليص الكميات المتفق عليها إلى أن وصلت إلى 100 متر مكعب/ساعة، لم يشعر الأهالي في البداية بمشكلة نقص المياه، كونهم في تلك الفترة كانوا ما زالوا يمارسون الزراعة التقليدية، أي الزراعة في فصل الشتاء، لكن مع تطور الزراعة وإمكانياتها على مدار العام من خلال اعتمادها على الري، شعر الأهالي بهذا النقص وعدم تغطية احتياجهم من المياه. وبالطبع فإن الأهالي طوال تلك الفترة ورغم أن المياه بالأساس ملكيتهم، إلا أنهم كانوا يدفعون مقابل تكلفة استخراج المياه من الآبار للاحتلال!
البئر التابع لشركة "موكوروت" الإسرائيلية
كان عدد أهالي قرية بردلة في العام الذي تم توقيع اتفاقية المياه مع الاحتلال في العام 1974، حوالي 400 نسمة، وفي الوقت الحالي يبلغ أهالي القرية حوالي 2500 نسمة، يعمل جلهم في الزراعة أي أنها تشكل دخلهم الرئيسي، يقول عضو مجلس قروي بردلة إبراهيم صوافطة "رغم محاولات الضغط التي نتعرض لها من قبل الاحتلال بمنح أهالي قريتنا تصاريح للعمل داخل المستوطنات بهدف ترك الزراعة، إلا أن ذلك لم يغير من حقيقة أن عدد غير المزارعين من موظفين وعمال لا يتعدى أصابع اليد".
الجهة الغربية لقرية بردلة
لم تُراعى الزيادة الطبيعية لسكان القرية، وبالتالي ازدياد احتياجهم للماء سواء لأسرهم أو لعملهم في الزراعة وتربية المواشي، واستمرت مشكلة نهب المياه وحرمان أصحابها منها من قبل الاحتلال.
كر وفر
وصل الأهالي مرة أخرى لطريق مسدود، فاختاروا هذه المرة أن يخترقوه بسواعدهم وانتزاع حقهم من فم غول النهب الاحتلالي، فلا خيار أمامهم في معركة يخوضوها وحيدين أمام أعتى احتلال، إلا أن يحصلوا على الكميات التي تلبي احتياجهم، والتي سرقت منهم، في المقابل واجهت قوات الاحتلال استعادة الأهالي لحقهم، بحملات تطلقها كل فترة لإعادة إغلاق فتحات المياه التي أحدثت في الأنابيب الناقلة لجانب الاحتلال، وتدعي سلطات الاحتلال عدم شرعيتها، فيعيد الأهالي فتحها وهكذا في عمليات كر وفر مستمرة.
تصعيد مستمر وخطر "العطش" بات وشيكاً
رغم حملات إغلاق فتحات المياه التي تغذي الأراضي الزراعية من قبل سطات الاحتلال، إلا أنها لم تثنِ الأهالي عن الاستمرار بعملهم الزراعي، استمر الاحتلال بالتصعيد فانتقلوا إلى مرحلة تقطيع الخطوط الناقلة التي تغذي مزارعهم، ومن ثم إلى تغريم الأهالي بمبالغ طائلة بلغت حتى 15 ألف شيقل بحجة سرقة المياه أو التهديد بحرمانهم كلياً من المياه، ومن ثم وصل التصعيد إلى عمليات اعتقال لشباب القرية واتهامهم بسرقة المياه حتى قرر الاحتلال ختاماً نقل الخط الناقل للمياه في محاولة لإبعاده عن متناول الأهالي ومده عبر جبل وبتكلفة بلغت 10 ملايين شيقل.
أنابيب الخط الناقل الجديد
يقول صوافطة " نحن مقبلون على مرحلة خطيرة جداً، فور بدء العمل بالخط الناقل الجديد ستبلغ كميات المياه التي نحصل عليها 80 متر مكعب/ ساعة وهو ما لا يكفي لري 20% من أراضي بردلة".
إن سياسة "التعطيش" التي تمارسها حكومة الاحتلال على الشعب الفلسطيني تشكل كارثة وبالأخص على المزارعين الفلسطينيين الذين يضطرون لشراء احتياجهم من المياه بمبالغ تثقل كاهلهم وهم الذين يواجهون بشكل يومي سياسات الاحتلال المختلفة من مصادرة أراضي، إلى هدم منشآت وغيرها من الأوامر العسكرية. فحسب تقرير نشر على موقع "العساس" فقد بلغ اجمالي استهلاك دولة الاحتلال للمياه حوالي 2100 مليون متر مكعب سنوياً، مقابل 190 مليون متر مكعب تخصص للفلسطينيين في العام، وفي الأغوار على وجه الخصوص تقدر كمية المياه المخصصة ل 10 آلاف مستوطن فقط يستولون على أراضي الفلسطينيين في الأغوار ب 32 مليون متر مكعب مقابل 102 مليون متر مكعب ل 2.7 مليون فلسطيني يعيشون في الضفة الغربية.