منذ معركة الجمل وصفين والعرب منشغلون بتبادل الموت في سبيل الحكم والسيطرة على مقاليد الامور والاستحواذ على السلطة المطلقة ليس لأجل الدين أو الشعب او الوطن او المبادئ والافكار ولذا تهاوت الدول الواحدة تلو الأخرى مهما تمكنت من الصمود وسميت الدول بأسماء حكامها وبعيدا عن الدولة الراشدية التي جرى اغتيالها علنا بدء نظام وراثة لا يمت للإسلام بصلة لا من قريب ولا من بعيد بل عاد بنا الى العصر الجاهلي وعصر حكم القبائل الكبيرة فظهرت دولة بني امية والعباسيين والفاطمية أو العبيدية نسبة الى عبيد الله المهدي بالله ودولة الأغالبة نسبة الى " بنو الأغلب " في شمال افريقيا والدولة الطولونية نسبة الى احمد بن طولون في مصر وهكذا الى ان وصلنا الى الدولة العثمانية نسبة الى آل عثمان والتي ادى انهيارها وغيابها كليا بعد الحرب الاستعمارية الاولى خضوع المنطقة العربية برمتها للاستعمار الاوروبي بأشكال مختلفة لتستمر تلك الفترة الاستعمارية الى ما بعد الحرب الاستعمارية الثانية وهي مرحلة الاستقلال للدويلات العربية وتدمير الحلم العربي بالوحدة.
لم يأتي استقلال الدويلات العربية كنتيجة حتمية لثورة حقيقية ادت فعلا الى كنس المستعمرين ومصالحهم بل جاءت في معظم حالاتها كنتيجة لتوافق بين المستعمرين والحكام فيما عدا قلة قليلة لم يحدث بها ذلك ففي مصر لم يخرج الانجليز بل تعايشوا مع النظام الملكي هناك وفي مرحلة ما بعد الاستقلال كان انقلاب الضباط الاحرار والذي لم يرقى الى مستوى ثورة شعبية حقيقية وجذرية بل كان انقلابا عسكريا اخضع مصر ولا زال لحكم الجيش فمن عبد الناصر الى السادات الى مبارك الى السيسي ولم يحدث أي انتقال سلمي للسلطة بشكل ديمقراطي طبيعي فبعد الموت المفاجيء لعبد الناصر ومجيء انور السادات بشكل دستوري لم يلبث ان انقلب على رفاق دربه في عملية تطهير قلبن بنية النظام وشكله كليا وبعد مقتل السادات جاء مبارك بشكل دستوري ليلغي ولعقود أي احتمالية للتغيير ولم يغادر الحكم الا بانتفاضة شعبية لم ترقى الى مستوى ثورة لتجهض بانتخابات ارتجالية لم تدم نتائجها طويلا ليعاود الجيش من جديد الامساك بالسلطة وطرد الرئيس المدني الوحيد الذي وصل للحكم بانتخابات دستورية, ما جرى في مصر تكرر في العراق بثورة الضباط الاحرار بقيادة عبد الكريم قاسم وبانقلاب اثر انقلاب الى ان كانت حرب الخليج واحتلال العراق بترحيب شعبي للأسف مما الغى اية احتمالية لفعل ثوري ذهب بنظام صدام بل بفعل احتلالي جعل من القوى السياسية خائنة لبلدها وقدمت كل العراق هدية للإمبريالية ومصالحها وبدل الحكم الديكتاتوري لصدام حظيت العراق بحكم فاسد وخائن لخدمة امريكا ومصالحها, هذه الصورة تكررت في عديد الدول العربية الى ان جاء ما سمته الامبريالية بالربيع العربي وحظي برعايتها.
ما الذي جاء به الربيع العربي سوى الدمار وتكريس الدور الامبريالي في المنطقة والغاء اية احتمالية للتطور على المدى المنظور وتحويل الفعل الشعبي والارادة الشعبية الدهماء الى خطر على بلادها بعد ان تمكنت قوى الظلام والامبريالية من تسييرها لخدمة مصالحها ومنذ البدايات اريد لهذا الربيع ان لا يكون ثورة وان لا يمتلك رؤيا ولا برنامج ولا قيادة ولهذا لم يساهم ابدا في نقل حال العرب الى الامام فلا زالت ليبيا في حال من الدمار والفوضى ولا زالت المؤامرة على سوريا متواصلة لتدميرها واخضاعها واحداث اليمن تتواصل بأبشع اشكال التدخل السافر لأمريكا لتدمير جميع الاطراف خدمة لمصالحها وتسويقا لسلاحها فلا احد من العرب تمكن من تحقيق ما يسعى اليه وطنيا وقوميا بل كانت الجائزة الكبرى لتدخل اكثر سفورا وعانية في شؤون العرب من قبل كل ما هو اجنبي وفي المقدمة خدمة لمصالح الغير وظهر العرب كمجموعة من الدهماء يشترون سلاح الغير لقتل بعضهم ويساهمون في تطوير وتقدم غيرهم على حساب بلادهم خيرات ودم.
بالتالي فان أي تغيير لا يمكن له ان يعيش ولا ان يكون الا بثورة شعبية اجتماعية اقتصادية سياسية حقيقية تؤسس لبناء مجتمع ديمقراطي مدني يعتمد نظام المواطنة اساسا لكل معايير الحكم القائمة على النزاهة والشفافية والحكم الصالح وبدون ذلك فان سيطرة الاستعمار وقوى الاحتكار السياسي والاقتصادي على كل مقدرات امة العرب ستجعل كما جعلت من قبل من الدونية والتبعية نظام مرادف لاسم العرب دون غيرهم من الامم وبدل ان يؤسس الربيع العربي مثلا لظهور قوى تقدمية وثورية وتجذير الرؤى المعادية للصهيونية والامبريالية في الوطن العربي ظهر بشكل لافت ومخزي ما يدلل على انهيار قيمي واخلاقي اكثر وفي المقدمة القبول بالإهانات المتواصلة من قبل امريكا وادارتها للعرب جميعا والنهب العلني المتواصل لخيرات العرب وثرواتهم وكذا قادت هذه السياسات التابعة الى التطبيع العلني مع دولة الاحتلال الصهيوني واعتبار وجود دولة الاحتلال حق يهودي بات على الفلسطيني ان يثبت عكسه وهو ما كان مستحيلا قبل حكايات ربيع العرب او خريف الامة في واقع الحال.
في كل تاريخ العرب الحديث وبالتحديد منذ نهاية الحرب الاستعمارية الثانية لم تقدم الامة العربية اية حالة ثورية حقيقية شاملة بعيدا عن العسكر ومشاريعهم وهي خضعت طوال العقود الماضية لإرادة الديكتاتورية العسكرية بأشكال مختلفة ويكفي القول أن ما سمي بالربيع العربي وشكل في بداياته املا للجماهير العربية وبنت عليه القوى السياسية العربية احلاما وطموحات لم يرقى الى مستوى الثورة بل انحازت قواه وفعالياته الى علاقات تصل حد التبيعة للمصالح الامبريالية في المنطقة العربية برمتها وبدل انجازات ثورية حقيقية حصلت الشعوب العربية على انجازات تدميرية حقيقية لا زالت تتواصل حتى اليوم بأشكالها البشعة في كل من ليبيا وسوريا واليمن بمؤامرة امبريالية مع حلفاء علنيين ينفذون اجندة امريكا في المنطقة دون خجل.
بقلم/ عدنان الصباح