في ليلةٍ خريفيّة اجتاحه الملل على غير عادته، فراح أكتبُ نصّا عن امرأة تركته قبل عدة شهور لأسباب تافهة، ورحلتْ مع رجل غنيّ إلى دولة أوروبية، لكنه فهمَ منها بعدما عادت إليه ذات ليلة جنّت فيها الرياح بأنها لم تكن تحبّه.. كانت الرياح في تلك الليلة الخريفيّة تضرب نوافذَ بيته المُهلهل.. صفير الرياح أزعجه، لكنه بقيي غارقا في أفكاره المُضطربة من رحيلِ امرأةٍ منحها كلّ الحُبّ في زمن غابر.. المللُ ظلّ يلازمه تحت ضوءِ إنارة الغرفة المٌكركبة بأوراقٍ بيضاء مبعثرة على أرضيتها التي يعلوها الغبار منذ أن رحلت الخادمة من عنده احتجاجا على عدم رضاها عن راتبها الشهري..
وبعد مرور وقتٍ قصير من بدايةِ كتابته للنصِّ، سمعَ طرقاً على البابِ، فاعتقد للوهلة الأولى بأنّ الرّياحَ تُطيّر عيداناً صوب البابِ الخشبي أو أن الخادمة عادت من جديد، فلمْ يكترث، لكنّ الطّرقَ استمرّ على البابِ، فهرع صوب البابِ ليرى منْ الطّارق؟ فصاح: من على الباب؟ فردّت عليه امرأة بصوتِها المبحوح: أنا، ففتحَ البابَ، ورأى امرأةً تقفُ على البابِ بقصة شعرها القصير، ومن شدّةِ الظّلمة لم يعرفها، فقال ماذا تريدين فردت عليه ولو ألم تعرفني أنا فلانة.. وحين أدخلها إلى غرفةِ الصّالون المكركبة عرفها إنها تلك المرأة لكن تسريحة شعرها جعلتها غير واثق من ملامحها، فقال هذا أنتِ هل عدت؟ فردّت عليه بلى، لقد تركني الحقير وراحَ مع امرأةٍ أجمل مني.. كانتْ تبكي كبكاء الأطفال، فأدخلها وناولها كأسا من الماء، وبعد أن استراحتْ على الأريكة، تنهّدت وقالت: أدركتُ الآن مدى حُبّكَ لي، فأنا أعتذر عمّا سببته لكَ من ألمٍ، فقال لها: لا بأس، وبعد حوارٍ قصير دارَ بينهما، تركها ترتاحُ على الأريكة، وراح يكملُ نصّه الذي بدأه عن امرأة تركته ذات زمنٍ ولّى، لكنها عادتْ، وها هي الآن تحتلّ أريكتي بكلِّ أُنوثتها، وبعدما أنهى كتابة نصّه المجنون، عاد إليها، فنظرتْ صوبه وقالت: ما أروع حُبّكّ! لقد اشتقتُ إلى روحكَ المفعمة بالحُبِّ.. فنظر صوبها وقال: أنتِ سبّبتِ لي كلّ الألم برحيلكِ عنّي، وبت أكتب نصّا عنكِ كل ليلة، فزيارتكِ لي هذه الليلة ليست على البال، لم أفكّر يوما ما بأنك ستعودين إلى هنا، فنظرتْ صوبه وقالت: ألم تسرّكَ عودتي؟ فابتسمَ لها وقال: عودتكِ لي هي كلّ سروري، فكيف لي أن أغفو بلا أنوثتكِ أيتها المتشيطنة في الحُبِّ، صحيح أن عودتكِ ليست على البال، لكنني فرحٌ برجوعكِ، فقالت له أتعلمُ بأنني لم أعطِه جسدي طوال الأشهر الماضية، وبقيت نادمةً على ترككَ، فقال لها أنت امرأة لا تعرفين النوم، إلا معي، لأنَّ الحُبَّ لا يصخبُ إلا من محترفٍ مثلي في صخب الحب حين يعرف كيف يصل إلى قلبكِ من همسات عاشقٍ لامرأة لا تريد إلا الحُبّ، فعودتكِ رغم أنها لم تكن على بالي، لكنني طايرٌ من الفرحِ، الآن سأمزّق النّصّ، الذي كتبته للتّو عنكِ، فكلّ النّصّ مليء بصورِ الحزن، لأنك تركتني في وقتٍ كنتُ فيه محتاجا لحبِّكِ، لكن اعذريني لأنك لم تبق عالقة في بالي، حينما فررتِ مع، فقاطعته، وقالت: معكَ حقّ أيها المحترف في إشعالِ الحبِّ فأنا نادمة لترككِ بلا همساتي وبلا دفئي، هيا سامحني على فعلتي المتهوّرة، أدركُ بأنكَ غاضبٌ، لكنّ الغضبَ سيزول عند أولِ همسةٍ ستسمعها وستطرب لليالي زمان، وستتذكّر طعمَ الحُبّ أعترف بأنني نادمةٌ، هيا تعال نحيي الحُبَّ من جديد....
عطا الله شاهين