اللافت الغريب أن العالم دائماًما يتوقع مخاطر وقف الإمدادات النفطية عبر مضيق هرمز، وتغرق مؤسسات صنع القرار الدولية في البحث عميقاً لإيجاد بدائل لهذا الطريق، فتأتي المفاجأة بطريقة غير تقليدية من قلب المنشأة الأضخم التي تستخرج وتزود العالم النفط وتتسبب بتقليص الانتاج السعودي النفطي بنسبة 50% !
من لا يعرف ما تمثله أرامكو بالنسبة للسعودية والعالم، عليه أن يراجع ماحدث من هلع في اللحظة الاولى بعد مفاجأة الهجوم عليها ليتيقن من قيمتها العالمية، فقد قفزت أسعار برميل النفط عالمياً إلى 20% في سابقة لم تحدث منذ ثلاثين عاماً، ومن ثمَ عاودت الانخفاض تدريجيا لتبقى في حدود زيادة 10%.
أرامكو هي مركز الثقل السعودي المادي والمعنوي وشريان الحياة ليس للسعودية فحسب بل لدول عديدة كالصين واليابان والهند وأوروبا وأمريكا اللاتينية.. فهي الشركة الاضخم والمسؤول الاول على استخراج النفط السعودي والمالكة لثاني أكبر أسطول نقل للنفط والغاز في العالم . وتاريخيًّا أرامكو هي السبب الرئيس في تعيين أول سفير أمريكي في المملكة السعودية عام 1940 لحماية المصالح والعاملين الأمريكان، لأنها كانت شركة أمريكية صاحبة الامتياز في التنقيب عن النفط حتى اشترتها السعودية في العام 1980. وعليه فهي ليست فقط شركة نفط، إنما معلم تاريخي وسياسي واستراتيجي شكَل علاقات السعودية بالخارج وأعطاها ثقلاً وقدرات غير اعتيادية. والهجوم على أرامكو بالنسبة للسعودية هو أشبه بالهجوم على برجي التجارة العالميين في العام 2001 بالنسبة للولايات المتحدة .
وما بين الهجوم المدان على أرامكو ومساحة وإمكانية الرد عليه تتصاعد إلى الواجهة تساؤلات عدة:
الأول يتعلق بتطورات التنافس والتوتر ما بين السعودية وايران وتداعياتها الاقليمية والدولية. فهل يمكن أن تصل الامور الى نقطة اللاعودة بين العدوَين اللدودين؟؟ فلا يوجد سبب أهم وأكبر من المخاطر الاقتصادية لاندلاع حرب في عالم متشابك يعتمد على المال. لكن الرياض تنتظر واشنطن لتتحرك، وواشنطن لن تتحرك فالرئيس الأمريكي أعلنها صراحة أنه ليس معنيَّا بحرب، أما الدفاع عن السعودية الحليف الأقرب في المنطقة فله ثمن وعلى السعودية أن تدفع ! السؤال كم ستدفع وماذا؟؟
والثاني حول المدى الذي يمكن أن تصل اليه تداعيات الهجوم سياسيا واقتصاديا. فالمعلومات تتحدث عن شهور لعودة الانتاج السعودي كما كان قبل الهجوم الذي أبرز نقاط ضعف واضحة في أمن المنشآت النفطية ليس السعودية فقط بل والخليجية بشكل عام، وبالتالي في منظومة أمن الطاقة وأمن المنطقة بالمفهوم التقليدي وتشابكاته العالمية. كما أن احتمالية أي رد عسكري على الهجمات، من المرجح جدًّا، أن تؤدي الى هجمات أخرى على منشآت للطاقة شبيهة في عدة بلدان أخرى. الأمر الذي سيؤدي الى جنون واضطراب سوق النفط.
أما الثالث فهو يتعلق بصيغة الاتهامات، الولايات المتحدة تتهم إيران وإيران تقول ليس نحن بل اليمنييين.. والترجيحات تتصاعد حول أن مصدر الهجمات ليس الجنوب الغربي حيث يتمركز الحوثيون وإنما الشمال الغربي حيث العراق وايران. وإذا راجعنا الأحداث خلال الاسبوعين الاخيرين نلاحظ أهمية توقيت الهجمات حيث جاءت بعد : إشاعات متزايدة تتحدث عن احتمال لقاء وزير الخارجية الايراني بالرئيس الامريكي على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة. عزل جون بولتون مستشار الأمن القومي وزعيم الصقور في البيت الابيض وأحد اكبر مؤيدي إسرائيل وأكبر معارضي أية انفراجة في العلاقة بين إيران والولايات المتحدة. صراع نتنياهو / المحرض رقم 1 ضد ايران في اروقة البيت الابيض والكونجرس/ على رأس اليمين المتطرف من أجل البقاء على سدة الحكم في اسرائيل.
من المستفيد اذاً من تأجيج الوضع في الخليج؟ ومن زيادة توتير الاجواء بين ايران والولايات المتحدة من جهة وايران والسعودية من جهة اخرى وفي هذا التوقيت بالتحديد؟؟ من المستفيد من تدمير قدرات ومقدرات أية دولة عربية؟ لماذا دائما تأتي الظروف والمسببات في صالح إسرائيل ؟؟ ما هذه الصدف الغريبة؟؟.
بقلم/ د. أماني القرم