حذّر خبراء في قطاع غزة أمس الأربعاء من مساعٍ أمريكية واسرائيلية لتعريب وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) وإضعافها؛ عبر الضغط على المانحين لوقف مساعداتهم المالية.
جاء ذلك خلال لقاء سياسي بعنوان "الأونروا إلى أين في ظل الأزمة المالية وتحقيقات الفساد؟" نظّمه مجلس العلاقات الدولية - فلسطين بمدينة غزة، بحضور ممثلين عن الفصائل ومحللين سياسيين.
وقال المجتمعون إن "أونروا لا تمر بأزمة مالية بل سياسية، افتعلتها الإدارة الأمريكية؛ تمهيدًا لتنفيذ صفقة القرن وتصفية قضية اللاجئين وإنهاء عمل وكالة الغوث الدولية".
وقال باسم نعيم رئيس مجلس العلاقات الدولية بأن هناك إجماع على أن الأزمة الحقيقية هي أزمة سياسية، وتعكس المؤامرة الصهيوأمريكية لشطب الوكالة على طريق شطب ملف اللاجئين،.
وأضاف نعيم بألا قلق في المستقبل القريب على استمرار عمل الوكالة ونتيجة التصويت على استمرار التفويض في الجمعية العامة في ديسمبر القادم لكن التخوف الحقيقي هو في تآكل الالتزام الدولي لصالح اللاجئين بالتدريج تحت الضغط الصهيوأمريكي.
وأكد نعيم بأن الأونروا هي الشاهد المادي الحي على حق اللاجئين والتزام المجتمع الدولي تجاههم، ولذلك يجب الدفاع عنها وعن استمرار عملها بكل السبل، بل وتطويره ليشمل أبعاد أخرى كالحماية والحقوق السياسية.
من جانبه قال الباحث في مركز اللاجئين للتنمية المجتمعية سمير أبو مدللة، إن العجز المالي ملازم للأونروا منذ تأسيسها، ولكن مع توقيع اتفاقية أوسلو عام 1993 بدت المحاولات واضحة لإنهاء الوكالة وإلقائها في حضن الدول العربية والسلطة الفلسطينية.
وذكر أبو مدللة أن جوهر أزمة أونروا سياسية؛ "لأن إنهاء الأونروا سينهي قضية اللاجئين".
وأوضح أن أونروا مؤسسة مؤقتة في تعريف الأمم المتحدة؛ إذ يتم التجديد لها كل 3 سنوات، "وهذا يدفعنا للتساؤل لماذا لا تكون موازنتها دائمة مثل اليونسكو والفاو؟!"
وأشار إلى أن موازنة أونروا هذا العام بلغت مليار و163 مليون دولار، "وهي لا تذكر أمام موازنات الغرب في الحروب؛ إذن جوهر الأزمة سياسي وليس مالي، والهدف إنهاء أونروا".
وفي عام 2010 بلغت الموازنة العامة للأونروا 863 مليون دولار، في حين أنها وصلت في 2014 إلى 732 مليون، أما موازنتها في عام 2015 فوصلت 744 مليون دولار، والعام الجاري وصلت إلى 749 مليون.
وتساءل أبو مدللة: "ما بعد العدوان الإسرائيلي عام 2014 على غزة كانت يجب أن تزداد الموازنة وترتقي للخدمات والوضع السيء بغزة لكنها لم تزدد".
ولفت إلى أنه "يوجد إهدار كبير لأموال الأونروا"، مضيفًا أنه "في عام 2014 كان لدى أونروا 174 موظّفًا دوليًّا، وفي موازنة أونروا لعام 2015 ارتفع عددهم إلى 182، والعام الجاري أصبحوا 211 موظفًا".
وتحدث أبو مدللة عن وجود "استنزاف كبير لأموال أونروا"، لافتًا إلى أن "متوسط الدخل للموظف الدولي يصل إلى 138 ألف دولار سنويًا، بحسب تقارير لوكالة الغوث".
وأضاف "نحتاج للعمل على مستويين، الأول: كيف نقلل المصاريف المالية للأونروا مقابل زيادة الخدمات للاجئين، والثاني التحرك على المستوى السياسي والعمل على تقليل الضغوط على الوكالة؛ خشية أن تصبح الأونروا مؤسسة عربية ترتمي في حضن العرب".
مساعٍ لإضعافها
أما مدير عام "الهيئة 302 للدفاع عن حقوق اللاجئين" علي أبو هويدي فأشار في مداخلة له عبر الفيديو كونفرانس إلى أن اللقاء يأتي بعد يوم واحد من انطلاق دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة للتجديد للأونروا، في ظل تحديات معقدة تتعلق بذلك.
وبيّن أبو هويدي أن عملية المشاورات بدأت من هذا الأسبوع وتستمر الأسبوع القادم، وفي 24 من الشهر الجاري سيعقد لقاء لـ97 دولة من أجل المزيد من المشاورات للبدء في عملية التصويت التي تبدأ في الأول من نوفمبر/ تشرين ثاني وحتى التصويت النهائي في الأول من ديسمبر/ كانون أول لعام 2019.
ولفت إلى أن "ما يثير قضية اللاجئين ليست أونروا؛ بل عملية استبدال وكالة الغوث واستهدافها في مقدمة لتصفية قضية اللاجئين".
وقال: "تدرك إسرائيل وأمريكا أنه ليس بمقدورهما شطب أونروا؛ لأن قرار تفويضها جاء من الجمعية العامة للأم المتحدة، لكن هناك مخاوف من عملية إضعافها وهذا ما يحدث الآن".
وأكد أبو هويدي أن الإدارة الأمريكية والاحتلال الإسرائيلي لا يترددان في استغلال أي فرصة للضغط على الأمم المتحدة لخفض الدعم المعنوي والمالي لأونروا.
وعلى صعيد تحقيقات الفساد لدى الأونروا، شدد على أهمية الإسراع في الكشف عن نتائج لجنة التحقيق الأممية، للضغط على الدول المانحة للمضي بطريقها في دعم أونروا.
وقطعت قبل نحو شهر كلاً من هولندا وسويسرا وبلجيكا مساعداتهم المالية عن أونروا بداعي وجود شبهات فساد لدى وكالة الغوث الدولية؛ الأمر الذي اعتبره اللاجئون مخططًا لتصفية أونروا وقضية اللاجئين.
أما فيما يتعلق بالعجز المالي، أشار أبو هويدي إلى وجود عجز يصل إلى 120 مليون دولار، مُعبّرًا عن أمله أن يتم تغطية هذا العجز بشكل مهني يوم 26 سبتمبر/أيلول الجاري خلال مؤتمر المانحين.
وذكر أن هناك تحديات تتمثّل بنزع شرعية اللاجئين؛ لافتًا إلى أنها "ليست المرة الأولى، فإذا ما رجعنا لعام 2013 كانت هناك مساعٍ أمريكية لوقف توارث اللاجئين لصفة اللاجئ".
وقال "إن المفوض العام للأونروا يتحدث عن دعم دول عربية لسد العجز؛ لكننا لا نريد تعريب الأونروا، ولا نريدها أن تنتقل للدول العربية والسلطة الفلسطينية والمؤسسات الأهلية، ذلك يعني انتزاع المسؤولية الدولية تجاه قضية اللاجئين".
وأكد أبو هويدي أن المطلوب الآن لحماية أونروا تحرك الرئيس الفلسطيني محمود عباس والسلطة الفلسطينية لتحمل مسؤولياتهم تجاه قضية اللاجئين، ودفعها بشكل قوي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة.
ودعا إلى تعزيز مسيرات العودة، وتفعيل الانتفاضة الشعبية بالضفة للضغط على الاحتلال للتراجع عن مخططاته الهادفة لتصفية قضية اللاجئين.
تفويض أونروا
أما المتحدث الإعلامي باسم أونروا عدنان أبو حسنة فقال إن عملية تفويض أونروا تتم عبر ثلاث مراحل تبدأ خلال أيام بحضور رؤساء دول ووزراء خارجية في نيويورك، إذ ستتم نقاشات حول تفويض أونروا وأهميتها.
ويبدأ التفويض في الأول من نوفمبر/ تشرين ثاني المقبل من خلال لجنة مصغرة لمكافحة الاستعمار؛ لكن التفويض الحقيقي يبدأ في الأول من ديسمبر/ كانون أول من خلال التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة لتقرير مستقبل الوكالة، والتجديد لها لثلاث سنوات مقبلة.
ولفت أبو حسنة إلى أن وكالة الغوث الدولية لا تملك صلاحية تجديد تفويضها؛ بل من خلال تصويت الدول الأعضاء في الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وذكر أن التحديات المالية واجهت أونروا منذ عام 2018 حين قررت أمريكا تقليص مساعداتها من 360 مليون دولار موازنة سنوية إلى 60 مليون دولار فقط.
وقال: "بعد ذلك باتت أونروا منظمة فاسدة ويجب أن تنتهي، وكان موقفنا واضحًا أن قطع المساعدات هو سبب سياسي له علاقة بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس".
وأضاف "واجهنا عجزًا كبيرًا بلغ 446 مليون دولار وهو عجز وجودي؛ أي منظمة تفقد 40% من ميزانيتها يعرضها ذلك للانهيار، لكن أونروا بعد ذلك استطاعت أن تسد هذا العجز تمامًا".
وتساءل أبو حسنة "أمام التفويض الجديد للأونروا هل نحن متفائلون أم متشائمون؟".
وقال "هناك قلق يساورنا من طبيعة المنطقة والأحداث؛ لكن هناك تأييد كبير للأونروا ودورها في التفويض المقبل".
وحول ملفات الفساد في وكالة الغوث، قال أبو حسنة إن هناك ادعاءات حول ذلك، يتم التحقيق بها من خلال فريق في الأمم المتحدة، ولم تصل لأي نتائج حتى اليوم.
وأوضح أن أونروا ليست المنظمة الوحيدة التي يوجد بها ادعاءات وتحقيقات؛ "لكن بمجرد وجود هذه الادعاءات تفاجأنا أن مبعوث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للشرق الأوسط جيسون غرينبلات يطالب بتصفية أونروا".