اشتكى نتنياهو من ارتفاع نسبة التصويت في بعض البلدات العربية عما كانت عليه في الانتخابات السابقة، محذرا من أن نتائج «القائمة المشتركة ستصل إلى 15 نائبا». حدث ذلك منتصف يوم انتخابات الكنيست الأخيرة بعدما ظهرت مؤشرات تدل على التأثير الإيجابي لإعادة تشكيل «المشتركة» على نسبة تصويت فلسطينيي الـ 48 ، وبالتالي على النتائج المتوقعة.
وأراد نتنياهو أن يربط بين هذه المؤشرات وبين تزايد الخطر على مستقبله السياسي من زاوية التنبيه من تحالف ادعاه زيفا بين «المشتركة» وحزب غانتس وأطراف «اليسار»، كي يشحن جمهوره ويستنهض ماكنة حزبه وأحزاب حلفائه الانتخابية لانقاذه من السقوط الذي يتهدده على يد هؤلاء.
نتنياهو يكرر هنا ماصرح به خلال انتخابات العام 2015، عندما عبر عن غيظه من إقبال الفلسطينيين على التصويت لـ«المشتركة» بالقول محذرا أنصاره «العرب يهرولون إلى صناديق الاقتراع»، وكان قد قال أيضا «العرب يتحركون بأعداد هائلة»، في انتخابات نيسان/أبريل الماضي.
أوليا،يشير موقف نتنياهو العدائي الحاد من زخم المشاركة الفلسطينية في الانتخابات لصالح «المشتركة»، إلى بوصلة التوجه الذي تدفع نحوه مكونات هذه القائمة ومقدار تعارضها الحاد مع البرنامج الإستعماري الاستيطاني العنصري الذي يتولى نتنياهو قيادته في هذه الفترة.
وترى القائمة المشتركة في برنامجها أن حل القضية الفلسطينية يجب أن يستند إلى قرارات الشّرعية الدّولية، من خلال إنهاء الاحتلال لكل المناطق المحتلة العام 1967، وإخلاء المستوطنات، وإطلاق سراح الأسرى الفلسطينيّين،وإقامة دولة فلسطينيّة مستقلّة، وعاصمتها القدس، وحلّ لقضية اللّاجئين، بما يضمن حقّ العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم وفق القرار 194.
وترفع القائمة شعار تأمين الحقوق المدنية والقومية الكاملة لفلسطينيي الـ48، وتنادي بضمان المساواة القوميّة والمدنيّة لهم في كافّة المجالات، وتناهض سياسة هدم البيوت، وتطالب بالاعتراف بالقرى غير المعترف بها في النقب، كما تطالب بتوسيع المسطّحات الهيكليّة للمدن وتوفير أراض للبناء ومناطق للصناعة والعمل للفلسطينيين، وتدعم القائمة المشتركة وتناضل من أجل تحقيق مطالب المهجرين الفلسطينيين وحقهم في العودة واستعادة قراهم وأراضيهم المصادرة.
بعيد قيام الدولة العبرية، شجعت الحكومات الإسرائيلية في تلك الفترة الفلسطينيين على التصويت للانتخابات بهدف مزدوج: شقه الأول دعائي يظهر إسرائيل كدولة ديمقراطية تمنح جميع مواطنيها حق الترشح والانتخاب، وشقه الثاني يعبر عن وظيفة هذه «المكرمة» والتي جوهرها تجنيد الأصوات الفلسطينية لصالح الأحزاب الصهيونية وخاصة «المعراخ» (العمل لاحقا) من خلال قوائم مستقلة شكلا وملحقة عمليا بهذه الأحزاب. وتتشكل هذه القوائم من شخصيات إقطاعية وعائلية نشطت من أجل حشد الأصوات لصالح مشكليها. وحصلت الأحزاب الصهيونية بالتالي على مقاعد إضافية في الكنيست بأصوات فلسطينية.
لكن هذه الآلية اختفت مع تبلور المشهد الحزبي والسياسي الفلسطيني في أراضي الـ48 وظهور الأحزاب الفلسطينية التي حملت هموم شعبها ومطالبه في مواجهة سياسات التمييز العنصري والتهميش.وبدأ يتبلور الوجود البرلماني الفلسطيني في الكنيست ويتسع مع استقطاب تأييد وأصوات قطاعات واسعة من الجماهير العربية الفلسطينية في إسرائيل.
لذلك،من الطبيعي ألا تنظر الأحزاب الصهيونية بعين الرضي إلى الدور الوطني المتنامي لهذه الأحزاب ، وخاصة في ظل النهوض الذي عبرت عنه الانتفاضة الفلسطينية الكبرى(1987) في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 ومن ثم «انتفاضة الاستقلال» (2000) والصدى القوي الذي أحدثته في أراضي 48 عندما هب الفلسطينيون في أراضي الـ48 تضامنا مع أشقائهم في مواجهة عسف الاحتلال وجرائمه بحقهم، وشكلت «هبة أكتوبر» نموذجا يعبر بوضوح عن وحدة الشعب الفلسطيني ووحدة أهدافة تحت راية البرنامج الوطني الفلسطيني العام.
ويتفق المحللون على أن تشكيل «القائمة المشتركة» على تأخره (2015) شكل انعطافة نوعية مهمة في العمل السياسي للأحزاب العربية الفلسطينية بعدما اتفقت مكوناتها الأربعة على ذلك، تحت وطأة محاولة تهميشهم من خلال رفع نسبة الحسم في انتخابات الكنيست من 2% إلى 3,25% . وجاءت نتائج الانتخابات لتؤكد صوابية هذه الخطوة، وقد أدى تشكيل القائمة إلى رفع نسبة تصويت الفلسطينيين في الاقتراع، وباتت «المشتركة» القوة البرلمانية الثالثة في الكنيست.
بالنسبة له، يفضل نتنياهو أن تجري الانتخابات وفق نسبتي تصويت شديدتي التباين، واحدة مرتفعة لأنصار الليكود ومن ثم لمؤيدي أحزاب معسكره، وأخرى منخفضة لجمهور خصومة، وعلى وجه الخصوص فلسطينيي الـ48، مؤيدي «القائمة المشتركة»، التي أدى غيابها كقائمة موحدة عن المشهد الانتخابي الماضي إلى تداعيات سلبية كثيرة:
• فقد تراجعت نسبة التصويت بين صفوف فلسطينيي الـ48 من 63% في العام 2015 في ظل وجود القائمة إلى 52% في الانتخابات الماضية مع انفراط عقدها وتنافس قائمتين عربيتين، وانخفض بالتالي عدد نواب أحزاب «المشتركة» الأربعة من 13 نائبا (القوة البرلمانية الثالثة في الكنيست) إلى 10 نواب.
• واستفادت الأحزاب الصهيونية من حالة الإحباط التي ولدها الفشل في إعادة تشكيل «المشتركة»، فزاد «نصيب» هذه الأحزاب من الأصوات العربية ليصل إلى 128 ألفا أي ما نسبته 30% من هذه الأصوات.
لهذا السبب، حاول نتنياهو وحزبه وأطراف معسكره أن يضعوا مايستطيعون من العراقيل للحد من ازدياد نسبة التصويت لدى الفلسطينيين المؤيدين للقائمة المشتركة في هذه الانتخابات، بل وتشجيع مقاطعتهم لها، في الوقت الذي يجهدون فيه من أجل جر مؤيديهم إلى الانتخابات خوفا من سقوط نتنياهو. وعلى الرغم من عدم صدور النتائج النهائية للانتخابات حتى الآن(18/9) إلا أنه من الواضح أن نسبة المشاركة الفلسطينية قد ارتفعت بشكل ملحوظ وأدت إلى زيادة عدد نواب أحزاب القائمة بفعل تشكيلها والتفاف الجمهور الفلسطيني حولها.
غالبية الفلسطينيين من أصحاب حق الاقتراع في أراضي الـ48 قد شاركوا في الانتخابات، وأغلبية هؤلاء الساحقة انتخبوا مرشحي«القائمة المشتركة»، وهذا خيار تبلور لدى الأحزاب العربية الفلسطينية وجماهيرها من موقع الخبرة والِإدراك السياسي لفاعلية هذا القرار وأهميته في الدفاع عن مصالح الجماهير الفلسطينية في أراضي الـ48 وقضاياها.
ولانعتقد أن أيا منا لديه القدرة كما هي لدى فلسطينيي الـ48 وأحزابهم على تحسس أوليات المهام ومحاور العمل وأساليبه في سياق نضالهم الدؤوب في مواجهة سياسات التمييز العنصري والتهميش وتجديد النكبة عبر مخططات الاستيلاء على ماتبقى لديهم من أرض وأملاك.
بقلم/ محمد السهلي