الاعلام الجديد والسيطرة الأمنية الإسرائيلية

بقلم: سري القدوة

تعمل حكومة الاحتلال الاسرائيلي وأجهزة مخابراتها على توظيف علاقاتها مع «فيسبوك» لمحاربة المحتوى الفلسطيني في الفضاء الالكتروني الأزرق وعبر وسائل الاعلام الجديد، فى محاولة منهم الى مراقبة كل الافعال ورد الفعل حول صفقة القرن الامريكية، وخلال العام الماضي قامت ادارة الفيسبوك بفرض قيود على صفحات تعود للإعلاميين ومؤسسات اعلامية فلسطينية وذكرت مؤسسة «إمباكت الدولية لسياسات حقوق الإنسان» في تقرير لها، شكاوى الفلسطينيين من «قيود تفرضها فيسبوك» على المحتوى الخاص بهم ووجود ارتباط مصالح اقتصادية بينها وبين حكومة الاحتلال الاسرائيلي.
وشهدت مؤسسة الفيسبوك الامريكية خلال الاعوام الاخيرة نموا حولها إلى شركة ضخمة توظف عشرات الآلاف من الأشخاص، الأمر الذي تطلب من الشركة توسيع أعداد عملائها، والسعي إلى التوسع خارج حدودها المحلية لتتوسع عالميا، حيث تمكنت الفيسبوك من افتتاح مواقع ومراكز اقليمية للمتابعة وانتشار لمقراتها الإقليمية لشركات متعددة الجنسيات، حيث يتيح لها عدة مزايا مثل جلب المزيد من الاستثمار وخلق فرص عمل وربط الأشخاص العاملين هناك بكل أنواع الخبرة لدى الشركات الوطنية والمتعددة الجنسيات الأخرى العاملة هناك، وضمن هذا التوسع سعت سلطات الاحتلال الاسرائيلي الى استضافة مقر إقليمي لشركة فيسبوك، أتاح لها التأثير بشكل متصاعد على المحتوى الفلسطيني ووصل حد اعتقال العشرات من الفلسطينيين بسبب ممارستهم لمجرد حقهم في حرية التعبير.
وتحت مسمى المعايير وإزالة المحتوى اقدمت شركة فيسبوك ودون سابق انذار على تغييرات في الطريقة التي تتعامل بها مع إزالة المحتوى من الصفحات التي تنتهك معايير المجتمع الخاصة بشبكتها الاجتماعية، وكذلك عندما تقوم الصفحة او الاشخاص بنشر مواد تصنفها خدمات التحقق لدى الفيسبوك بأنها كاذبة، وتحت هذه الذرائع اقدمت ادارة الفيسبوك بوقف كل الصفحات التى تفضح جرائم الاحتلال وتنتقد العنصرية الاسرائيلية او تكشف صفقة القرن الامريكية وتفضح السياسة الامريكية والتميز فى التعامل ما بين الدول والحكومات والأشخاص، وقد اصدرت نقابة الصحافيين الفلسطينيين بيانات اعلامية بالإضافة الى صحافيين ومؤسسات اعلامية وجهات وفصائل سياسية وأحزاب ونقابات وتيارات من المجتمع المدني نددت من خلالها بسياسة الفيسبوك والتميز في التعامل مع المحتوى والتدخل المباشر وإغلاق الصفحات التي تتعارض مع سياسات الاحتلال الاسرائيلي، وقدمت العديد من الشكاوى عبر منصات التواصل الاجتماعي الفلسطينية والعربية استنكرت التدخل في ادارة المحتوي ومن تقييد المحتوى الفلسطيني على فيسبوك، وهو ما يمكن ربطه بضغوط حكومة الاحتلال وتدخلها المباشر فى عمل شركة الفيسبوك وخاصة بمقرها لدى دولة الاحتلال الاسرائيلي.
وانه من الملاحظ بان عمليات اغلاق الحسابات الفلسطينية كانت تتم اثر تكرار زيارات لكبار المسؤولين في شركة فيسبوك لسلطات الاحتلال والتعهد من قبلهم وإبرام اتفاقيات بين الجانبين بدعوى محاربة التحريض؛ ما أسفر عن تقييد شديد للمحتوى الفلسطيني في وقت نادراً ما تم التعامل مع المحتوى الإسرائيلي الذي يدعو إلى نشر الكراهية والعنصرية والدعاية ضد الفلسطينيين.
وقد وثقت مراكز حقوقية فلسطينية بان شركة فيسبوك أغلقت منذ مطلع العام الجاري عشرات الصفحات لإعلاميين ونشطاء فلسطينيين من الضفة الغربية وقطاع غزة، وأن «معظم الصفحات التي أُغلقت تحظى بمتابعات واسعة، ولم يتلق أصحابها أي إنذارات مسبقة، أو تفسيرات واضحة تبرر إقدام شركة فيسبوك على خطوة الإغلاق، وفى تقرير صادر عن هيئة شؤون الأسرى والمحررين في منظمة التحرير الفلسطينية تطرق قيام سلطات الاحتلال العسكري الاسرائيلي باعتقال ما يزيد على 350 فلسطينياً خلال العام 2018، بينهم صحفيون وكتاب بسبب منشورات وشعارات أو نشر ملصقات وصور شهداء وأسرى على صفحات فيسبوك، وأحيانا بسبب مشاركة وتسجيل إعجاب لمنشورات آخرين.
إن استمرار إغلاق الصفحات الفلسطينية يؤثر سلباً على حرية الرأي والتعبير، كما أنه يؤثر سلباً على قيم التواصل الاجتماعي؛ لأنها باختصار تندرج في إطار كتم الأصوات وقمع الحريات العامة، وإن إدارة فيسبوك تتعمد إغلاق عشرات الصفحات الفلسطينية الشخصية دون سبب واضح في أغلب الأحيان ودون تنبيه لهذه الصفحات كما هي القوانين المتبعة والمعروفة لدى إدارة الشركة، حيث تحول منصة فيسبوك المهمة من منصة للوعي والتبادل المعرفي إلى منصة أمنية تتخذ إجراءات تخدم سياسات حكومة الاحتلال وأجهزة مخابراتها وتتنافى مع منظومة حقوق الإنسان العالمية، في ظل وجود المئات من المواقع الإسرائيلية التحريضية على فيسبوك، دون أن يتخذ بحقها أي إجراء، وهذا يدلل أن هناك سياسة الكيل بمكيالين ويؤكد أن ما تقوم به إدارة فيسبوك يخالف كل القوانين والأعراف وتنتهك بشكل واضح الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
أن حكومة الاحتلال تعمل بالاتفاق والتعاون مع إدارات مواقع التواصل الاجتماعي، خصوصا فيسبوك على محاربة المحتوى الفلسطيني، وفي مقدمة ذلك عمليات حظر واسعة لحسابات صحفيين ونشطاء فلسطينيين بدعوى التحريض على الإرهاب، وان تلك السياسات التى تمارسها مؤسسة الفيسبوك تخدم اغراضا سياسية وتشجع طرفا على حساب الاخر ويعد ذلك مساسًا جسيمًا وخطيرًا بالحريات الإعلامية واستجابة لمواقف حكومة الاحتلال الاسرائيلي بشأن ما تعتبره تحريضًا عليها أو ضد سياساتها وقمعها وتنكيلها للشعب الفلسطيني، حيث تستمر ادارة الفيسبوك بالتضييق على المحتوى الفلسطيني، ضاربة بعرض الحائط كل المعايير والأخلاقيات المهنية والحقوقية في تعاملها مع المحتوى الفلسطيني وخصوصيته كشعب واقع تحت الاحتلال.
إن إغلاق حسابات الإعلاميين الفلسطينيين باتت سياسة واضحة لإدارة الفيسبوك خدمة لأطراف الاحتلال الإسرائيلي وعملائه، وتدخل إدارة الفيسبوك وقيامها بحذف المنشورات أمر غير مفهوم وتدخل في الحرية الشخصية ويتناقض مع مفهوم حرية الإعلام الجديد، ومن منطق حرية الاعلام وممارسة حرية التعبير ومن خلال احترام مواثيق الامم المتحدة وحقوق الانسان وخاصة المواد التى تتعلق بحقوق النشر وتلقي المعلومات فانه يتوجب على الشركات متعددة الجنسيات مثل فيسبوك، الالتزام بالضوابط الأخلاقية الخاصة بها والتي تدعو إلى تعزيز حرية التعبير ورفض الكراهية والعنف واحترام كرامة الإنسان وحياته، وأننا ندعو إدارة الفيسبوك أن تكون حيادية فى تعاملها مع قضايا الشعوب وحرية الرأي وان لا تخضع لإدارة وقبضة الإعلام الصهيوني والإرادة الأمريكية.


بقلم : سري القدوة
سفير النوايا الحسنة في فلسطين
رئيس تحرير جريدة الصباح الفلسطينية
[email protected]