انتخابات‭ ‬الكنيست‭… ‬خطاب‭ ‬العقل

بقلم: جواد بولس

من‭ ‬المتوقع‭ ‬ألّا‭ ‬يكفّ‭ ‬بنيامين‭ ‬نتنياهو‭ ‬عن‭ ‬محاولاته‭ ‬لتوسيع‭ ‬دوائر‭ ‬الدعم‭ ‬لحزبه،‭ ‬ولا‭ ‬عن‭ ‬إصراره‭ ‬على‭ ‬تذليل‭ ‬جميع‭ ‬العقبات‭ ‬التي‭ ‬يرى‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬أن‭ ‬تفشل‭ ‬فوز‭ ‬معسكره‭ ‬في‭ ‬الانتخابات‭ ‬المقبلة‭.‬
لم‭ ‬تبدأ‭ ‬مسيرة‭ ‬الجنوح‭ ‬اليميني‭ ‬العنصري‭ ‬في‭ ‬إسرائيل‭ ‬ووصولها‭ ‬إلى‭ ‬حالة‭ ‬الاختمار‭ ‬الفيروسي‭ ‬الخطير،‭ ‬مع‭ ‬بداية‭ ‬طريق‭ ‬نتنياهو‭ ‬السياسية؛‭ ‬لكنه‭ ‬بدون‭ ‬شك‭ ‬أحد‭ ‬أهم‭ ‬وأبرز‭ ‬السياسيين‭ ‬الصهاينة،‭ ‬الذين‭ ‬سعوا‭ ‬بإمعان‭ ‬إلى‭ ‬ترسيخ‭ ‬دولة‭ ‬تتماهى‭ ‬حدودها‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬وعدت‭ ‬به‭ ‬السماء‭ ‬أنبياء‭ ‬بني‭ ‬إسرائيل،‭ ‬وتتحرّك‭ ‬في‭ ‬فضاءاتها،‭ ‬بشهوة‭ ‬وشوق،‭ ‬أرواح‭ ‬ابنائها‭ ‬اليهود‭ ‬الأمينين‭. ‬كانت‭ ‬دوافع‭ ‬نتنياهو‭ ‬في‭ ‬المعارك‭ ‬الانتخابية‭ ‬السابقة‭ ‬قومية‭ ‬نهمة‭ ‬وعنصرية‭ ‬حتى‭ ‬حدود‭ ‬الدم؛‭ ‬وكانت‭ ‬تستهدف‭ ‬إحكام‭ ‬سيطرة‭ ‬اليمين‭ ‬الفاشي‭ ‬المنفلت،‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬مفاصل‭ ‬النظام،‭ ‬ونقلها‭ ‬من‭ ‬كيان‭ ‬يدّعي‭ ‬أنه‭ ‬ديمقراطي‭ ‬ويهودي‭ ‬إلى‭ ‬دولة‭ ‬تفاخر‭ ‬بكونها‭ ‬يهودية‭ ‬نقية،‭ ‬لا‭ ‬يتستر‭ ‬قادتها‭ ‬وراء‭ ‬أي‭ ‬حجاب‭ ‬من‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬الزائفة،‭ ‬ولا‭ ‬تتلوّى‭ ‬مؤسساتها‭ ‬على‭ ‬وقع‭ ‬نايات‭ “‬مجتمع‭ ‬دولي‭” ‬افتراضي،‭ ‬أضاع‭ ‬بقايا‭ ‬ضميره‭ ‬في‭ ‬صحارى‭ ‬العهر‭ ‬البعيدة‭. ‬
ومن‭ ‬المؤكد‭ ‬أن‭ ‬مطامعه،‭ ‬في‭ ‬الانتخابات‭ ‬المقبلة،‭ ‬لن‭ ‬تتغير‭. ‬فنصر‭ ‬أحزاب‭ ‬اليمين‭ ‬العنصري‭ ‬هو‭ ‬غايته؛‭ ‬وإشباع‭ ‬نرجسيته‭ ‬وأناه‭ ‬المنفوختين‭ ‬سيبقى،‭ ‬كما‭ ‬كان،‭ ‬بمثابة‭ ‬تحصيل‭ ‬الحاصل‭ ‬وإنجازه‭ ‬الشخصي‭ ‬المبهر؛‭ ‬لكنه،‭ ‬مع‭ ‬ذلك،‭ ‬يعرف‭ ‬كما‭ ‬نعرف‭ ‬نحن‭ ‬أيضا،‭ ‬بأن‭ ‬تداعيات‭ ‬المعركة‭ ‬المقبلة،‭ ‬بخلاف‭ ‬سابقاتها،‭ ‬ستحسم‭ ‬مصيره‭ ‬الشخصي‭ ‬بالمعنى‭ ‬الدقيق،‭ ‬وليس‭ ‬مصير‭ ‬مستقبله‭ ‬السياسي‭ ‬فحسب؛‭ ‬فمسألة‭ ‬فوز‭ ‬حزبه‭ ‬وحلفائه‭ ‬في‭ ‬الانتخابات‭ ‬وتكليفهم‭ ‬له،‭ ‬بعد‭ ‬انتهائها‭ ‬في‭ ‬الثامن‭ ‬عشر‭ ‬من‭ ‬سبتمبر‭ ‬الجاري،‭ ‬بمهمة‭ ‬تركيب‭ ‬الحكومة‭ ‬الجديدة‭ ‬ونجاحه‭ ‬في‭ ‬ذلك،‭ ‬سينقذه‭ ‬من‭ ‬مواجهة‭ ‬الاتهامات‭ ‬الجنائية‭ ‬الخطيرة‭ ‬التي‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬أدين‭ ‬بها‭ ‬سيسجن‭ ‬وسينهي‭ ‬مسيرته‭ ‬السياسية‭ ‬كمجرم‭ ‬وراء‭ ‬القضبان‭.‬
لن‭ ‬يتورّع‭ ‬نتنياهو‭ ‬من‭ ‬القيام‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬يخطر‭ ‬على‭ ‬بالنا،‭ ‬وما‭ ‬يغيب‭ ‬عنه؛‭ ‬فما‭ ‬زلنا‭ ‬نشهد‭ ‬ما‭ ‬يفعله‭ ‬في‭ ‬الأيام‭ ‬الأخيرة،‭ ‬وما‭ ‬يعد‭ ‬به‭ ‬وكيف‭ ‬يسعى‭ ‬لاستقطاب‭ ‬القادة‭ ‬اليمينيين‭ ‬وضمان‭ ‬أصوات‭ ‬أتباعهم؛‭ ‬وكيف‭ ‬يعلن‭ ‬يوميًا،‭ ‬بدون‭ ‬خجل‭ ‬أو‭ ‬وجل،‭ ‬عما‭ ‬سيدفعه‭ ‬لهم‭ ‬من‭ ‬عوائد‭ ‬مادية‭ ‬أو‭ ‬سياسية،‭ ‬آملًا،‭ ‬بسبب‭ ‬ذلك،‭ ‬أن‭ ‬يضمن‭ ‬تربّعه،‭ ‬مرّة‭ ‬أخرى،‭ ‬على‭ ‬كرسي‭ ‬رئاسة‭ ‬الحكومة،‭ ‬وإلّا‭ ‬فبديل‭ ‬ذلك،‭ ‬كما‭ ‬قلنا،‭ ‬سيكون‭ ‬جلوسه،‭ ‬بصحبة‭ ‬الحسرة،‭ ‬على‭ “‬برش‭” ‬معدّ‭ ‬لكبار‭ ‬الرؤساء‭ ‬المدانين‭ ‬بالجرائم،‭ ‬حيث‭ ‬لن‭ ‬يجد‭ ‬سيجارا‭ ‬ولا‭ ‬شمبانيا،‭ ‬بل‭ ‬نوبات‭ ‬من‭ ‬التنهد‭ ‬وموجات‭ ‬من‭ ‬الوجع‭. ‬
كان‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المقدمة‭ ‬لتوضيح‭ ‬حجم‭ ‬الخطر‭ ‬الذي‭ ‬سنواجهه،‭ ‬نحن‭ ‬المواطنين‭ ‬العرب،‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬نجاح‭ ‬معسكر‭ ‬نتنياهو‭ ‬واستئثاره‭ ‬بمقابض‭ ‬السلطة؛‭ ‬فهو‭ ‬وجميع‭ ‬من‭ ‬معه‭ ‬يعلنون،‭ ‬بلا‭ ‬تأتأة‭ ‬وبشكل‭ ‬لا‭ ‬يقبل‭ ‬التأويل،‭ ‬أن‭ ‬مرحلة‭ ‬تدجيننا،‭ ‬كغرباء‭ ‬عرب‭ ‬في‭ ‬ديارهم،‭ ‬قد‭ ‬انتهت،‭ ‬وعلينا‭ ‬بعد‭ ‬تشريع‭ ‬قانون‭ ‬القومية‭ ‬وأشقائه،‭ ‬أن‭ ‬نقبل‭ ‬باليهود‭ ‬أسيادًا‭ ‬لنا،‭ ‬وأن‭ ‬نحتفي‭ ‬نحن،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬مصلحتنا،‭ ‬بدور‭ ‬ومكانة‭ ‬العبيد‭. ‬قد‭ ‬يظنّ‭ ‬البعض‭ ‬أنني‭ ‬أبالغ‭ ‬عندما‭ ‬أكتب‭ ‬عن‭ ‬فظائع‭ ‬النظام‭ ‬المقبلة،‭ ‬أو‭ ‬أنني‭ ‬أشجّع‭ ‬على‭ ‬تهليع‭ ‬وتيئيس‭ ‬الناس؛‭ ‬لكنني‭ ‬أهيب‭ ‬بمن‭ ‬يجيدون‭ ‬فهم‭ ‬المقروء،‭ ‬أن‭ ‬يراجعوا‭ ‬مجددًا‭ ‬جميع‭ ‬تلك‭ ‬القوانين‭ ‬التي‭ ‬شرّعتها‭ ‬الكنيست‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة،‭ ‬راجيًا‭ ‬ممن‭ ‬شعروا‭ ‬وتحققوا‭ ‬من‭ ‬خطورتها،‭ ‬عدم‭ ‬المراهنة‭ ‬على‭ ‬اعتبارها‭ ‬مجرد‭ ‬نزوات‭ ‬من‭ ‬حبر،‭ ‬ستنسى‭ ‬في‭ ‬خزائن‭ ‬الرحمة‭ ‬الاسرائيلية‭ ‬أو‭ ‬داخل‭ ‬ثنايا‭ ‬التاريخ؛‭ ‬وأدعو،‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه،‭ ‬جميع‭ ‬من‭ ‬أصيبوا‭ ‬بداء‭ ‬التعب‭ ‬واستقراف‭ ‬السياسة،‭ ‬أو‭ ‬لعنة‭ ‬الكسل‭ ‬والخيبة،‭ ‬أو‭ ‬عارض‭ ‬فتور‭ ‬المشاعر‭ ‬والأحاسيس،‭ ‬أن‭ ‬يعدلوا‭ ‬عن‭ ‬قرارهم‭ ‬بمقاطعة‭ ‬الانتخابات‭. ‬يجب‭ ‬الإصغاء‭ ‬جيّدًا‭ ‬لشراسة‭ ‬مواقف‭ ‬زعماء‭ ‬اليمين‭ ‬وأفعال‭ ‬رسلهم،‭ ‬الحاليين‭ ‬منهم‭ ‬في‭ ‬الحكومة‭ ‬أو‭ ‬القادمين؛‭ ‬فمن‭ ‬يسمع‭ ‬عظات‭ ‬أبائهم‭ ‬الروحيين،‭ ‬وفتاوى‭ ‬كهنتهم‭ ‬المتزمتين،‭ ‬سيتيقن‭ ‬أننا،‭ ‬كمواطنين‭ ‬عرب،‭ ‬لا‭ ‬نملك‭ ‬هوامش‭ ‬للتمنّي‭ ‬الواهم،‭ ‬وليست‭ ‬لدينا‭ ‬فرص‭ ‬للمقامرات‭ ‬وللمزايدات‭ ‬والعبث؛‭ ‬فنتنياهو‭ ‬جريح‭ ‬نازف‭ ‬وهو‭ ‬بحاجة‭ ‬حرجة،‭ ‬كي‭ ‬يضمن‭ ‬بقاءه‭ ‬في‭ ‬مقام‭ ‬المواطن‭ ‬الأول،‭ ‬لجميع‭ ‬أولئك‭ ‬الراقصين‭ ‬على‭ ‬الهضاب‭ ‬الساخنة،‭ ‬أو‭ ‬يتدافعون‭ ‬في‭ ‬حملات‭ ‬صيد‭ ‬العرب،‭ ‬كما‭ ‬نراها‭ ‬في‭ ‬شوارع‭ ‬القدس،‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬ساحات‭ ‬العفولة‭ ‬وفي‭ ‬صفد‭. ‬سيسمح‭ ‬لهم‭ ‬نتنياهو‭ ‬وحزبه‭ ‬أن‭ ‬يشفوا‭ ‬غليلهم‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬شراييننا‭ ‬نحن‭ ‬المواطنين‭ ‬العرب،‭ ‬لأنه،‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬مثلهم،‭ ‬فهو‭ ‬يعرف‭ ‬انه‭ ‬بدونهم‭ ‬وبدون‭ ‬بطشهم،‭ ‬سيصير‭ ‬غبارًا‭ ‬على‭ ‬سفوح‭ ‬الماضي‭ ‬وشظايا‭ ‬ذكرى‭ ‬وطيف‭ ‬ذليل‭.‬

ماذا‭ ‬فعل‭ ‬لنا‭ ‬أعضاء‭ ‬الكنيست‭ ‬العرب؟‭ ‬

يتذرع‭ ‬بعض‭ ‬مقاطعي‭ ‬الانتخابات‭ ‬بعدم‭ ‬أهمية‭ ‬التمثيل‭ ‬النيابي‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬الكنيست،‭ ‬فيتخذون،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬هذه‭ ‬المغالطة‭ ‬موقفًا‭ ‬عدميًا‭ ‬يبقيهم‭ ‬يوم‭ ‬الانتخابات‭ ‬في‭ ‬البيوت،‭ ‬أو‭ ‬يخرجهم‭ ‬للاستجمام‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬الشطآن،‭ ‬أو‭ ‬لرحلة‭ ‬شواء،‭ ‬مستغلين‭ ‬يوم‭ ‬العطلة،‭ ‬بصحبة‭ ‬اليأس‭ ‬والنرجيلة‭. ‬لن‭ ‬أعدّد‭ ‬كل‭ ‬الأسباب‭ ‬التي‭ ‬ساعدت‭ ‬على‭ ‬انتشار‭ ‬هذه‭ ‬المقولة‭ ‬وتحوّلها‭ ‬إلى‭ ‬أحد‭ ‬أهم‭ ‬العوامل‭ ‬في‭ ‬تبني‭ ‬قطاعات‭ ‬واسعة‭ ‬من‭ ‬المواطنين‭ ‬العرب‭ ‬لموقف‭ ‬مقاطعة‭ ‬الانتخابات،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬مارسوها‭ ‬لدورات‭ ‬عديدة‭. ‬عملت‭ ‬أجهزة‭ ‬الدولة‭ ‬الموكلة‭ ‬على‭ ‬نشر‭ ‬هذه‭ ‬الفرية‭ ‬بذكاء‭ ‬لافت،‭ ‬ونجحت‭ ‬بترسيخها‭ ‬في‭ ‬جيوب‭ ‬سكانية‭ ‬عديدة،‭ ‬فتبنتها‭ ‬قطاعات‭ ‬واسعة‭ ‬حتى‭ ‬ضاعت‭ “‬طاسة‭” ‬الحقيقة‭ ‬بين‭ ‬داع‭ ‬للمقاطعة‭ ‬عن‭ ‬عمالة‭ ‬وعن‭ ‬إغراض،‭ ‬وبين‭ ‬مضلَّل‭ ‬أو‭ ‬مؤمن‭ ‬بها‭ ‬عن‭ ‬جهالة‭ ‬أو‭ ‬عن‭ ‬يأس‭ ‬أو‭ ‬عن‭ “‬مجاكرة‭” ‬أو‭ ‬عن‭ ‬احتجاج؛‭ ‬وعلى‭ ‬جميع‭ ‬الأحوال‭ ‬فقد‭ ‬ربحت‭ ‬ماكنة‭ ‬الدعاية‭ ‬الصهيونية،‭ ‬من‭ ‬جراء‭ ‬ذلك،‭ ‬معركة‭ ‬مهمة؛‭ ‬وسجلنا،‭ ‬نحن‭ ‬المواطنين‭ ‬العرب،‭ ‬بالمقابل،‭ ‬هزيمة‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬سجل‭ ‬هزائمنا‭ ‬الطويل‭. ‬ساهمت‭ ‬قيادات‭ ‬الأحزاب‭ ‬والحركات‭ ‬السياسية‭ ‬والدينية‭ ‬في‭ ‬رواج‭ ‬ذلك‭ ‬الشعار؛‭ ‬ففي‭ ‬حين‭ ‬كانت‭ ‬ماكنات‭ ‬الإعلام‭ ‬الحكومية‭ ‬الاسرائيلية‭ ‬وأبواقها‭ ‬المحلية‭ ‬تراكم‭ ‬تأثيرها‭ ‬شعبيًا،‭ ‬كانت‭ ‬القيادات‭ ‬العربية‭ ‬غارقة‭ ‬في‭ ‬صراعاتها‭ ‬الداخلية‭ ‬أو‭ ‬تلهث،‭ ‬مستنزَفة،‭ ‬في‭ ‬سباقاتها‭ ‬على‭ ‬مسارات‭ ‬الولاءات‭ ‬الملتبسة،‭ ‬في‭ ‬مشهد‭ ‬ساعد‭ ‬على‭ ‬إبعاد‭ ‬الناس‭ ‬عن‭ ‬تلك‭ ‬الحلبات‭ ‬المزعجة‭.‬
لقد‭ ‬عاشت‭ ‬مجتمعاتنا‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬العجز‭ ‬السياسي،‭ ‬ومن‭ ‬عقم‭ ‬القيادات؛‭ ‬أما‭ ‬اليوم،‭ ‬وبعد‭ ‬إعادة‭ ‬تركيب‭ ‬القائمة‭ ‬المشتركة،‭ ‬وبسبب‭ ‬ظواهر‭ ‬اخرى،‭ ‬كلي‭ ‬أمل‭ ‬أننا‭ ‬في‭ ‬طريقنا‭ ‬للخروج‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬المأزق‭ ‬القاتل‭. ‬لن‭ ‬أكتب‭ ‬هنا‭ ‬في‭ ‬أسباب‭ ‬ذلك‭ ‬الترهل‭ ‬والضعف،‭ ‬لأن‭ ‬مقصدي،‭ ‬ونحن‭ ‬أمام‭ ‬مرحلة‭ ‬مفصلية،‭ ‬هو‭ ‬إقناع‭ ‬هذا‭ ‬الفريق‭ ‬من‭ ‬المقاطعين‭ ‬بضرورة‭ ‬مشاركتهم‭ ‬في‭ ‬التصويت‭ ‬المقبل،‭ ‬لأنني‭ ‬أرى‭ ‬بوجود‭ ‬النواب‭ ‬العرب‭ ‬في‭ ‬الكنيست‭ ‬ومعهم‭ ‬من‭ ‬يدعم‭ ‬قضايانا‭ ‬الأساسية،‭ ‬وحقوق‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬ضرورة‭ ‬بديهية‭ ‬تمارسها‭ ‬ومارستها‭ ‬معظم‭ ‬الأقليات‭ ‬التي‭ ‬تناضل‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬بقائها‭ ‬في‭ ‬وطنها،‭ ‬وحصولها‭ ‬على‭ ‬حقوقها‭ ‬المدنية؛‭ ‬ويكفينا‭ ‬أن‭ ‬نرى،‭ ‬كبرهان‭ ‬على‭ ‬صحة‭ ‬ما‭ ‬قلت،‭ ‬كيف‭ ‬تسعى‭ ‬أحزاب‭ ‬اليمين‭ ‬بكل‭ ‬طاقاتها‭ ‬وخدعها،‭ ‬وتحاول‭ ‬إقصاء‭ ‬الأحزاب‭ ‬والحركات‭ ‬السياسية‭ ‬العربية‭ ‬عن‭ ‬الكنيست،‭ ‬وكذلك‭ ‬تحاول‭ ‬تخفيض‭ ‬نسبة‭ ‬المصوتين‭ ‬العرب،‭ ‬أو‭ ‬سرقة‭ ‬ضعاف‭ ‬النفوس‭ ‬والمنتفعين‭ ‬لصالحها‭. ‬لقد‭ ‬فشلت‭ ‬الاحزاب‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬السابقة‭ ‬بصدّ‭ ‬تلك‭ ‬الدعاية‭ ‬الخبيثة،‭ ‬بصدّ‭ ‬غيرها‭ ‬من‭ ‬الدعايات‭ ‬التي‭ ‬أثّرت‭ ‬سلبًا‭ ‬على‭ ‬روح‭ ‬الجماهير،‭ ‬وأدّت‭ ‬إلى‭ ‬عزوفها‭ ‬وإلى‭ ‬تنامي‭ ‬نداءات‭ ‬المقاطعة‭ ‬بشكل‭ ‬طردي‭ ‬ومقلق؛‭ ‬أما‭ ‬اليوم‭ ‬فيجب،‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬تبقى‭ ‬من‭ ‬وقت،‭ ‬العمل‭ ‬المبرمج‭ ‬والصارم‭ ‬على‭ ‬محاورة‭ ‬أوسع‭ ‬القطاعات‭ ‬المتكاسلة،‭ ‬وإقناعها‭ ‬بأن‭ ‬اهمية‭ ‬مشاركتها‭ ‬لا‭ ‬تتوقف‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬أهمية‭ ‬وجود‭ ‬أكبر‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬النواب‭ ‬العرب‭ ‬وحلفائهم‭ ‬الحقيقيين،‭ ‬بل‭ ‬لأنها‭ ‬أيضًا‭ ‬تعدّ‭ ‬فعلًا‭ ‬ضروريًا‭ ‬من‭ ‬واجب‭ ‬الإنسان‭ ‬الحرّ‭ ‬والواعي‭ ‬ممارسته؛‭ ‬وهي‭ ‬كذلك‭ ‬تعتبر‭ ‬استجابة‭ ‬لحاجة‭ ‬وجودية‭ ‬يمليها‭ ‬العقل،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تحقيق‭ ‬ذات‭ ‬كل‭ ‬فرد‭ ‬فاعل‭ ‬في‭ ‬تحديد‭ ‬صورة‭ ‬وشكل‭ ‬المجتمع‭ ‬الذي‭ ‬سيعيش‭ ‬فيه‭.‬
أدعو‭ ‬إذن‭ ‬الناس‭ ‬للتصويت‭ ‬واحترم،‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه،‭ ‬حق‭ ‬من‭ ‬ينادي‭ ‬بالمقاطعة‭ ‬لأسباب‭ ‬مبدئية‭ ‬أو‭ ‬عقائدية‭. ‬احترم‭ ‬حقهم‭ ‬لكنني‭ ‬لا‭ ‬أوافقهم‭ ‬على‭ ‬نتيجته،‭ ‬لأنني‭ ‬أشعر‭ ‬بأن‭ ‬مقاطعتهم‭ ‬تسهل‭ ‬على‭ ‬قوى‭ ‬اليمين‭ ‬الفاشية‭ ‬تنفيذ‭ ‬مآربها‭ ‬وموبقاتها‭. ‬حول‭ ‬هذه‭ ‬المسألة‭ ‬وحول‭ ‬موقف‭ ‬من‭ ‬يدّعي‭ ‬بأن‭ ‬كل‭ ‬اليهود‭ ‬صهاينة،‭ ‬وبأنّ‭ ‬كل‭ ‬الصهاينة‭ ‬سواسية‭ ‬سوف‭ ‬أكتب‭ ‬لاحقًا،‭ ‬فهل‭ ‬حقًا‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نتعامل‭ ‬مع‭ ‬سموطريتش‭ ‬وأشكاله‭ ‬مثل‭ ‬تعاملنا‭ ‬مع‭ ‬نيتسان‭ ‬هوروفتس،‭ ‬رئيس‭ ‬حزب‭ ‬ميرتس،‭ ‬ورفاقه؟

  جواد بولس

*كاتب‭ ‬فلسطيني