أحيت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في محافظة نابلس الذكرى السنوية الثامنة عشرة لاستشهاد الأمين العام أبو علي مصطفى من خلال ندوة سياسية وطنية أقيمت في قاعة سليم أفندي التابعة للاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين، بمشاركة عدد كبير من الفصائل والشخصيات والمؤسسات والفعاليات من المحافظة، ووفد من مختلف محافظات شمال الضفة، وحشد من جبهة العمل الطلابي التقدمية وحضور نسوي خاصة من اتحاد لجان المرأة الفلسطينية، وعدد من أهالي الشهداء والأسرى.
وتحدث في الندوة كلاً من عمر شحادة القيادي في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والمناضل الوطني الديمقراطي المستقل عمر عساف، وأستاذ الفقه والشريعة المحاضر في جامعة النجاح الوطنية الدكتور ناصر الشاعر.
وقدّم مدير اللقاء الدكتور يوسف عبد الحق المحامي وأستاذ الاقتصاد في جامعة النجاح الوطنية سابقاً مداخلة هامة، استعرض فيها سيرة الشهيد أبو علي مصطفى ونضاله وصولاً لاستشهاده، متحدثاً عن مناقبه كأحد القيادات الذين امتلكوا قوة وصلابة أمثال الحكيم المؤسس د. جورج حبش والقائد المخلص والشجاع الأسير أحمد سعدات " أبو غسان"، مطالباً الحضور بالوقوف دقيقة صمت إجلالاً وإكباراً لروح الشهيد ولجميع الشهداء، ومن ثم عُزف السلام الوطني الفلسطيني.
واستهل القيادي في الجبهة الشعبية عمر شحادة حديثه موجهاً التحية للحضور، مستعرضاً مناقب الراحل القائد أبو علي مصطفى، واصفاً إياه بأنه القائد الشجاع والصلب الوحدوي والند للاحتلال ومشروعه قولاً وفعلاً.
وأشار شحادة إلى أن اغتيال أبو علي مصطفى وقادة الشعب الفلسطيني كان هدفه إضعاف وكسر شوكة المقاومة، لافتاً أن "الجبهة الشعبية، جبهة الشهيد أبو علي مصطفى لقنت العدو الصهيوني درساً لن ينساه حين صرح الأسير الأمين العام أحمد سعدات " العين بالعين والرأس بالرأس" ليثبت أن إرادة الشعب والمقاومة تنتصر على جرائم الاحتلال ومخططاته ومشاريعه التصفوية."
وتحدث شحادة في الجانب السياسي، مؤكداً أن" المدخل الأساسي لتشخيص الأزمة الوطنية المستعصية هي إدراك أن من أهم الأسباب الرئيسة لاستمرار الأزمة هو وجود منظمة وسلطة غير قادرة ولا تستطيع تنفيذ ما هو مطلوب منها وطنياً من إنهاء الانقسام وتنفيذ قرارات المجلس المركزي والوطني بإنهاء العمل باتفاقيات أوسلو وسحب الاعتراف بإسرائيل، وأيضاً عدم الجدية في أن تكون المنظمة المرجعية الوطنية للسلطة ولكل ما يتعلق بالشأن الفلسطيني من خلال استمرار سياسة التفرد والهيمنة على المؤسسة ومقدراتها.
وأضاف شحادة إلى "عدم وجود جدية من قيادة السلطة في بحث هذه القضايا المطروحة من خلال عدم جديتها في تنفيذ قرارات الإجماع الوطني واستمرارها في التعويل على التسوية والمفاوضات، في ظل ظروف إقليمية ودولية ومحلية خطيرة جداً، ومحاولات حرف مسار الصراع العربي الصهيوني من قبل بعض الأنظمة الرسمية العربية إلى صراع آخر، خضوعاً لإملاءات الإدارة الأمريكية والكيان الصهيوني."
ولفت شحادة بأن المحاور التي تتشكل بالمنطقة باتت واضحة، مؤكداً على ضرورة الانتباه كحركة تحرر وطني عربية وأممية من أجل تصويب المشهد السياسي وفق رؤية شعبية وطنية عربية تعزز المقاومة والتمسك بالحقوق الوطنية والقومية الثابتة لا المساومة عليها.
واختتم شحادة مداخلته، داعياً لضرورة تشكيل قوة شعبية ضاغطة تعيد الأمور إلى نصابها، وتنقذ المشهد الفلسطيني من تعقيداته الخطيرة، وتخلصنا من حالة الهيمنة والتفرد التي تضر بشعبنا وحقوقه.
من جهته، قال الدكتور ناصر الشاعر في مداخلته " لا يملك أي سياسي فلسطيني وهو بحضرة شهيد كالشهيد أبو علي مصطفى إلا أن يكون واضحاً وصادقاً وجريئاً ومتفائلاً، فالواقع الفلسطيني يحتاج لإرادة وطنية جادة تحترم تاريخ شعبنا وشهدائه، وتعمل بوصاياهم للخروج من الأزمة، وإن كنا جادين سنخرج من هذا الواقع المأساوي، ومن حالة الإحباط والياس".
وأكد الشاعر بأن من يضع المصلحة الوطنية العليا لشعبنا سينجز وأما من يضع مصالحه الضيقة الخاصة سيحدث ضرراً بشعبنا وقضيته، مشيراً أن ما ينقص شعبنا هو وجود قادة وحدوين كأمثال الشهيد الرفيق أبو علي مصطفى.
وأضاف الشاعر بأن قضية فلسطين جامعة لكل فلسطيني بغض النظر عن لونه وانتمائه ودينه، فلا يمين ولا يسار ولا غيرها من المسميات قادرة أن تحرف مسارنا، فنحن جميعاً أبناء لقضية واحدة وعدو واحد.
وطالب الشاعر بضرورة تشكل إرادة شعبية جماعية فلسطينية قادرة على فرض الحلول، وعدم السماح لأن تبقى همومنا الوطنية محصورة بهذه القيادة أو تلك، مطالباً بحركة وطنية جامعة وضاغطة على أصحاب القرار لإجبارها على الاستجابة إلى الإرادة الشعبية.
وأشار الشاعر أن الاكتفاء بحالة النقد وعدم التحرك على الأرض يساهم في إطالة الأزمة الفلسطينية الداخلية الراهنة، لافتاً من يقرر في شأن الوطن من يضحي لأجله، أما من يريدون أن يضحي الوطن لأجلهم فهم غرباء ولا مكان لهم بيننا.
ودعا الشاعر لضرورة تأسيس أرضية وطنية جامعة لإنهاء كل الملفات العالقة وعلى رأسها إنهاء الانقسام، واستعادة بناء المنظمة، وامتلاك البرنامج الوطني، وإجراء الانتخابات وترك المجال للشعب لاختيار قيادته.
من جانبه، تحدث عمر عساف عن الشهيد أبو علي مصطفى، مستعرضاً دوره على الصعيد الوطني، وخصوصاً سعيه الدؤوب والمتواصل من أجل تحقيق الوحدة بين مختلف الأطر الديمقراطية لتشكل صمام أمان للوحدة الوطنية وللمنظمة، ومن أجل الوقوف أمام نهج الهيمنة والتفرد والاستقواء، ولتعزيز المقاومة باعتبارها الخيار الاستراتيجي لشعبنا.
وأضاف عساف في كلمته، أن الرفيق الشهيد أبو علي مصطفى قالها مراراً " بأن المقاومة هي الخيار الأساسي لشعبنا لمواجهة الاحتلال، وهي العمود الفقري لأي برنامج وطني مشترك".
واستعرض عساف الواقع الفلسطيني، مشيراً أن هناك حالة من التآكل والتراجع الخطير للشرعية التي باتت مهددة كون الأجسام الموجودة الآن لا أساس لشرعيتها وطنياً أو ديمقراطياً، لافتاً أن ما جرى من حل للمجلس التشريعي والقضاء مجزرة حقيقية ضربت أسس الشراكة الوطنية.
وأضاف عساف " نحن أمام قيادة مهزومة ليست مستعدة لدفع ثمن مواجهة الاحتلال، فواقعنا وبفعل هذه القيادات التي تبحث عن مصالحها الخاصة ترسخ الانقسام وتعزز التفرد وتغيب الشراكة".
وأشار عساف بأن هذا الواقع الفلسطيني المؤلم ليس قدراً على الشعب الفلسطيني، ويمكن إفشاله كما أفشلنا مئات المشاريع التصفوية، إلا أن المطلوب هو واضح وبسيط وهو توفر الإرادة، وتحويل الأقوال إلى أفعال، ومعرفة سبل المواجهة، والعودة إلى الشعب الذي تم تغييبه وسلب إرادته من عشرات السنين، خاصة وأن الجميع يقر أننا وصلنا إلى طريق مسدود في كل القضايا وبالتالي يجب العودة للشعب في كل شيء.
وقد تُرك المجال للنقاش والرد على استفسارات وملاحظات الحضور.
واختتم الدكتور عبد الحق اللقاء، بتوجيه التحية لأرواح الشهداء وفي مقدمتهم الشهيد أبو علي مصطفى، موجهاً التحية لكل من شارك في الندوة من الحضور والمتحدثين، مشيداً بجهود الجنود المجهولين من الرفاق بالجبهة الشعبية بمحافظة نابلس الذين ساهموا في ترتيب وتنظيم اللقاء.
وقد تخلل اللقاء بث فيلم وثائقي يستعرض سيرة الشهيد أبو علي مصطفى، نالت مشاعر واستحسان الحضور.