(قرقع بابور البحر، وسمعنا صوته من قاع الواد)
طيرة الكرمل، أو طيرة اللوز، أو طيرة حيفا، بلدة فلسطينية، تقع على بوابات مدينة حيفا، وباتت الآن جزءاً من المدينة، بعد أن كانت قد توسعت قبل النكبة بعدة سنوات باتجاهها، حتى لاصقت المدينة، فتماهى "الطيارنة" مع حيفا المدينة، التي اصطبغت شوارعها كل يوم بالقادمين والعائدين الى الطيرة بين الصباح والمساء.
وهناك في فلسطين بلدتين أيضاً تحملان الإسم ذاته : (طيرة دندن) قضاء الرملة في لواء اللد وهي صغيرة نسبياً. وطيرة المثلث، وتقع في منطقة المثلث، وهي منطقة تقاطع مُثلّث المُدن الكُبرى شمال الضفة الغربية (جنين ونابلس وطولكرم( أي لواء نابلس، تلك المنطقة (المثلث) التي من أهم مدنها الآن (أُمّ الفحم + الطيبة + الطيرة + قلنسوة + كُفر قاسم + باقة الغربيّة) اضافة لنحو 25 قرية مُحتلة منذ العام 1948.
تُعتبر طيرة حيفا، هي الأكبر من بين تلك البلدات التي تحمل الإسم ذاته في فلسطين. ومن أكبر البلدات في لواء حيفا، من حيث عدد السكان، وثانية بلدة في القضاء (لواء حيفا) من حيث المساحة بعد بلدة (إجزم). وقد تعددت أسماء عائلاتها، و(حمولاتها) السكانية، وتداخلت مع بعضها البعض، لذلك بات من الصعوبة بمكان ايراد "كنية" كل عائلة من عائلاتها، اللهم سوى الإشارة الى عائلة السلمان، باعتبار أن عبد الله السلمان كان من مختار الطيرة قبل النكبة.
كانت بلدة طيرة حيفا، حالة مُرهقة لسلطات الإنتداب البريطاني، من حيث فعل سكانها، وانتمائهم الوطني، ومقارعتهم لسلطات الإنتداب، وتصديهم اليومي للهجرات التعسفية الكولونيالية اليهودية باتجاه فلسطين، باستخدام وسائل الكفاح التي نسميها الآن بــ "الكفاح الشعبي" اضافة للعمل العسكري المباشر. وقد انعكست مقاومة الأهالي في تعرضهم الدائم لمعسكر الجيش البريطاني المجاور لبلدة الطيرة، والمعروف باسم (الكامب) الذي كان يتعرض شبه يومياً لأفعال وهجمات رجال المقاومة من شبان طيرة حيفا ومنطقة قرى حيفا بشكلٍ عام.
ومع سقوط مدينة حيفا، ومعظم قراها في الثاني والعشرين من نيسان/ابريل 1948، لجأت الأغلبية الساحقة من "الطيارنة" الى سوريا (مخيم اليرموك + مخيم النيرب + منطقة
دمر بدمشق + منطقة دوما بريف دمشق، حي الأليانس بدمشق...). والى الأردن (مخيم اربد)، ونسبة أقل الى لبنان، وعدد محدود اتجه الى العراق على متن سيارات الجيش العراقي التي نقلت بعد مغادرتها منطقة (مثلث الكرمل) في حيفا جزء من سكانها من قرى (جبع + عين غزال + اجزم)، وبعض سكان قرى منطقة جنين الى العراق، وتحديداً الى (معسكر الشعيبة) على شواطىء الخليج في مدينة البصرة، بحجة أن تلك العائلات تعود لرجال وشبان متطوعين فلسطينيين في صفوف الجيش العراقي (فوج الكرمل الفلسطيني)، ولكن حقيقة الأمر أن نظام نوري السعيد ساعد على تهجير عدد لابأس به من مواطني فلسطين، وسحب القوات العراقية بالتدريج من فلسطين بعد أن قاتلت قتال يشهد له، واستطاعت دحر عصابات الهاجناه، لكن وفجأة جائتها الأوامر بالإنسحاب وترك الأرض لتتدفق اليها عصابات الهاجناه.
يتميّز أهالي طيرة حيفا، بعدد من العلامات الفارقة، أولاً أنهم ينطقون (حرف القاف) كما هو، مقحوفاً قحفاً. ثانياً البساطة وطيبة المعشر، والكرم. ثالثاً الإنتماء الوطني، والمشاركة بالعمل السياسي، وتبوء العديد من ابنائها في مواقع مؤثرة بالعمل الوطني وعلى رأسهم الشهيد فؤاد زيدان (أبو العمرين)، ومحمد عباس (أبو العباس). ورابعاً وجود نسب تعليم عالية ومتقدمة بين الطيارنة،، ووجود حالات متزايدة حصلت على التعليم العالي. وخامساً وجود حالات مشاكسة منهم على الدوام، فحب المشاكسة من طبائع بعضهم، ومن امثلتهم باليرموك المرحوم (العلان) وغيره. وسادساً استخدامهم المتكرر لعبارة "عليَّ الطلاق"، وهو ماحدى بواحدٍ من رجالاتهم لعقد اجتماع للطيارنة في دوما في ريف دمشق، بعد سنوات قليلة من النكبة، لدفعهم لمغادرة العبارة السابقة، فابتدأ قوله : "عليَّ الطلاق اللي بيحلف بالطلاق لن يبقى طيراوي". خامساً توجه عدد كبير منهم للعمل في ميدان صنعة الدهان في سوريا والتفنن بها، وقد حدا بالكثير للقول بأن الشعار العام للطيارنة هو "المشحاف والطاس" حيث جزء لابأس منهم يتناول ذاك "السائل الحيوي" المستخرج من العنب والفاكهة. ويقال في هذا الجانب نقلاً عن جيل ماقبل النكبة بأن شبان وفتيان الطيرة كانوا ينزلون ايام العطل وبكامل اناقتهم، وبالحطة والعقال الى مدينة حيفا لحضور السينما والمسرح والتنزه ... لكنهم يعودون في المساء الى الطيرة وقد خلعوا الحطة والعقال، واخذوا يلوحون بها ...
في الصورة المرفقة، احدى مقاهي حيفا التي كان يرتادها رجالات وشبان الطيرة عند نزولهم للمدينة قبل النكبة. وهو مقهى طيراوي في منطقة السوق القديمة، المنطقة الواقعة خلف السكك الحديدية الشرقية.
بقلم/ علي بدوان