(سطور مقتطعة من نصوص سيرة ذاتية)
وهكذا، وفي مقتبل عمري، ولجت ميدان السياسة، السياسة التي نَظَرتُ اليها باعتبارها أولوية، من الناحية الوطنية، ومن ناحية أنها تجسر الهوة بين القيم الأخلاقية والواقع، مثلما تجسر الثقافة الهوة بين الأفكار والناس، فمن دون سياسة يتحوّل العمل من أجل تحقيق الحرية والمساواة أو العدالة إلى تخصص، بحيث تبحث المرأة بقضايا المرأة، والشاعر بقضايا الأدب... لدرجة أن تختلط الذات بالموضوع، وتتحوّل القضية التي يجري النضال من أجلها إلى هوية وتخصص ونمط حياة، أو إلى ترف ونجومية. وللأسف فقد تحوّلت السياسة في بلادنا وعموم منطقتنا في العقدين الأخيرين إلى شتيمة، وكأنها شيء مقزز يجب تجنب ذكره، وتراجعت السياسة إلى تخصصات وجمعيات وصناديق تمويل. وإذا كانت السياسة في السابق تعني النضال ونكران الذات والعمل الجماعي وتستدعي جهداً كبيراً، فقد تحوّلت اليوم عند الكثيرين، وخاصة عند بعض أدعياء اليسار اللفظي في الساحة الفلسطينية، إلى مبتغى للحصول على موقع أو مكان، حيث جرى خصخصة السياسية إلى جمعيات وجماعات ضغط مع تأزّم السياسة وفشلها عربياً في حل الأزمات العميقة للمجتمعات العربية، وللقضايا الوطنية والقومية، وتراجع شعبية العمل السياسي التقليدي. وتراجعت تلك القوى المحسوبة على اليسار إياه فلسطينياً لدرجة انعدام الوزن، مع بقاء تلك الديناصورات التي تحجّرت في مواقعها، تدافع عنها باستماته، بل وتتفنن في اشتقاق "آليات الكيد والتأمر الداخلي" و "الرزالة" التي تقفز فوق الأخلاق. تلك النواظم التي نشأت عليها، لكنها باتت الآن، وبعد تلك السنوات الطويلة، وكأنها آتية من العصر البريكمبري (ماقبل الحجري).
بقلم/ علي بدوان