ارفع رأسك أنت أردني !!

بقلم: ماجد عبد العزيز غانم

 قبل قرابة الثلاثين عاما ونيف كنت مكلفا في الجيش الاردني وكان التدريب آنذاك قاسيا ، لكن أقسى ما فيه كان هو التدريب على المهارات الميدانية ، حيث كنا نصطف في طابور عسكري منتظم في الميدان بانتظار أوامر المدرب ، وكانت أقسى لحظة في هذا التدريب عندما كان المدرب يستعرض ألفاظه وعباراته علينا ومن أشهرها وأحبها إليه كانت عبارة ( عرش يا نذل !! ) بمعنى ارفع رأسك بشموخ علما أنها تمثل قمة الاذلال والاهانة ، إذ كيف لي أن أرفع رأسي بشموخ وأنت تذلني وتصفني بالنذل !! .

في هذه الأيام يطل علينا وزراؤنا ومسؤولينا بعبارات كثيرة تحمل نفس المعنى لتلك العبارة سيئة الذكر ، ومن أشهر عباراتهم ( ارفع رأسك انت أردني ) ، والمعنى بين العبارتين لم يختلف فالاثنتان تطلب منا ان نشمخ برؤوسنا عاليا لا لشيء  بل فقط لأننا أردنيون .

ما الفرق برأيكم بين العبارتين سوى اختلاف الزمان والمكان ، فالإذلال والامتهان لكرامة المواطن الأردني ما زال مستمرا بل ويتصاعد بصورة كبيرة تنذر بالخطر ، لن اجعل حديثي مرسلا بل سأضرب لكم أمثلة على هذا ومن واقعنا المعاش الأليم .

وهنا أوجه حديثي لمسؤولينا وولاة أمرنا وأقول لهم كيف تطلبون منا رفع رؤوسنا بشموخ ونحن نرى بسطار رجل الأمن على صدر المعلم الاردني الذي علمكم الف باء اللغة والعلوم المختلفة !

كيف تطلبون هذا منا ونحن نرى كل مقدرات وطننا وقد بيعت بأبخس الاثمان على يد فاسديكم ولمصلحتهم ومصلحتكم !

كيف تطلبون هذا منا ونحن نرى خيرات ومقدرات وطننا تنهب من قبل ثلة من الفاسدين ومن يرعاهم من المسؤولين !

كيف تطلبون هذا منا ونحن نرى من نهبوا الوطن وخيراته يتنعمون بأموالنا دون أي ملاحقة قانونية ، وإن حدث ولوحق بعضهم القضاء فالنتيجة سيان ولن يغير حكم القضاء شيئا ، ولنا في وليد الكردي خير مثال فهو محكوم بقضايا فساد بملايين الدنانير ، وها هو ما زال حرا طليقا بل ويعيش حياة كلها رفاهية وأمان ، ولا نجد من يطالب به ويحضره لتنفيذ حكم القانون  بحقه !

كيف تطلبون هذا منا وضرائبكم استنزفت آخر قرش في جيوبنا ، أما أسعار المواد الاستهلاكية اليومية للمواطن فحدث ولا حرج بسبب ارتفاعها وتغول اصحاب رأس المال على جيب المواطن وأنتم ما زلتم تطلبون منا رفع رؤوسنا !

كيف تطلبون هذا منا والبطالة في بلادنا تجاوزت الخط الأحمر لدى شبابنا وخريجينا ، وبالمقابل نشاهد الآلاف من العمالة الأسيوية تزحف صباحا للعمل في مصانعنا ، وأكبر دليل على ذلك التجمعات الصناعية في سحاب والتي تعج بالآلاف من العمالة الاسيوية ذكورا وإناثا ! أليس الأردني هو الأولى بفرص العمل هذه ! أم أن هناك صفقات مع هذه الدول من تحت الطاولة !

كيف تطلبون هذا منا ورواتب الموظفين في بلدنا تآكلت حتى باتت لا تصل حتى للحد الأدنى لخط الفقر ، وبالمقابل نرى من يتقاضون رواتب بالآلاف من الوزراء والمسؤولين وأبناؤهم بل حتى كل من يمت بصلة قرابة لمسؤول ما !

كيف تطلبون هذا منا وقد أصبحت شوارعنا وطرقنا مقبرة يومية لاختطاف أرواح الاردنيين ! وكل هذا بسبب فسادكم وفساد عطاءاتكم !

 أمر مهم هنا كيف تطلبون منا رفع رؤوسنا وبلادنا أصبحت رهينة للبنك الدولي وأذرعته ،  يتلاعبون بها كيفما يشاؤون ، ويفرضون علينا وصفاتهم واملاءاتهم والتي لم تجر على بلادنا الا الخراب والدمار في  شتى الأصعدة !

كيف لكم أن تطلبوا منا رفع رؤوسنا ونحن نرى وطننا وأرضنا أصبحت مستباحة للعدو الصهيوني المحتل ، وما اتفاقية العار والذل ( وادي عربة ) التي ما زلنا نعيش نتائجها المدمرة إلا اكبر مثال على الإذلال الذي يمارس بحقنا ، ولن يفوتني هنا أن أعرج إلى اتفاقية ( الغاز الفلسطيني المنهوب ) والتي سوف تجعل حتى إضاءة بيوتنا بيد العدو الصهيوني يتحكم بها كيفما شاء ، تماما كما يتحكم بماء شربنا بعد وادي عربة المشؤومة !

أما عن مقدساتنا وعلى رأسها الأقصى الذي لا زال يرزح تحت بنادق المحتل الصهيوني ، فوصايتنا عليه لم يتبقى منها إلا الاسم فقط ، فهل لنا أن نرفع رؤوسنا وهو على هذا الحال !

عجبي لكم كيف تأتيكم الجرأة لتطلبوا منا رفع رؤوسنا ودستور بلادنا تنتهك مواده يوميا ، فحرية الرأي وكرامة وقمع المواطن أصبحت كلها مرهونة بقرار من مسؤول ، يجلس مسترخيا ليصدر أوامره وقراراته بقمع كل من يطالب بكرامته وحريته !

أعترف بأنني أطلت عليكم لكنني أعترف بنفس الوقت إنني اختصرت الكثير من معاناة المواطن الاردني اليومية ، والتي تمنعه من رفع رأسه كما يريد مسؤولينا وولاة أمرنا الذين أوجه حديثي لهم وأقول ألا يكفيكم كل ما ذكرته لإصدار قرار جريء بمنع تداول هذه العبارة ( ارفع رأسك أنت أردني ) ’ ألا ترون معي أنها أصبحت عارا على كل من يطلبها من المواطن الاردني في ظل هذه الظروف وهذا الوقت بالتحديد !

أعود هنا لمقدمتي لأذكركم بأن من كان يقول لي ( عرش يا نذل ) قبل ثلاثين عاما هو ذاته من يقول لي الآن ( ارفع رأسك انت أردني ) ففي الحالتين انا مهان وذليل  فكيف لي أن أشمخ برأسي عاليا !

ولكن لن أختم مقالتي هذه إلا بتذكير ولاة الأمر أولا  ثم المواطن الأردني ثانيا بأن الأردن لنا نحن الأردنيون ونحن أصحابها وترابها أغلى من أرواحنا واننا سوف نرفع ونشمخ برؤوسنا عاليا عندما نحررها من التبعية ونقضي على آخر فاسد وظالم فيها وأن هذا اليوم أصبح أقرب مما تتخيلون وسيأتي ، وما هو على الله ببعيد .

 

 

ماجد غانم

السبت 21/9/2019

هاتف 0780019308

[email protected]