الزمنكان كعلم فيزيائي يَجعلُ الزمان والمكان مفهومان مرتبطان لا يُمكن فصلِ أحدهم عن الآخر، حيث تُنشيء المادة ذاك المفهومان وتُعبر عنهما بشكل محسوس وواضح لا لَبسَ فيه، والإنسان بشكلٍ عام وبعيداً عن مفهوم الروحانيات والغيبية إرتبط وفقا لذلك بشكل طبيعي، فقد ظهر في ظلِّ ذاك الزمان وذاك المكان.
وضمن مفهوم التَدبُّر والتَفكّر، قفَزّتُ عن هذا القانون المُطلق وتجاهلته ووجدت أن "العربي" لم يكن يوما له علاقة بذاك القانون ولا حتى بقوانين الطبيعة ككل ولا تنطبق عليه قوانين المادية التاريخية للفيلسوف "فريدريك إنجلز" ولا حتى لمفاهيم الفلسفة المثالية للفيلسوف "هيغل"...
العربي للأسف إنسان يَرى زمانه ومكانه مرتبط بما سُميَ ب "الفتوحات الإسلامية" زوراً، ولا يتحدث إلا عن "الصحابة" و "إبن تيمية" و "صلاح الدين الأيوبي"، فالعربي لا يرى سوى التاريخ الذي تَلَقَنه وفقا لما تقتضيه مصالح الحاكم والعائلة الحاكمة، ولا يزال يتحدث عن سقيفة "بني ساعدة"، و معركة "الجمل" و "صفين"، بل إنهم مسكونين بمعركة "القادسية" ومعركة "نهاوند"، وهم يُصدقون ذاك التاريخ المُزوّر الذي يؤكد على أن إنتشار ديانة محمد صلى الله عليه وسلم كان بالسيف وبالفتوحات الإسلامية.
إذاً "العربي" يعيش زمان ومكان سيرة "إبن هشام" وكتب "الطبري" وتفاسير وكتب "إبن كثير" وسنن "الترمذي" و "إبن داوود" وصحيحي "بخاري" و "مسلم" و "طبقات إبن سعد"، وغيرها من أمهات الكتب التي بحاجة للتدقيق خاصة أنها جاءت في العصر "العباسي" الذي ساده ترجمة وتزوير هائل، حتى أن اللغة العربية بتنقيطها وقواعدها ونحوها وعروضها وضعها أناس غير ناطقين باللغة العربية، بل هم من جماعة من حاربوهم في "القادسية" و "نهاوند"، بل قصة "معاوية" و "يزيد" وقميص الخليفة "عثمان" بحاجة لإعادة تدقيق لأن الرواية وفقاً للموروث بحد ذاتها تعبير واضح عن صراع بين باطلٍ مُسلم من جماعة "الطُلقاء" وبين الرقم الثاني والأساسي في دين محمد عليه السلام الخليفة العادل والحكيم والفقيه "علي بن أبي طالب"، أما لماذا التدقيق؟ لأن هناك من يقول أن "معاوية" ليس سوى عامل مسيحي للروم على "الشام" وليس وفقا لرواية الموروث.
أعتذر للقاريْ فقد تاه!!!! لكن!
هذا تعبير عن تِيه ليس لمن كتب، بل لكلِ الموروث ولكلِّ الرواية، عندما شكك عميد الأدب العربي "طه حسين" بالشعر الجاهلي، تم مهاجمته، لم يُصدّقوه!!! ولم يكلفوا أنفسهم عناءَ البحث، فالموروث مُقدّس و"إبن هشام" و "الطبري" و "إبن كثير" لا يشوبهم أيُّ شائبه، تصوروا حتى ذاك المدعو "إبن هريرة" أصبح مَرجع للكل ولما يُسمى "الصحيحان"، وحين شكك البعض به، هاجموهم وجعلوا من المدعو "إبن هريرة" من أقرب الصحابة وهو ليس سوى رجلٌ أعمى لقيه رسول الله علية ألف صلاة وسلام في الطريق فأخذه وأجلسه خارج فناء المسجد وفق الموروث ليطعمه فقط، "إبن هريرة" وفق الموروث أصبح والي على ما يسمى الآن "البحرين" في زمن الخليفة "عمر بن الخطاب" وسرق الأموال وعزله الخليفة العادل.
القاريء وفقط من يقرأ، سيسأل: لماذا هذا الكلام؟ وما الداعي له؟
أما جوابي للناطق بالعربية وصاحب النظرة غَيرِ المُسبقة، والذي لا ينظر لكلِر الموروث إلا بعين من الريبة والشك بأني أكتب لأني أرثي سيطرة "الأعراب" على "العروبة"، أرثي حالي وحالَ كلِّ من يُصدّق ذاك الموروث الذي أصبح زماننا ومكاننا.
ولأني فلسطيني الإسم ومن جغرافية سورية الكبرى، وعربي الهوية وأحمل صفة الإنسانية، أو كما قال الإمام علي رضي الله عنه وفقا لمفهوم الأخوة والنظير، فإن زماني ومكاني يقترب لأن يطابق هذا الزمان وهذا المكان، ولا يمكن أن يتماشى مع زمان ومكان موروثكم المُسيّطر عليكم.
ولأني لا أملك إلا بعضاً من الأمل، وبعضاً من بقايا الخالد "عبد الناصر"، وبعضاً من إنسانية "غاندي" وعدالة وفكر الإمام، فإنني أقول: أن زمنكان العربي ليس بزمنكاني، لكني لا زِلتَ أرى "العربي" وفقا لِ "زمنكاني" لأنه يستحق أن يحيا ويعيش لزمن ومكان في المستقبل، لا لزمن ومكان حورياته الموروثة.
ليعذرني القاريْ!!!
بقلم: فراس ياغي