اثارت القرارات الأخيرة المتتابعة المتعلقة بالشأن القضائي المزيد من عدم اليقين بان اصلاح الجهاز القضاء ممكنا أو أن العملية الإصلاحية قد تنجح. فعلى الرغم من أن قرار المحكمة قد ألغي القرار بقانون رقم 16 لسنة 2019 المتعلق بتخفيض سن تقاعد القضاة الى سن الستين عاما، الا ان مراسيم رئاسية، بناء على تنسيب مجلس القضاء الأعلى الانتقالي، صدرت بعد قرار المحكمة الدستورية بإحالة بعض القضاة الى التقاعد المبكر.
تشير نتائج استطلاع الرأي العام الذي أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية مؤخرا الى انعدام الثقة بالجهاز القضائي حيث تقول أغلبية من 65% في الضفة الغربية أنها لن تحصل على محاكمة عادلة لو وجدت نفسها أمام محكمة فلسطينية. وتقول نسبة 72% في الضفة أن عمل القضاء والمحاكم في فلسطين يشوبه الفساد أو عدم الاستقلال أو يحكم بحسب الأهواء.
لكن الجمهور بدا منقسما حول قرار الرئيس عباس بشأن السلطة القضائية ان كان ضرورياً، حيث وافقت على ذلك نسبة من 43% وعارضته نسبة متطابقة. كما أبدى 42% من الجمهور الفلسطيني رضاه، مقابل نفس النسية أبدت عن عدم رضاها، على قرار الرئيس عباس بخفض سن التقاعد للقضاة وعزل مجلس القضاء الأعلى وتشكيل مجلس قضاء انتقالي جديد.
إن التوقع بنجاح عملية الإصلاح مرهونة بأداء مجلس القضاء الأعلى وسلوكه وتعامله مع المسألة الرئيسية المتعلقة بمبدأ المحاسبة كإطار أساسي لتحقيق العدالة، وتوفير قواعد ناظمة للعمل في الجهاز القضائي فالعقاب والثواب "المكافأة" باحترام المنظومة القانونية لتحقيق صوابية القرار الإداري من ناحية وعدم الزج بالهيئات القضائية بخلافات أو قضايا تؤثر الجدال من جديد حول تحقيق العدالة من ناحية ثانية، وتوفير أسس لثقة الجمهور بالعملية الإصلاحية بمجملها من جهة ثالثة حيث ان نسبة من 49% تقول إن مجلس القضاء الانتقالي لن ينجح خلال سنة أو سنتين في إصلاح القضاء وتقول نسبة من 36% أنه سينجح في ذلك. ما يجعل مجلس القضاء الانتقالي أمام تحدي مزدوج صوابية الإجراءات واحترامها لمبدأ المشروعية والحصول على ثقة الجمهور الفلسطيني.
ان طريقة التعامل مع القضاة في القانون رقم 16 لسنة 2019 بالإقصاء الجماعي يعني انطباق المثل “راح الصالح بعروى الطالح"، وأما المراسيم التالية تضع القضاة تحت مقصلة التقاعد المبكر الذي سيؤثر على استقلال القضاة والخوف على حصانة القضاة أنفسهم. في ظني أن كلا الامرين "الإجراءين" جانبا الصواب، ليس لأننا غير مقتنعين بعملية الإصلاح وضروريتها واهميتها بل لان عملية الإصلاح ينبغي أن تسلك طريق تفعيل المحاسبة كمبدأ أصيل للعملية برمتها.
جهاد حرب